خبر : الصفعة العباسية ....حسين حجازي

السبت 07 مارس 2015 02:36 م / بتوقيت القدس +2GMT



أما الآن وقد اتخذنا القرار الذي وصف في وقت سابق بالصعب، من لدن أعلى هيئة تمثيلية في هرم النظام الفلسطيني فإن لنا حق الاختلاف الزائد الى حين، حتى نتبين بعد وقت مستقطع آخر شكل الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي ستنبثق عن انتخاباتهم بين من يرى بيننا أن القرار واجب التنفيذ الآن، وبين من يرى لدواعي المناورة إبقاء السيف مشرعاً على انه «توصية». أما دورنا نحن هنا فيقتصر على إبراز دلالته ومحاولة الاقتراب أكثر من المفاعيل التي يمكن ان تنتج عن اتخاذه، والنتائج السياسية على مستوى الإدارة العملانية للصراع، التي يمكن تحقيقها بناء على الإرادة في طريقة استعماله.
إن ما يجري أمامنا هو تطوير متواصل ومتداعم يعتمد منهج التركيب في الأداء، لاستراتيجية مبتكرة يجوز لنا الآن أن نقرنها باسم صاحبها الرئيس محمود عباس. وان قوام هذه الاستراتيجية على المستوى النظري إنما يعتمد مفهوماً سياسياً بسيطاً، ولكنه أصيل في محاولته استعمال توازن القوى في ظل الاختلال المادي بالمفهوم العسكري لهذا التوازن. ان الفهم الصحيح هنا والتأويل الحاذق لهذا التوازن المختل انما يقوم على اكتشاف مبدئه الأصلي والجوهري، والذي ينظر الى هذا التوازن ليس في بعده العددي أو الكمي، وإنما في إرادة وطريقة استعماله. إن الإخوان المسلمين في مصر وتونس، هما القوتان الأكثر عدداً، لكنهما في النهاية لم تستطيعا الانتصار والاحتفاظ بسلطة جاءتهما كهدية من السماء أمام خصوم اقل منهما قوة بكثير.
ان توازن القوى هو إرادة استعمال هذا التوازن مهما كان غير متكافئ، وملخص هذه الإرادة هو في القدرة على اكتشاف او معرفة أوراق قوتك، وامتلاك الجرأة والشجاعة كما الذكاء في الإلقاء بها على الطاولة في الوقت المناسب حينما يكون السر في التوقيت. عندما ينقض الصقر على جسد فريسته كما يقول صن تزو، والذي يضيف في مكان آخر ان القادة المهرة هم الذين ينتصرون على أعدائهم في مائة معركة دون قتال.
وهذه هي الاستراتيجية كما لو أننا ننقل إدارة العمليات، من النطاق المحلي الضيق لتمتد رقعة المعارك على مستوى المسرح العالمي الكبير، فيما يشبه التكامل الوظيفي في الأدوار او بيادق الشطرنج، من مجلس الأمن الدولي الى الجمعية العامة للأمم المتحدة الى محكمة الجنايات الدولية الى البرلمانات الأوربية، ولجنة المتابعة العربية.
 قال بيني غينتس رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، في رسالته الوداعية ان ما يفعله أبو مازن انما هو خصخصة قضايا وموضوعات الصراع الفلسطيني مع إسرائيل.
ولكن ها هو يستدير في لحظة من انهاك الخصم، وفي الوقت الذي يجب فيه اتخاذ القرار الصعب، ولكن الذي يمثل الرافعة والمدعم لعمل كل هذه الجيوش، فيعقد المجلس المركزي في رام الله ليتحدث عن الصمود والمقاومة الشعبية، كشعار للمرحلة القادمة، ويتخذ القرار بوقف التنسيق الأمني بكل أشكاله. واستبقت إسرائيل هذا القرار المتوقع بمناورة عسكرية في الضفة الغربية، هي الأكبر في دلالتها منذ عملية السور الواقي العام 2002. لكن ذلك لم يثن الرجل والمجلس ان يتخذ القرار الذي يستجيب لمزاج فلسطيني عام، لا يوشك على الانفجار في غزة فقط، ولكن في الضفة والقدس وفلسطينيي العام 1948.
 وإذ يبدو من منظار اللحظة الراهنة اليوم، أن قراراً من هذا النوع، لو اتخذ في وقت اسبق لجعل العالم يحتشد ضدنا، وربما قامت قيامة الدنيا وإسرائيل استغلت ذلك بإعادة احتلال مناطق السلطة، وربما محاصرة المقاطعة. الا أن الصورة اليوم مغايرة تماما حينما يبدو الفلسطينيون هم الذين يوجهون الصفعة لهذا الرجل المنعزل تماماً، والمنبوذ من أميركا وأوروبا، ومؤخراً بدا حلفه العربي الإقليمي القديم يتهاوى كما لو انه قصر من الرمال، وحيث الملك سلمان هو اللاعب العربي الجديد، ولكن القوي في المسرح الإقليمي.
ان هذا القرار الذي يقارب إخراج السيف من غمده والتلويح به، سيف المقاطعة، ليكمل طوق الحصار والعزل على إسرائيل وشد الحبل على رقبة نتنياهو. لعله قرار ماكر أيضا موجه في هذا التوقيت، للناخب والشعب الإسرائيلي، دون التصريح باننا نتدخل في الانتخابات، ولكنه قرار واضح في دلالته وفي هذا التوقيت، قبل أسبوعين من إجراء الانتخابات، بأن عليكم ان تعرفوا وان تختاروا، فهذا الرجل ليس بطلا قوميا لإسرائيل، وإنما خراب ودمار عليكم. لم ينتصر في الحرب على غزة ولم ينتصر في غروره وغطرسته ووقاحته على أبو مازن في رام الله، الذي سوف يجلبه عما قريب الى المحاكمة، هو وأركان عصابته، كمجرمي حرب.
لقد أُسدلت الستارة الآن على قواعد اللعبة القديمة، لنبدأ لعبة جديدة بقواعد مختلفة. وان المسافة التي تفصل بين واجب التنفيذ اليوم واعتبار القرار مجرد توصية، إنما هي شعرة رقيقة، تفصلنا في الوقت لتحديد ساعة الصفر للهجوم الكبير الذي يحضر له باراك أوباما كما الأوربيين، والحلف الإقليمي الجديد، المثلث السعودي التركي القطري، بعد الانتخابات في إسرائيل والى ذلك الحين.