خبر : هاني فحص وفلسطين ..

الجمعة 26 سبتمبر 2014 02:26 م / بتوقيت القدس +2GMT
هاني فحص وفلسطين ..




حكايات لا تنسى وكشف عن "وصيّة العلم"

كتب يوسف الشايب:

كان طبيعياً أن لا يمر خبر رحيل السيد هاني فحص، مفجّر "ثورة التبغ"، و"نصير الفقراء"، مرور الكرام في فلسطين، هو الذي التحق باكراً في صفوف حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) ومن جسد تحالف المحرومين، وكان له دور كبير في ربط العلاقه بين الثورة الفلسطينية والثورة الإسلامية في إيران، قبل الإطاحة وبعد الإطاحة بـ "شاه إيران"، وهو الذي رافق الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في أول رحلة له زائراً إيران بعد وصول الإمام الخميني إليها.

فندق "اسكاربيه"
وكان نبأ رحيله، مدعاة لاستذكار عدد ممن يعرفونه جيداً من مثقفي وساسة فلسطين، حكايات خاصة معه، من بينهم الروائي والكاتب يحيى يخلف، وزير الثقافة الفلسطيني السابق، وقال: تعرّفت إلى السيد هاني العام 1976 في القاهرة عندما كنا ننتظر فتح مطار بيروت للعودة بعد أن أغلق بسبب الحرب الأهلية ودخول قوات الردع السورية إلى لبنان، وكنت قادما من الكويت بعد جولة عمل سياسي وتنظيمي في طريقي إلى بيروت، التقينا في فندق أقرب ما يكون إلى "بنسيون" اسمه فندق "اسكاربيه"، وكان هو قادما من جولة عربية لتسويق محصول التبغ للمزارعين اللبنانيين في الجنوب حاملا رسالة توصية لسفراء منظمة التحرير في البلدان التي زارها لتسهيل مهمته، ومن المعروف أنّه شارك في العام 1972 في انتفاضة مزارعي التبغ المطلبية.
وتابع: علق معنا في الفندق عدد من الشخصيات الفلسطينية ينتظرون مثلنا فتح المطار للعودة إلى بيروت حيث مركز القيادة الفلسطينية ومن بينهم الشاعر الكبير عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)، الذي خفف عنا عناء الانتظار بحديثه العذب وروحه الجميلة... أمضينا في الفندق ما يقارب الشهر، أمضينا فيه معظم الوقت معا، أنا والسيد هاني وأبو سلمى، نخرج معا إلى مقهى (جروبي) أو مقهى (ملبّس) نشرب القهوة، ونلتقي بأصدقاء مصريين من العاملين في مجال الأدب والسياسة، ونتجاذب أطراف الحديث، ونعود في المساء إلى الفندق.
عرفت في تلك الأيام السيد هاني فحص الإنسان والمثقف، ورجل الدين السمح الذي يطمئن القلوب، ولمست تعلّقه بالقدس والقضية الفلسطينية، وبالشخصيات التي عرفها من أبو عمار إلى أبوجهاد، إلى المناضل المصري محجوب عمر إلى المقاتلين البسطاء الذين زار قواعدهم وعقد معهم صداقات حميمة.

الفدائي القنّاص
وواصل يخلف النبش في الذاكرة: والمرة الثانية إذا لم تخنّي الذاكرة كانت العام 1978، إذ التقيته في معسكر "عين الصاحب" بضواحي دمشق، وكان يشارك في دورة تدريب عسكرية، ومعه بعض أبنائه، يرتدي لباس الفدائيين، ويومها شاهدت تطبيق برنامج الرماية، وكم كان بارعاً في التسديد، وخصوصاً في استعمال الـ "آر.بي.جيه".
يذكرني هذا الرجل الذي يرتدي زي رجال الدين في حياته العامة، والذي يرتدي زي الفدائيين إذا تطلب الأمر ... يذكرني برجال الدين في أميركا اللاتينية الذين تجاوزوا مواقف الكنيسة، وانضموا إلى الثوار الذين يقاتلون من أجل تحرير بلادهم من هيمنة الولايات المتحدة على الرغم من أنّ الثوّار كانوا ينتمون إلى اليسار، ويشاركون في مساعدة الأهالي وتوزيع المساعدات الغذائية، هذه الظاهرة أطلقوا عليها ظاهرة "لاهوت التحرير"، يذكرني السيد هاني فحص بتلك النماذج التي تكررت في الثورة الفلسطينية بشكل أو بآخر، والمطران كبوجي مثالا، والشيخ عزالدين القسام الذي فجّر ثورة 1936 مثالاً، وكيف يوظف الدين في الكفاح من أجل التحرر الوطني، الدين الوطني والشعبي لا الدين المتطرف التكفيري، الذي يوظف الدين لخدمة الإرهاب، والذي بدأ خطره يمس الاستقرار في كثير من البلدان العربية.

زمن الثورة والحلم
ويعود الكاتب والإعلامي الفلسطيني يحيى رباح بالذاكرة إلى أربعين عاماً خلت، قائلاً: التقيت السيد هاني فحص وهو من قرية جبشيت في جنوب لبنان في أوائل السبعينيات، حين كنت مفوضاً سياسياً لقواتنا الفلسطينية في جنوب لبنان، في القاطع الشرقي الذي يطلق عليه اسم "العرقوب" وقد رأيته في هيئات متعددة، مرة وهو يرتدي العمامة السوداء والجبة كرجل دين وطالب علم ديني، ومرة يرتدي ملابس عادية، وأخرى وهو يرتدي زي الفدائيين المقاتلين، الزي الكاكي المرقط!!!.
والحقيقة، والحديث لرباح، أن ذلك الزمن، منتصف السبعينيات، كان زمن الحلم والثورة، الثورة الفلسطينية التي كانت عنوان الثورة العربية الإسلامية والعالمية، وكانت جمهورية الفاكهاني في بيروت "مقر ياسر عرفات وبعض مراكز القيادة الفلسطينية" التي لا تزيد على مساحة قبضة اليد، تتسع لكل الطموحات، ومشروعية الحلم، والرغبة الجامحة لدى أمة في تسجيل اسمها في كشف الحضور، كانت جمهورية الفاكهاني عاصمة الثوار العرب والمسلمين، فقد كنت ترى في مقراتها، ومراكزها، ومعسكراتها طيوراً نادرة من كل مكان، من مصر وسوريا والعراق والأردن، من البحرين وليبيا ومن المغرب وإيران وباكستان، ومن اليمن وأريتريا من السودان وتونس وموريتانيا، من الكويت وقطر، من الجزائر موحية الثورات جميعاً، ومن السعودية، ومن بقية جهات الأرض الأربع، فقد كانت فلسطين تحمل بيديها المبدعتين علم الثورة العالمية، وكان عشاق الثورة كلهم هناك، من مقاتلين، ومفكرون من الطبقة الأولى، وشعراء ومبدعين من كل الأنواع، أما اللبنانيون فحدث ولا حرج، فهم أصحاب الأرض التي استضافت الثورة، وهي سداة الأحزاب على اختلاف أنواعها، وهم مدد الفصائل الفلسطينية، وهم في صفوف حركة فتح كان لهم الموقع المميز.

فحص ابن "فتح"
وأضاف رباح: أصبح لكل هؤلاء وجود مميز مشع تحت اسم "تنظيم فتح اللبناني" الذي كان قد تبلور على يد المناضل الفتحاوي الكبير يحيى عاشور "حمدان"، الذي كان من مؤسسي تنظيم فتح في النمسا وألمانيا ثم كان على رأس تنظيم فتح في لبنان، وقد استقطب تنظيم فتح في ظل قيادته عدداً من الكوادر المميزين من كبريات العائلات اللبنانية من كل الطوائف دون استثناء، ثم تطورت الفكرة أكثر، وأصبح تنظيم فتح اللبناني أكثر حضوراً، وكان بين أقطابه ذلك الشاب المتعدد التجليات، الواسع الثقافة، ذلق اللسان السيد هاني فحص، رجل الدين الشيعي، المفكر العربي الإسلامي، الفدائي المقاتل، واحداً من فرسان الحلم والثورة، واحداً من العقول الملهمة الذي رأى بأن فلسطين بقضيتها التي تتوهج عدلاً، وبجرحها الذي ينزف ناراً، وبنضالها الذي يتفتح إبداعاً، هدية من الله لهذه الأمة، فإن نجحت هذه الأمة في اختبار فلسطين فإنها ستكون قد حجزت لنفسها مقعداً مميزاً في قطار المستقبل، وإلا، فإن الأمة سيكون أمامها زمن طويل من الضياع قبل أن تستقر على حقيقة تستند إليها.

نعي رسمي
ونعت أمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية المناضل والمفكر الكبير العلاّمة فحص، وقالت إنه كان مدافعاً عن قضية شعبنا الفلسطيني وحقوقه العادلة والمشروعة، وكانت له رؤية وطنية وقومية وإنسانية شاملة ترتكز على الحوار والمحبة والتسامح بكل معانيها، مقدماً نموذجاً خاصاً للمناضل والمفكر والمبدع والإنسان، واستذكرت علاقته الوطيدة بالحركة الوطنية الفلسطينية والقائد المؤسس الراحل ياسر عرفات، تجسيداً لرؤيته ودوره الوحدوي والمعادي للطائفية والفئوية والإقليمية، ومناصرة أصحاب الحق والمستضعفين والمظلومين في مواجهة الاستبداد والظلم والاحتلال.
وقالت حركة فتح في بيان صدر عن مفوضية الإعلام والثقافة إن العلامة فحص الصديق المُخلص لقائدنا التاريخي الرمز ياسر عرفات، وللقيادة الفلسطينية الوطنية، كان عنواناً للتسامح والحوار ومد الجسور بين الأديان، نابذاً المذهبية والطائفية التي من شأنها تمزيق الأمة وتضييع حاضرها ومستقبلها.
وتقدمت حركة فتح، من أسرة المناضل الكبير والشعب اللبناني الشقيق بأحر التعازي راجية أن يتغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جنانه.
ونعت مؤسسة ياسر عرفات، ممثلة بمجلس الأمناء ورئيسه عمرو موسى، ومجلس الإدارة ورئيسه ناصر القدوة، وكافة العاملين بالمؤسسة، عضو مجلس إدارة المؤسسة العلاّمة هاني فحص.

علم فلسطين
وكشف محمود العالول عضو اللجنة المركزية لحركة فتح: كان من وصية هاني فحص أن يلف بالعلم الفلسطيني، هو يعتبر نفسه فلسطينيا، هو لبناني فلسطيني وكان دائماً يتحدث عن ذلك لأنه يعتبر أن قضية فلسطين هي القضية المركزية لهذه الأمة العربية التي لابد أن يسلط عليها الضوء من الجميع، هاني فحص كرس نفسه للقضية الفلسطينية.. وقال: نحن فقدنا هاني فحص، وفقدنا ممثلي النهج الذي كان يحمله هاني فحص، نحن سعدنا بصحبة هاني فحص، وهاني فحص شكل حلقة الوصل بين الثورة الفلسطينية وبين الثورة الإيرانية.
وأضاف العالول: فقدنا فكر هاني فحص الذي كنا نسميه القافز على قيود الطوائف والمذاهب وغيرها في هذه المسألة، فكر الوحدة فكر التفاعل فكر الحوار الدائم هذا الذي كان يقود الحوار بين الأديان، وبين الطوائف سواء في الساحة اللبنانية أو في كل موقع .. كان منتمياً لحركة فتح وهو احد العوامل الأساسية التي بنت جسورا إيجابية بين حركة فتح وبين الجماهير في جنوب لبنان في تلك الحقبة، حيث كان هذا التفاعل الرائع بين جماهير جنوب لبنان وبين الثورة الفلسطينية.
كان السيد العلامة والمفكر والفدائي هاني فحص يدرك بوعيه العميق أن فلسطين هي القضية الملهمة، وهي القاعدة المجمعة، وهي بوصلة الطريق، ودونها فإننا في هذه الأمة من أقصاها إلى أقصاها نمضي على غير هدى، ونتصايح ونتصارخ بلا معنى، وننحر رقاب بعضنا لإرضاء العدو، فهل يرضى العدو عنا حقاً؟؟؟ ... رحم الله السيد هاني فحص، فقد كان صوتاً قوياً وعلامة بارزة في زمن الحلم والثورة.