الوحوش البشرية التي عادت للظهور،لكي تمارس إجرامها وفاشيتها بالقتل والحرق للأحياء والتقطيع للجثث والجز للرؤوس بالسيوف والسكاكين بحق البشر بغض النظر عن دينهم او مذهبهم أو منبتهم الفكري والسياسي او هويتهم، وتدمير كل ما له صلة بالحضارة والتاريخ والتراث والبشرية، تؤكد بشكل قاطع بأن هذه الحيوانات الضالة والمنفلتة من عقالها،لا تنتمي للجنس البشري إلا من حيث الهيئة والشكل.
وحتى هذا مشكوك فيه، وما شاهدناه ورأيناه سابقاً في أفغانستان من تدمير للحضارة البوذية، حضارة عمرها الاف السنين، تؤرخ لحقبة تاريخية مهمة للحضارة الإنسانية بفنونها وتراثها وأدوات إنتاجها ومستوى التطور الذي بلغته، على يد حملة الفكر الظلامي والتكفيري والإقصائي واللاعقلاني، والذين يعتبر فكرهم وثقافتهم نتاجا لفكر وثقافة الكهوف والسجون،ثقافة وفكر "طورا بورا" وغوانتنامو،وأيضاً نتاجا لإحدى القراءات المتطرفة والإقصائية والمتشددة للدين الإسلامي،فكر ابن تيميه،الذي وجد حواضنه وشق طريقه في الجزيرة العربية، ووجد بيئة حاضنة له وسياقات إقتصادية ،إجتماعية،سياسية،امنية،فكرية وتاريخية،وفرت له كل المقومات والإمكانيات المادية والإعلامية والمنابر والبنى والهياكل والمؤسسات الدينية والتعليمية من اجل التمدد والتوسع،وهذا الفكر وتلك الثقافة كانا يزحفان نحو السيطرة على الوعي العام،بفعل البترودولار.
وهذا الفكر وهذه الثقافة وتلك القراءة،ما كان لها ان تتسيّد وتسيطر على الوعي العام العام،لو ان الأنظمة العربية التي كانت تحمل فكراً قومياً ووطنياً،أنظمة الزعيم" القائد" و"الخالد" و"الملهم" والذي " لا ينطق عن الهوى" ،لم تمارس القمع والإستبداد،وتحجر على الفكر وتطارد المفكرين والمثقفين والكتاب والإعلاميين الذين لا يمجدون ولا يؤلهون الزعيم "القائد " وبعد نظره وألمعيته وقدراته "الخارقة" على إستشراف المستقبل.. الخ.
ولعلنا نتذكر جيداً "الكتاب الأخضر" للعقيد الراحل معمر القذافي، والذي أصبح يحتل القداسة في ليبيا اكثر من الكتب السماوية نفسها،وقس على ذلك التأليه والتقديس للقادة الآخرين ونهجهم وفكرهم الذي لا يحتمل النقد والطعن،وكل من يقدم على ذلك فالسجون والطرد والنفي والمحاربة في لقمة العيش وأعواد المشانق مأواه،وبفشل الدولة العربية الحديثة في إقامة مجتمعات المواطنة والتوزيع العادل للثروات،وتفشي الفقر والجهل والأمية،وطغيان القمع والإستبداد،وغياب الحريات السياسية والشخصية والمشاركة في الحكم والقرار، كل ذلك كان يوفر الفرصة والبيئة لأصحاب فكر الدروشة والشعوذة والحجر على العقل والفكر،لكي يعملوا على استقطاب الناس وتأطيرهم وتنظيمهم،حيث الأنظمة،غضت النظر عن أنشطتهم،ووجدت فيها ضالتهم،لكي يمارسوا ظلاميتهم وفكرهم التكفيري ضد الناس والمعارضين،من اجل ترويعهم وتخويفهم،ووفرت لهم هامشاً ومساحة للعمل،ما دام ذلك ضد خصومهم ولا يمس أنظمة حكمهم.
اليوم نحن نقف أمام اناس يعتقدون بان المجتمع مطواع لهم،وانه يخضع لهندستهم الإجتماعية،وهو مجموعة رغبات وليس حقائق،يعيشون في الماضي الذي يفشلون في إستعادته،،يهملون الحاضر،ويحقدون على ناسه
يريدون "أسلمة" المجتمع مجدداً و"هدايته" من جديد والرجوع به ليعيش كما عاش السلف من وجهة نظرهم،وكما كانت عليه الخلافة الراشدة،يهملون الحاضر،يغضبون على ناسه فيقتلونهم. يفتكون بهم،ولو كانوا مسلمين أو غير ذلك.يعتقدون أن الأقرب هو العدو الأول. لا تعنيهم الإمبريالية أو إسرائيل.يعنيهم فقط مجتمعهم من مختلف الأديان والقوميات والإثنيات؛هؤلاء الذين لا يخضعون لإعادة التشكيل والمطاوعة.. إذن يجب قتلهم.
وتعني السلفية بمفهومهم أن الحاضر لا أهمية له، وأن أهله هم الأشرار . يعتبرون أن عليهم تطهير الأرض وتطهير أنفسهم من هؤلاء الذين لا يخضعون لهم ولا يتشبّهون بهم ولا يخضعون لآرائهم. يعتبرون آراءهم هم حقائق إلهية فيحقدون على من لا يقرّ بذلك.
هؤلاء القتلة والمجرمون اشبه باحفاد،أحفاد الوحش"خمبابا" في أسطورة "جلجامش" الذي قتل قبل ما يقارب(5000 ) عام وورثة هولاكو والتتار والمغول والبرابرة يبعثون من جديد،يبعثون على هيئة بشر مشوهة،أقرب الى الوحوش والبهائم،من تدمير إرث للحضارة الإنسانية، تدمير لحضارة أكد وبابل وآشور وسومر وغيرها هم يحرقون الأخضر واليابس في الموصل عاصمة الخلافة العباسية، يحرقون ويدمرون حضارة اعرق شعوب المنطقة، ويريدون هدم أركان الدولة القومية العربية،يريدون ان يخرجوا امتنا العربية من التاريخ البشري العاقل، وتحويلها الى مجموعة من القتلة والمجرمين وقطاع الطرق واللصوص.
نعتذر اليوم لشعوب بابل وآشور وسومر،التي علمتنا شريعة حمورابي ، الكتابة والرياضيات والفلك،وأشهر السنة،وأيام الأسبوع، وفن العمران ،والدولاب،والري،والفلك والكيمياء وحتى اعقد العلوم،حضارة عريقة ممتدة لآلاف السنين،تهدم على يد جماعات من المتخلفين،على يد من هم مسكونين بالدروشة والشعوذة والغيبيات والفكر التكفيري....
وفي منطق تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» التي تدمر ما تبقى من إرث حضاري وإنساني في الموصل وسوريا ما يدلل على عظمة تلك الحضارة، حيث انهم بعد ان اوغلوا في جز الرؤوس وتقطيع الجثث وحرق الأجساد حية،في جرائم لم تحدث ولم ترتكب في عهد النازية والفاشية،فإن جريمتهم الدنيئة والحقيرة والخارجة عن كل معاني وقيم الإنسانية والبشرية بقطع رؤوس العمال المصريين الأقباط في ليبيا،ومفاخرتهم بذلك على وسائل الإعلام وتصويرها بطريقة هوليودية،يجعلنا واثقين بان هؤلاء القتلة والمجرمين،يستهدفون امتنا العربية كوجود وحضارة وتاريخ خدمة لمشاريع ترسم لهم في دوائر مخابرات ومراكز دراسات وأبحاث إستراتيجية إستعمارية،وهؤلاء القتلة والمجرمون،ليس فكر الكهوف والسجون والبيئة الحاضنة والسياقات التي وجدوا فيها،هي فقط التي تدفعهم لإرتكاب جرائمهم ومجازرهم وتدميرهم للحضارات البشرية والإنسانية،ولعل انظمة الزعيم"القائد" والقائد"الملهم" و"المفدى"،هي شريك في تدمير المشروع القومي العربي وضياع الهوية،وهي الوجه الاخر للفكر الظلامي والتكفيري،حيث طاردت المفكرين والمبدعين والكتاب والمثقفين المغردين خارج سرب الزعيم "القائد" والقائد "الوحيد والأوحد".
وفي الختام نقول :- في مرحلة الضعف والإنهيار وتشوه الوعي وفقدان البوصلة، وغياب المفكرين وعقم الأحزاب الثورية والتقدمية والقومية والعلمانية، وكفها عن انتاج فكر ومفكرين، فإنه ليس من الغرابة في ظهور من يرقص على إيقاعات الطائفية المرعبة: سني – شيعي – يزيدي – أشوري- كلداني – شافعي –مالكي – حنبلي- روم أرثوذكس – لاتين – موارنة – دروز – سريان – لوثري – أرمني.


