خبر : أوروبا وحماس واتهامات الإرهاب: تساؤل برسم الإجابة؟د. أحمد يوسف

الإثنين 02 فبراير 2015 01:21 م / بتوقيت القدس +2GMT
أوروبا وحماس واتهامات الإرهاب: تساؤل برسم الإجابة؟د. أحمد يوسف



في 27 ديسمبر 2001م، وضع الاتحاد الأوروبي حركة حماس على قائمة التنظيمات الإرهابية استجابة للضغوط الأمريكية الإسرائيلية، وفي عام 2014م أصدرت "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان - الاتحاد الأوروبي" قراراً ببطلان هذا القرار، الأمر الذي استدعي نتانياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف بشن حملة تحريض ضد الأوروبيين، مذكراً إيَّاهم بالمحرقة اليهودية، ومطالباً بالرجوع عن هذا القرار، وقد استجار بورقة الضغط الأمريكية، الأمر الذي حدا بالمفوضية الأوروبية بتقديم طلب الاستئناف أمام المحكمة الأوروبية الأعلى درجة؛ وهي "محكمة العدل الأوروبية"، وبالتالي فإن آثار القرار الأوروبي بخصوص حماس لن تزول حتى يصدر قرار نهائي عن هذه المحكمة.


السؤال الذي يدور على ألسنة الإسلاميين وتيارات الاعتدال الإسلامي في المنطقة، هو: ما الذي تريده أوروبا من حركة حماس؟ التطرف أم الاعتدال!!


لقد سعدنا وتنفسنا الصعداء، وذلك عندما خرجت إلينا المحكمة الأوروبية بقرار بطلان وضع الحركة على قائمة الإرهاب في 17 ديسمبر 2014م، واستبشرنا خيراً، وتمَّ النظر للقرار من قبل حركة حماس بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح، وتصحيحاً لخطأ سابق، وقال د. موسى أبو مرزوق؛ نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إن "هذا القرار هو تصحيح لخطأ تاريخي ارتكبه الاتحاد الأوروبي، وأن حماس هي حركة مقاومة، وأن حقها الطبيعي - حسب كل القوانين والشرائع الدولية - أن تقاوم الاحتلال".
واليوم نفاجأ بأن المفوضية الأوروبية تقدمت باستئناف لإبطال مفعول القرار!!
ربما هذا الاستئناف هو مجرد إجراء قانوني، كما ذكر لنا بعض الأوروبيين من السلك الدبلوماسي، إذ ليس بالضرورة أن محكمة العدل العليا ستلغي القرار، وتعيد إدراج حماس في قائمة التنظيمات الإرهابية.. وإذا حدث عكس ذلك، وتمَّ التراجع عن القرار فإنها سوف تثبت لكل المتشددين والغلاة في المنطقة والعالم الإسلامي بأن "الكفر ملة واحدة"، وهذا مجرد دليل آخر وتأكيد لما اعتاد البعض قوله عند تقييم السياسات الظالمة للغرب تجاه قضايا الإسلام والمسلمين.


نحن نعلم أن السياسة الأمريكية منحازة بالكلية إلى إسرائيل، وأن هذا القرار لن يجعل القوى الموالية لهذا الكيان الغاصب تنام ليلها، بل ستتحرك كل اللوبيات الصهيونية والتجمعات اليهودية المناصرة لإسرائيل حول العالم من أجل تغييره، وستعمل على تفعيل كل مراكز الضغط ومجموعات المصالح لدفع الاتحاد الأوروبي للعمل بغية إبقاء حركة حماس في المشهد العالمي كحركة إرهابية، وليس تياراً سياسياً فاز بالأغلبية في الانتخابات التشريعية، وهو يلتزم في مقاومته للاحتلال بالقانون الدولي الذي يمنح الشعوب الحق في الدفاع عن نفسها وتقرير مصيرها.


إن رفع حركة حماس من القائمة الأوروبية للإرهاب، جاء كإعلان البشارة لشعوب المنطقة بأن العالم - وخاصة أوروبا - قد فقدت الأمل في أي تسوية سياسية للصراع، وأن نتانياهو والحكومة اليمينية المتطرفة التي يقودها ليس لديها أي رؤية حقيقية للسلام، وأن الجهد الأوروبي مطلوب منه توجيه بعض الضغط على نتانياهو كي يلزم غرزه، ولا يتعدى في سياساته حدود القانون الدولي والمواقف الأممية.


إن موقف المحكمة الأوروبية كان رسالة تلقفتها حركة حماس خارج سياق مدلولها القانوني، حيث كانت بمثابة خطوة سياسية اعتمدتها أوروبا لفتح الباب أمام حركة حماس للدخول معها في حوارات تكامل الجهود، التي تبذلها والمجتمع الدولي مع الفاعلين في الساحة السياسية، بهدف إيجاد مخرج سلمي لحالة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.


إن قناعات الحركة منذ العام 2001م هي أنها وضعت ظلماً على هذه القوائم الغربية للإرهاب؛ باعتبار أنها حركة تحرر وطني، وحقها في مواجهة المحتل الغاصب مكفول أممياً حسب الأعراف والقوانين الدولية.. عملياً؛ توقفت حركة حماس عن تكتيكات العمليات الاستشهادية لوجود بدائل أفضل عام 2003م، وانتظرنا أن يصدر القرار برفع الحركة عن قائمة التنظيمات الإرهابية عام 2004م، إلا أن أوروبا ظلت تماطل في ذلك. لقد كنا مدركين - منذ البداية - بأن القرار جاء على خلفية سياسية، وبالتالي فإن رفعه سيكون أيضاً له باعث سياسي.


بعد الأحداث المأساوية التي استهدفت الصحيفة الفرنسية الساخرة "شارلي ابيدو" في 7 يناير الماضي، أصدرت حركة حماس بياناً نددت فيه بالاعتداء، وكان موقفها واضحاً، حيث اصطفت الى جانب موقف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والذي استنكر ما حدث من اعتداء على الصحيفة وأدانه بشدة، معتبراً بأن أي خلاف في الرأي والفكر ليس مبرراً لقتل الأبرياء.. وطالبت الحركة العالم بهذه المناسبة الوقوف إلى جانب شعبنا وحمايته من إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل، وأن تعالج أحد أهم أسباب الإرهاب عبر العالم، والمتمثل في استمرار الاحتلال وانتهاك المقدسات.


ومن المعروف أن معظم المؤسسات الدينية والهيئات الإسلامية بالغرب قد حذت هي الأخرى حذو الموقف الإسلامي العام، والذي استنكر وأدان هذا الاعتداء مع تذكير العالم والمجتمعات والدول الغربية أن المساس بالرموز الإسلامية والمقدسات هو خط أحمر يجب عدم الاقتراب منه.


وفي تعبير عن حالة الاجماع داخل ساحتنا الوطنية والإسلامية في الوطن المحتل، أصدرت هيئة الوفاق الفلسطيني بياناً، أدانت فيه هذا الفعل، وحذرت في الوقت نفسه من تمادي المساس بالرموز والمقدسات الإسلامية، وقد تضمن البيان التأكيد على النقاط التالية:


أولا / ادانة واقعة الاعتداء على مقر الصحيفة وطاقمها وايقاع ضحايا بينهم، واعتبار ذلك سلوك غريب وغير مقبول يتنافى مع قيمنا الإسلامية وشريعتنا الغراء، التي تدعو إلى الحوار والجدال بالتي هي أحسن، حيث إن منطق الاقناع والحوار هو البديل المجدي عن إسالة الدماء والتعامل بردَّات الفعل السلبية دائماً .
ثانيا / رفض الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه واستنكاره الشديد لتحقير الصحيفة المذكورة لرسولنا الكريم محمد رسول الإنسانية جمعاء، وتعتبر ذلك سلوكاً همجياً وموتوراً ومعادياً ليس للشعب الفلسطيني أو المسلمين فحسب، بل معاد للقيم الإنسانية وللأديان السماوية مجتمعة .
ثالثا / نؤكد على عمق علاقات الصداقة بين الشعبين الفلسطيني والفرنسي، وتثمين الدعم الفرنسي لقضيتنا العادلة، ودعوة البرلمان الفرنسي الأخيرة لحكومته للاعتراف بدولتنا الفلسطينية .
رابعا / أهمية حسن الاستضافة والوفادة لضيوفنا الفرنسيين ومؤسساتهم ومصالحهم في بلادنا، والتي تقدم خدمات لشعبنا؛ سواء في المجال التعليمي والثقافي والصحي أو البنية التحتية وتبادل الخبرات والتجارب، وهذا واجب علينا في أحكام ديننا الإسلامي وعاداتنا وتقاليدنا الفلسطينية وتراثنا النضالي، الذي يحثنا على التسامح والسلام والتعايش المشترك، فلا يمكن التعامل مع أغلبية الشعب الفرنسي بجريرة فئة طائشة.
خامسا / أهمية لجم الحكومة الفرنسية لازدراء الأديان والرسل والمقامات المقدسة في الأديان السماوية، وضرورة العمل على اصدار تشريع يُجرم ذلك؛ صوناً لقيم الثورة الفرنسية، ولأحكام الدستور الفرنسي، ولمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
لا شك أن هذه المواقف الإسلامية ما كانت لتأتي بهذا الإجماع تجاه حدث الصحيفة، إلا بعد أن شعر الجميع في التيارات الإسلامية والحواضر العربية بأن أوروبا آخذة بتعديل مسارها لصالح الشعب الفلسطيني، ودعم مطلبه في الحصول على حقه في دولة حرة ومستقلة.
أتمنى ألا تنتكس هذه الحالة العربية والإسلامية، وأن يخرج القرار بعد الاستئناف - مرة ثانية - بتثبيت ما اعتمدته المحكمة الأوروبية من عدم شرعية وضع حركة حماس على القائمة الأوروبية للإرهاب.


إن الكثير من الجهود التي تمَّ بذلها مع الأوروبيين خلف الكواليس، والقناعات التي توفرت إليهم حول حركة حماس من خلال تلك اللقاءات أو ممارسات الحركة أثناء وجودها في مشهد الحكم والسياسة، جعلت أوروبا تدرك أن حماس هي حركة معتدلة ولها تطلعات وطنية مشروعة، وهي تستحق العمل معها ومبادلتها الرأي والمشورة، بهدف الخروج من حالة المراوحة في المكان ليس على مستوى حالة الصراع مع الاحتلال، بل أيضاً لتحقيق وضعية الاستقرار السياسي داخل الساحة الفلسطينية، كمتطلب لنجاح أي تسوية سلمية للصراع.


إن الغرب يدرك بأن إسرائيل غير معنية بإيجاد تسوية عادلة تمنح الفلسطينيين دولة حرة ومستقلة، وأن كل ما يعرضه الإسرائيليون من أفكار هي "حالة أبرتهايد" مذلة، حيث تُبقي قبضتهم على الأرض الفلسطينية من ناحية، واستعبادنا كشعب تحت الاحتلال من ناحية ثانية.


إننا نناشد زعماء العالم الغربي وأوروبا على وجه الخصوص، وكذلك شعوب العالم الحر ومنظمات المجتمع المدني في العالم التحرك للجم العدوانية الإسرائيلية، وقطع الطريق أمام تحركات نتانياهو واليمين الإسرائيلي لإشعال المنطقة بالحروب على خلفيات دينية، والعمل على تفهم الموقف الفلسطيني – الوطني والإسلامي – المدافع عن حقه باستعادة أرضه السليبة، وتحقيق حلمه في دولته الحرة والمستقلة على أرض فلسطين.
إن حركة حماس - كما يعرف القاصي والداني - إنما هي حركة تحرر وطني برؤية إسلامية، وأن مسيرتها النضالية لا تخرج عما هي عليه كل حركات التحرر الوطني والشعوب التي نالت حريتها عبر سنوات طويلة من المواجهات، حيث تبدأ مشوارها بالكفاح المسلح ثم تنتهي بجلسات التفاوض، وذلك عندما يدرك الجميع بأن الأبواب كلها مؤصدة، ولا سبيل للحسم إلا على بساط المنابر الأممية وعبر الجهود والوساطات الدولية.

مواقف حماس ورؤيتها السياسية


منذ اللحظة التي ظهرت فيها نتائج الانتخابات في 25 يناير 2006م، والتي شهد العالم بنزاهتها وشفافيتها، وشعبنا يتعرض لحملة من الضغوط والاستهداف غير المسبوق، بهدف كسر إرادة الحكومة التي تمثله، ولقد تجاوز هذا الضغط كل حدود السلوك المعقول من كيل الاتهامات، وفرض الشروط المسبقة عليها، إلى إعلان المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية بالشكل السافر الذي شاهدناه في الحكومتين العاشرة والحادية عشرة إضافة إلى الحكومة التي أعقبت الانقسام في يونيه 2007م، وحتى وقتنا الحاضر.
ومن الجدير ذكره، أن النتائج المدمرة لهذه السياسة قد بدأت تظهر آثارها على شعبنا، وهي آخذة في التعاظم يومًا بعد يوم، وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار حالة الفقر المدقع والبطالة التي وصلت نسبتها إلى أكثر من 65% في قطاع غزة، والتي ارتفعت بشكل غير مسبوق ـ حوالي 80% ـ بعد إغلاق المعابر ومنع وصول المواد الأولية لقطاعي البناء والصناعة، إضافة إلى تدني مستويات الدخل في الأراضي المحتلة، والتي لا تخفى أسبابها عن أحد، وهي: الاحتلال والحصار، وضعف الموارد الطبيعية، وكذلك ما استشرى من فساد وغياب للشفافية داخل مؤسسات السلطة لأكثر من عقد من الزمان.


إن حكومة حماس العاشرة لم يكن مجيئها من أجل تصعيد العنف والمواجهة والحرب، بل العكس هو الصحيح، حيث إن الغالبية من الفلسطينيين يفضلون أن تكون هناك تسوية سلمية تنهي الاحتلال وترد الحقوق إلى أصحابها، مع وجود القناعة لدى الكثيرين بأن إسرائيل - الدولة المارقة - غير معنية بهذه التسوية، ولا تتطلع للسلام - أصًلا - مع الفلسطينيين.


ونحن إذا كنا حريصين على بذل الجهد من أجل أن يتحقق السلام، فإن ذلك لا يعني أننا سنستسلم ونقبل بأي حل.. ونود هنا أن نعيد تأكيد موقفنا، والذي سبق لنا تسجيله في مرات عديدة، وهو: إن سياسة الحصار الاقتصادي والعزلة السياسية والضغوط المتواصلة لن تثني شعبنا ولا تياراته وفصائله الوطنية والإسلامية من التأكيد على مطالبهم المشروعة باستعادة أراضهم المحتلة وإقامة دولتهم المستقلة عليها، وأن هذا الصراع لن ينتهي بأسلوب الانسحاب الأحادي الجانب، ولا بسياسة الضم والمصادرة للأراضي الفلسطينية، ولا بتكتيكات الانفراد بهذا الطرف الفلسطيني أو ذاك، فهذه قضية وطن وشعب وأمة، ونحن على يقين بأبعاد حلها، وعلى إسرائيل والمجتمع الدولي أن يفهما بأننا لن نقبل بأقل من دولة فلسطينية حرة ومستقلة وقابلة للحياة على حدود الرابع من حزيران 1967م والقدس عاصمة لها.


لا شك بأن هناك أسئلة كثيرة يطرحها العالم والمجتمع الدولي، وينتظر منا إجابات عليها، ولذا فإننا نعرض هنا موقفنا منها على الشكل التالي:

شروط الرباعية: التجني وغياب العدل


بعد أن فازت كتلة الإصلاح والتغيير - الواجهة السياسية لحركة حماس –بالانتخابات التشريعية، انتظرنا أن يفتح لنا العالم الغربي صدره، ويستقبلنا بحفاوة وترحاب انسجامًا مع شعاراته التي أطلقها حول ضرورات نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، أسوة مع الدعم والتأييد الذي قدمته أمريكا لعمليات التحول الديمقراطي التي شهدتها دول أمريكا اللاتينية وبعض بلدان أوروبا الشرقية في نهاية الثمانينيات.. ولكن للأسف وجدنا الأبواب توصد في وجوهنا، ويناصبنا الجميع العداء، وبدلاً من السعي للتواصل معنا ومحاولة استيعابنا، وضعت أمريكا وأوروبا الممثلتان في اللجنة الرباعية كل العراقيل لشل حراكنا السياسي، وإفشال قدرتنا على تحقيق الإصلاح والتغيير الذي بشَّرنا به شعبنا، بعد المعاناة التي مرَّ بها على مدار أكثر من ثلاثة عشر سنة كانت عجافًا، مارست فيها بعض الجهات المتنفذة داخل السلطة الفلسطينية الكثير من مظاهر الفساد المالي والإداري، وفتحت المجال للأجهزة الأمنية بإطلاق العنان للفلتان وفوضى السلاح، لكي يعشش داخل نسيجنا الاجتماعي، ويهدد مستقبل مشروعنا الوطني.


كانت شروط الرباعية الثلاث ظالمة ومجحفة ولا تتناسب مع منطق الأشياء، ولهذا رفضناها، وإن كان بالإمكان التفاوض على بعضها، والتفاهم عليها.. ولكن - وهذه حقيقة يعرفها الجميع - أن أمريكا كانت ترى في فوز حركة حماس تهديدًا لاستراتيجيتها في الحرب على الإرهاب، باعتبار أن نجاح هذه الحركة سيشكل تشجيعًا للإسلاميين في باقي المناطق للحذو حذوها، وهذا ما لا تريده إدارة بوش وحلفائها في المنطقة، لذلك عملوا جميعًا على التآمر عليها لإغراقها في المشاكل الحياتية عبر الحصار الاقتصادي، وتطويقها بالعزلة السياسية لتجفيف ينابيع تواصلها مع العمق العربي والإسلامي، اللذين - كانا وما زالا - يشكلان لها شبكة الأمان والمجال الحيوي في وجه تحديات الاحتلال والحصار.


الاعتراف بإسرائيل: الاعتراض والموقف


لقد وضعت اللجنة الرباعية العربة أمام الحصان حين أصرت على شرط الاعتراف بإسرائيل، لأن هذا الشرط كان معناه أن المطلوب هو عدم تحرك الأمور قيد أنملة، والعمل بكل السبل على إجهاض حماس قبل أن تدب الحياة في الجنين، ويرى شعبنا ثمرة منحهم الثقة فيها.
لقد التفت الغرب ـ وخاصة الولايات المتحدة ـ لما تريده إسرائيل، فوضعوه شروطًا علينا، ولم يحملوا الطرف الإسرائيلي في المقابل بأية التزامات تجاه حقوقنا وثوابتنا الوطنية.


لقد طرحنا على الغرب والرباعية وكل من وجه إلينا هذا السؤال تساؤلات مشروعة، وللأسف لم نجد منهم آذانًا صاغية، قلنا لهم:


بأي إسرائيل سنعترف؟! ما هي حدود هذه الدولة التي تتحدثون عنها؟ وهل الجولان ضمن أراضيها؟ وهل مزارع شبعا منها؟ وأين حدود الدولة الفلسطينية المزمع إقامتها؟ وماذا عن حق العودة ؟ وما مصير الفلسطينيين (عرفات، أبو مازن، م ت ف) الذين اعترفوا لإسرائيل بهذا الحق؟ هل التزم الطرف الإسرائيلي بالاستحقاقات والتعهدات التي قطعها على نفسه في اتفاقات أوسلو وطابا...الخ؟ وماذا حدث للتفاهمات والاتفاقيات التي تم توقيعها مع الإسرائيليين؟! فهل أوفوا بما عاهدوا عليه أنفسهم للطرف الفلسطيني أم لا ؟ وهل القانون الدولي يفرض على شعب أو حكومة تحت الاحتلال أن تمنح شرعية للمحتل؟ هل انتهى الاحتلال أم مازالت إسرائيل تماطل، ويغطي الغرب تعنتها وتعدياتها؟ وماذا عن جدار الفصل العنصري الذي رفضه العالم وطالبت محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 2004م بهدمه والتعويض للفلسطينيين الذين تضرروا منه؟


وماذا عن عذابات الفلسطينيين لأكثر من ستة عقود، هل أعدَّ الغرب عدته لتعويضهم عنها؟ وماذا عن محنة آلاف السجناء والمعتقلين والأسرى؟ هل سيتم الإفراج عنهم والعودة إلى أهلهم وديارهم قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة أم بعدها؟ وما هو مصير القدس واللاجئين في مخيمات الوطن والشتات؟


تساؤلات لا تنتهي، مطلوب من العالم أن يجيبنا عليها، قبل أن يبادرنا بمثل هذا الاشتراط الخطير على مستقبل وجودنا وقضيتنا.
إن قضية الاعتراف بما لها من تداعيات دينية وسياسية وقانونية وأخلاقية وعسكرية علينا وعلى المنطقة بأسرها، كون فلسطين/الأقصى تجسد قضية مركزية في وجدان الأمتين العربية والإسلامية، ويتجاوز التعاطي معها ـ بكل تأكيد ـ أبعادها المحلية، فإنها تفرض على المجتمع الدولي محاورتنا والتعاطي معنا، وإدراج رؤيتنا السياسية وما لدينا من تصورات وحلول في حزمة مساعيه وجهوده لتحقيق الاستقرار والأمن والازدهار بالمنطقة، وليس فقط الرضوخ للمنطق الإسرائيلي وإملاءاته المناقضة للأعراف والقوانين الدولية.

المفاوضات: مخاوف وتحفظات


لا أحد يرفض البحث عن حلول سلمية للقضية الفلسطينية عبر العملية التفاوضية، ولكن الإشكالية أن مثل هذه اللقاءات التفاوضية تكررت بشكل عبثي؛ ممل وفاشل، على مدار السنين التي أعقبت أو سبقت أوسلو.. نفس الوجوه والألقاب وأساليب التسويغ، وإن كان السقف الوطني قد تدنى أكثر لدى البعض بصورة أضحت تشكل تهديدًا خطيرًا يمس بثوابت قضيتنا الوطنية.


لقد امتهنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة التسويف وشراء الوقت والتنكر للاستحقاقات المترتبة عليها بعد كل اتفاقيه يتم التوقيع عليها، وهي تراهن دائما على دعم الإدارة الأمريكية لها سياسياً وعسكريًا، وأيضاً على نفوذ تلك الإدارة في تطويع الموقفين العربي والإسلامي، وترويض السياسات الأوروبية بما ينسجم مع سياساتها ورؤيتها الرافضة لأية توجهات حقيقية نحو السلام الذي ينهي الاحتلال، ويؤسس للدولة الفلسطينية الحرة المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 والقدس عاصمة لها.
لقد عودتنا الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أن تتحدث عن السلام فيما جرافاتها ودباباتها لا تتوقف عن اجتياح القرى والمدن الفلسطينية، حيث تقوم بتدمير المساحات الخضراء والاستيلاء عليها لإقامة المستوطنات وبناء جدار الفصل العنصري تحت ذرائع أمنية وحجج وهمية.

البرنامج السياسي: الأولوية لإنهاء الاحتلال


إن رؤية حركة حماس هي إعطاء الأولوية لإنهاء الاحتلال.. وتعتمد هذه الرؤية على أن المقاومة هي حق مشروع للشعب الفلسطيني، فطالما أن هناك احتلالاً، فالقوانين والشرائع الدولية تعطينا الحق في مقاومة الاحتلال... ومن هنا، فمن التجني اتهام مقاومتنا المشروعة للاحتلال بالإرهاب، فلقد استباحت إسرائيل عبر إرهاب الدولة (State Terrorism) كل أشكال التعدي على أرضنا وشعبنا، وأطلقت العنان لآلتها العسكرية أن تقتل وتدمر وتقترف المجازر بحق المدنيين، ولم نسمع من المجتمع الدولي استنكاراً وتنديداً بمثل هذه الممارسات الإرهابية، وللأسف كانت إسرائيل تجد ـ دائمًا ـ من يمنحها الحصانة، ويغطي الجرائم التي ترتكبها بحق الانسانية على أرض فلسطين.


لقد حرصت حماس (الحركة والحكومة) على التعاطي مع الأجواء السياسية التي اعقبت فوزها في الانتخابات التشريعية يناير 2006م، وطرحت رؤيتها السياسية القائمة على فكرة الهدنة طويلة الأمد، والتي تتضمن انسحاباً إسرائيلياً من المناطق التي احتلتها عام 1967م، مقابل وقف شامل لإطلاق النار، على أن يتم إطلاق سراح كافة الأسرى والمعتقلين، والتعاطي مع حق العودة وفق القر

ار الأممي (UN-194).
ومع تعثر الجهود السلمية، فإن خيارات المقاومة المسلحة تبقى هي المرشحة لمواجهة الاحتلال وانهائه.
لقد سعت حماس (الحركة والحكومة) لشرح موقفها السياسي للعديد من الجهات الأوروبية والأمريكية، وتعاطت بإيجابية في حواراتها مع هذه الأطراف، وشهدت تفهماً أفضل تجاه طروحاتها السياسية ورؤيتها لإنهاء الاحتلال.


للأسف؛ بقي الموقف الأمريكي على حاله من الانحياز لإسرائيل، وممارسة الضغط على الأطراف العربية والدولية لاستمرار سياسة الحصار والعزلة السياسية على حماس (الحركة والحكومة) حتى يومنا هذا... ولولا هذه السياسة المتعنتة، لشهدنا الآن انفراجاً في العلاقة مع حماس، وتواصلاً يمهد الطريق لفرص نجاح الجهود والمبادرات السلمية بالمنطقة.
الصواريخ: رسالة إنذار للإسرائيليين


إن إسرائيل نجحت في إقناع العالم بأن عدوانها المتواصل على الشعب الفلسطيني هو بسبب الصواريخ التي تطلقها فصائل المقاومة من قطاع غزة، وذلك في محاولة منها لخداع الرأي العام العالمي، وبهدف التغطية على جرائم الاحتلال شبه اليومية على شعبنا في الضفة الغربية والقطاع.. إن هذه الصواريخ التي أبدعت إنتاجها محليًا فصائل المقاومة لا تشكل بالمنظور الاستراتيجي تهديدًا لمستقبل وجود إسرائيل، كما يتم الترويج لذلك في العواصم الغربية، وإن ما يعرفه الخبراء في هذا المجال بأن هذه الصواريخ ما يزال تأثيرها محدودًا، إذ أنها لا تحمل رؤوسًا تفجيرية قاتلة، وإن كانت كافية لجعل الإسرائيليين يشعرون بالخوف والهلع، واصابة حياتهم بالشلل.


إن المقاومة تستخدم هذه الصواريخ للرد على العدوان الإسرائيلي المتكرر على المدن والبلدات الفلسطينية، ولقد قلنا في الحكومة العاشرة والحكومة الحادية عشرة بأننا على استعداد لوقف شامل ومتبادل ومتزامن مع إسرائيل، حيث إن كافة فصائل المقاومة سوف تلتزم بالموقف الوطني الذي تستدعيه ضرورات التخذيل، بسبب الاحتلال والحصار المطبق على أهلنا في قطاع غزة.. وعلى ذلك، فإن الصواريخ سوف تبقى - بالنسبة للفلسطينيين - أداة ردع قابلة للتطوير، وذلك إذا ما استمر الاحتلال والعدوان الإسرائيلي على أرضنا وشعبنا.

الأمن: عمادة الاستقرار والازدهار بالمنطقة


لا شك بأن الأمن مطلوب لتوفير أجواء الاستقرار والازدهار بالمنطقة وفلسطين على وجه الخصوص، ولقد طرحت حماس (الحركة والحكومة) رؤيتها لتحقيق ذلك، فتحدثت عن الهدنة وعن التهدئة ولكن إسرائيل رفضت الأفكار والمقترحات التي تقدمت بها حماس عبر وسطاء عرب وأوروبيين، وأصرت أن تظل يدها طليقة تمارس القتل والتخريب حيثما وأينما شاءت.. ولقد التزمت حماس بالتهدئة (Cease- fire) أكثر من مرة، إلا أن إسرائيل ظلت تنتهك هذه التهدئة، وواصلت مسلسل القتل والاغتيال للكوادر الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
إن الأمن لا يمكن منحه لطرف دون الأخر، وإذا أرادت إسرائيل أن تنعم بالأمن والاستقرار فعليها أن توقف عدوانها، وتنهي احتلالها للمناطق الفلسطينية، وإلا فإن من حق الفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم، ومقاومة الاحتلال الجاثم على أرضهم، وهذا حق مشروع كفلته القوانين والأعراف الدولية.


العلاقة مع الغرب: تفاهم لا مواجهة


منذ أن انطلقت حركة حماس، وخطابها الدعوي يتمتع بالمرونة والاعتدال، وكانت نظرتها للغرب - وما تزال - هي ضرورة التفاعل والتفاهم والابتعاد عن مشهد الصراع والمواجهة. ولقد استقبلنا النداءات التي صدرت في الغرب بتشجيع الديمقراطية وحماية حقوق الانسان بالترحيب، واستبشرنا خيراً بها، ودعونا إلى عدم النظر إلى الغرب كعدو، وعدم التعاطي مع الغرب كعنوان واحد، فهناك تباينات وهم ليسوا سواء، والمسألة تستدعي منا الحكم على الدول الغربية من خلال سياستها ومواقفها، وليس بتعميم الأحكام، وكنا نراهن على أن الغرب سيتعاطى معنا بنفس الروح وليس من خلال الصور النمطية والأحكام المسبقة، ولكن –للأسف- ما شاهدناه هو أننا وضعنا في قفص الاتهام وناصبنا الغرب العداء..!!
لقد اتهمتنا أمريكا بالإرهاب ووضعتنا على قوائمه عام 1996م، واستعدت علينا دول العالم كافة، ووجدت في فوزنا بالانتخابات ضربة موجعة لسياستها بالحرب على الإرهاب، وطعنة لمشروعها في تشجيع عمليات التحول الديمقراطي بالمنطقة.


لقد كانت حماس (الحركة والحكومة) ضحية لسوء السياسات التي انتهجتها الإدارة الأمريكية، ليس فقط إزاء شعبنا الفلسطيني وقضيتنا الوطنية بل- أيضاً - إزاء شعوب المنطقتين العربية والإسلامية.


ومع كل الإساءات والتعديات وأشكال التآمر المختلفة الذي تمارسه الإدارات الأمريكية المتعاقبة وبعض الدول الأوروبية، إلا أننا لا نُحمّل الشعوب الغربية وزر هذه السياسات، وما زلنا نتطلع إلى علاقات إيجابية ومتوازنة مع كل الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.
حركة حماس: تحركات ومواقف مطلوبة
بالرغم من أن حركة حماس قد أظهرت مواقفها ورؤيتها المعتدلة تجاه الكثير من قضايا الصراع ومتعلقاته، من خلال سياسات عمل الحكومة التي شكلتها، وتصريحات قادتها ومواقفهم السياسية، إلا أن إسرائيل ما تزال تحاول الربط بين حركة حماس وبعض الحركات الإسلامية التي تميل إلى اتخاذ العنف منهجاً، وتنحو في بعض ممارساتها نحو التطرف والإرهاب.. وقد تعمد نتانياهو طوال سنوات وجوده على رأس الحكومة الإسرائيلية على اتهام حركة حماس بأنها شبيهة بالقاعدة حيناً، وبإيران حيناً آخر، والآن هي شبيهة بداعش!! كل ذلك بهدف تبرير جرائم الحرب والجرائم بحق الإنسانية، وكذلك الانتهاكات للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، الذي يرتكبها جيشه بحق الفلسطينيين خلال عدوانه المتكرر على قطاع غزة.
لقد أوضحت حركة حماس موقفها بأنها حركة تحرر وطني، وأن مقاومتها هي فقط للاحتلال الإسرائيلي، كما أن معركتها هي مع المشروع الصهيوني، الذي يعمل على تفريغ الأرض الفلسطينية من ساكنيها، والاستيلاء على الأماكن المقدسة وتهويدها. وأن كل ما زعمه نتانياهو حول ميثاق حماس وأنه يدعو إلى القضاء على إسرائيل، إنما يأتي في سياق أن هذه الدولة المارقة تشكل تهديداً لأمن واستقرار المنطقة وأن أرض فلسطين التاريخية؛ مهد الديانات السماوية الثلاث، كانت وطناً لأهلها العرب من المسلمين والمسيحيين واليهود، أما هؤلاء الطارئين عليها من الصهاينة فأولى بهم العودة إلى البلاد الذين جاءوا منها غزاة إلى أرض فلسطين.


إن الميثاق والذي اتخذه نتانياهو كوثيقة لإلباس حماس ثوب الشيطان والتحريض عليها، إنما هو أحد أدبيات الحركة خلال فترة الانتفاضة، وكان بهدف التعبئة لحشد الفلسطينيين للتصدي للاحتلال، وهو ليس وثيقة مقدسة بدليل أن برنامج حركة حماس الذي دخلت به الانتخابات وفازت بها يتجاوز بنود الميثاق ولا يطرح شيئاً منها، كما أن رؤية الحكومة التي شكلتها، والبرنامج السياسي الذي اعتمدته وصادق عليه المجلس التشريعي يحلق في فضاء يجعلها تقترب من الواقعية السياسية، التي عليها معظم فصائل العمل الوطني الفلسطيني.

ختاماً: أوروبا بين الواقعية والاعتدال


لقد أدركنا منذ أن بدأنا لقاءاتنا مع بعض الأطراف الأوربية، وخاصة سويسرا والنرويج، بأن هناك حرصاً على الانفتاح على حركة حماس، ورغبة أكيدة في التعاطي معها سياسياً.. كنا نعلم بأن هناك قوانين تحظر على دول الاتحاد الأوروبي من التعامل بشكل رسمي مع الحركة أو الحكومة التي تمخضت عن فوز الحركة في الانتخابات التشريعية، ولذلك رضينا بأن تظل كل لقاءاتنا وحواراتنا التشاورية خلف الكواليس؛ سواء في قطاع غزة أو في بعض الدول العربية والأو

روبية، أملاً في تفهم الدول الغربية لصوابية مواقفنا، ورغبتنا الحقيقية في البحث عن حل عادل لإنهاء الصراع، وقيام دولتنا الحرة المستقلة.
لم تتوقف هذه اللقاءات مع الأوروبيين طوال السنوات التسع الماضية، وكانت فرصة لنا لتنمية وتطوير قدراتنا وفهمنا السياسي بحقيقة عمل دول الاتحاد الأوروبي، وقد وفرت لنا إطاراً معرفياً بآليات السياسة الغربية، كما أنها منحتنا كذلك المكانة لعرض رؤيتنا السياسية والفكرية، وإيصالها بشكل مباشر لكل الدول الغربية، بعيداً عن الرواية الإسرائيلية التحريضية المغلوطة.
لقد لمسنا في السنوات الأخيرة بعض الاعتدال في الموقف الأوروبي تجاه قضيتنا الفلسطينية، ولاحظنا وجود مواقف تعبر عن وعي أفضل لحقائق الصراع مع المحتل الإسرائيلي الغاصب، كما أن الحراك الدبلوماسي للكثير من الدول الأوروبية بخصوص الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو مؤشر إيجابي يبعث على الأمل والتفاؤل.


وبانتظار ما ستخرج به محكمة العدل العليا من قرار، بعد أن تقدمت المفوضية الأوروبية بطلب الاستئناف، ستظل ساحتنا العربية والإسلامية وأحرار العالم تعمل مع المجتمع الدولي بديناميكية عالية لحسم القرار لصالح حركة حماس.