خبر : نتنياهو وأوباما وسياسة «البصق» في الوجه ...محمد ياغي

الجمعة 27 فبراير 2015 09:49 ص / بتوقيت القدس +2GMT



قبل أسابيع – وفي معرض تعليقها على الأزمة التي أشعلها نتنياهو بموافقته على إلقاء خطاب أمام الكونغرس الأميركي حول الموقف من المفاوضات بين الدول الكبرى وإيران بشأن ملف الأخيرة النووي - كتبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية ساخرة أن نتنياهو مُصر على إظهار نفسه ليس كمن يقرر سياسات إسرائيل فقط بل سياسات الولايات المتحدة أيضاً. 
الإهانة التي وجهها نتنياهو للرئيس الأميركي وإدارته بالعمل أولاً على ترتيب دعوة لنفسه لإلقاء خطاب أمام الكونغرس الأميركي من خلف ظهر إدارة أوباما، وثانيا بالتدخل "الوقح" في المفاوضات الدائرة بين الولايات المتحدة وإيران حول ملف الأخير النووي، كانت أكبر من أن تبتلعها الإدارة الأميركية. "لقد بصق في وجهنا" و"سيكون لذلك ثمن"، هكذا قال مسؤول أميركي لصحيفة هآرتس.
في بداية ثمانينيات القرن الماضي، كان نتنياهو ملحقاً بالسفارة الإسرائيلية في واشنطن وهو يدرك أن أساس الدعم الذي تتلقاه إسرائيل يكمن في قدرتها على حشد التأييد لها من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي وليس من أحد الحزبين فقط. بمعنى أن إسرائيل تمكنت في السابق من جعل التأييد لها مرتبطا بالكونغرس الأميركي أكثر من ارتباطه بالإدارة الأميركية. ولأن الأغلبية في الكونغرس متحركة تميل في فترات الى الحزب الجمهوري وفي أخرى للحزب الديمقراطي، فإن مصلحة إسرائيل كانت دوماً هو في أن تجعل من القضايا المرتبطة بمصالحها، قضايا ذات إجماع داخل الحزبين الأميركيين. لهذا يقوم اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة بدعم مرشحي الحزبين لانتخابات الكونغرس ومعياره الوحيد في دعم أي مرشح هو قربه أو بعده من سياسات إسرائيل. في الوقت نفسه يمتنع هذا اللوبي صراحة عن إظهار تأييده لمرشح على حساب مرشح آخر في الانتخابات الرئاسية حتى لا يؤثر ذلك على علاقاته بكلا الحزبين. لذلك تحصل إسرئيل -ومن دون أن تطلب صراحة- على تأييد مباشر من مرشحي الانتخابات الرئاسية يجعلها فوق القضايا الخلافية بين الحزبين.
هذه المرة أرتكبت حكومة إسرائيل ثلاثة أخطاء كبيرة. الأول هو قيام رون ديرمر، سفير إسرائيل في واشنطن، بالتنسيق مع جون بونر، رئيس مجلس النواب الأميركي الجمهوري، وبدون علم الإدارة الأميركية، بتوجيه دعوة لنتنياهو لإلقاء خطاب في الكونغرس عن الملف النووي الإيراني. "ديرمر" المولود في الولايات المتحدة، كان ناشطاً في الحزب الجمهوري قبل أن يصبح سفيراً لإسرائيل في واشنطن، وهو يدرك أن الدبلوماسية تتطلب منه التنسيق مع الإدارة الأميركية قبل التوجه لرئيس مجلس النواب لدعوة نتنياهو. الثانية، أن الدعوة تتم على أرضية معارضة سياسات الولايات المتحدة في الملف الإيراني. بينما تميل الولايات المتحدة الى تخفيف العقوبات الاقتصاية على إيران في حالة قبولها باتفاق يحرمها من إنتاج سلاح نووي أو يؤخره، تقوم حكومة إسرائيل بالادعاء بأن أي إتفاق مع إيران سيمكن الأخيرة من الاحتفاظ بقدرتها التقنية على إنتاج قنبلة نووية في الوقت الذي تريده. لذلك، وبعد أن فشلت إسرائيل خلال السنوات الست الماضية من توريط الولايات المتحدة بإعلان حرب على إيران، تقوم الآن بمحاولة تعطيل الإتفاق بين الدول الكبرى وإيران واستبدال ذلك بالمزيد من العقوبات الاقتصادية عليها. المسألة هنا ليس فقط الانتقادات العلنية التي توجهها حكومة نتنياهو لإدارة أوباما بشأن الملف النووي الإيراني، علماً بأن الدارج بين البلدين أن خلافاتهما لا تظهر للعلن، ولكن في استعداد حكومة إسرائيل للحشد السياسي علناً ضد إدارة أوباما. بمعنى أنها تأخذ خلافاتها مع إدارة أوباما للكونغرس لإظهار "نواب الشعب الأميركي" كمن يقفون خلف رئيس حكومة إسرائيل وليس خلف رئيس دولتهم. 
الثالثة تتعلق بكسر المحرمات في العلاقة بين البلدين. إسرئيل كما أشرت سابقاً ترغب بأن تجعل قضاياها محل إجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لكن عندما تتعارض سياساتها مع سياسة الإدارة الأميركية المعلنة كما هو الحال الآن بشأن النووي الإيراني، وعندما تحاول التأثير على إدارة اوباما من خلال الكونغرس الذي يتمتع فيه الجمهوريون بأغلبية، فإنها تُحرج حلفاءها الديمقراطيين الذين سيضطر الكثير منهم، بحكم مصالحهم الخاصة المرتبطة بإعادة انتخابهم ودور اللوبي الإسرائيلي في ذلك، لأخذ موقف مؤيد لتشديد العقوبات على إيران بدلاً من تأييد سياسات رئيسهم. إدارة أوباما تدرك ذلك، لهذا شدد أوباما في خطابة السنوي أمام الكونغرس في شهر كانون الثاني الماضي، بأن إدارته ستواجه بالفيتو أية قرار للكونغرس يهدف الى تشديد العقوبات على إيران.
هو أكثر من بَصقْ ما تقوم به حكومة نتنياهو في وجه الإدارة الأميركية ورئيسها. لذلك وعلى عكس الحالة التي تعرضت لها الإدارة الأميركية عندما قررت الضغط على إسرائيل لوقف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ثم اضطرت للتراجع أمام الرفض الإسرائيلي، وهو أيضاً "بصق في الوجه." في الملف الإيراني المسألة أكثر أهمية للأمن القومي الأميركي ولمصالحها في منطقة الخليج، لذلك بصقت إدارة أوباما بملء فمها في وجه نتنياهو وحكومته. 
أوباما أعلن صراحة وفي أكثر من مقابلة بأنه يرفض مقابلة نتنياهو متذرعاً بأن رؤساء أميركا لا يلتقون بمرشحي رئاسة بلدان أخرى قبل الانتخابات في بلادهم بأسبوعين. هذا بالطبع غير صحيح سواء تعلق ذلك بإسرائيل سابقاً أو بغيرها من الدول. جون كيري وزير الخارجية، أعلن بأنه سيكون في سويسرا للتفاوض بشأن الملف النووي الإيراني أثناء إلقاء نتنياهو لكلمته أمام الكونغرس وأنه بالتالي لن يجتمع معه، مضيفاً بأن إسرائيل لا توجد لديها معلومات عن المفاوضات مع إيران، وهو ما يعني بأن إدارة أوباما قد قررت حجب المعلومات عن إسرائيل بخصوص هذا الملف. جو بايدن، نائب الرئيس ورئيس مجلس الشيوخ، أعلن أيضاً بأنه لن يحضر خطاب نتنياهو في الكونغرس وبأنه سيكون خارج الولايات المتحدة خلال خطابه. سوزان رايس، رئيس مجلس الأمن القومي الأميركي أعلنت بأن خطاب نتنياهو أمام الكونغرس هو "انحياز إسرائيلي للحزب الجمهوري" وهو بمثابة "عمل تدميري" للعلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة. ثم جاء رفض إدارة أوباما بتأكيد أو نفي إرسالها لمندوب عنها لحضور المؤتمر السنوي لمنظمة أيباك، لوبي إسرائيل في الولايات المتحدة، وهو عمل تقوم به الإدارة الأميركية كل عام وفي أغلب الأوقات يحضره نائب الرئيس الأميركي أو وزير خارجيته.
هي إذن أكثر من "بصقة" في وجه حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة. هل هذا يعني بأن سياسات الولايات المتحدة ستتغير بشأن إسرائيل في الملف الفلسطيني. ربما.. لكن علينا أن نتذكر أن إيران ليست فلسطين. الأولى نفوذها مادي يمتد من أفغانستان الى الخليج العربي، والى العراق وسورية ولبنان وحتى غزة، بينما فلسطين نفوذها بالكثير معنوي. لكن دعونا نأمل بأن أخطاء نتنياهو العديدة قد تدفع الولايات المتحدة لرفع تأييديها لإسرائيل في الأمم المتحدة، ولو من باب معاقبتها على "البصق في وجه الإدارة الأميركية."