ستستأنف إسرائيل والفلسطينيون، هذا الاسبوع، في القاهرة الاتصالات لعقد هدنة بعيدة المدى في قطاع غزة. في 27 آب حينما دخلت الهدنة، التي أنهت الخمسين يوما من القتال بين اسرائيل و"حماس"، حيز التنفيذ، تم الحديث عن محادثات ستجرى خلال ثلاثين يوماً.
ولا يعني ذلك أن اطلاق النار سيستأنف في نهاية الاسبوع القريب، لكنه حُدد مع ذلك أجل مسمى ينظر الطرفان إليه.
إن صعوبة أن تعرض "حماس" حتى الآن إنجازا على سكان غزة، يمكن أن يسوغ ولو متأخرا معاناتهم زمن الحرب هذا الصيف، تُعقد الوضع وتثير خوفاً ما من الآتي.
يبث قادة "حماس" في الآونة الاخيرة رسائل مختلفة عن نواياهم، فقد قال موسى أبو مرزوق، الذي جاء الى القطاع من مقره الدائم في القاهرة، إنه اذا لم يرفع الحصار عن القطاع فلا مناص من حرب أخرى.
وقال مسؤول كبير آخر هو محمود الزهار إن "حماس" ستوافق على قبول وجود رجال السلطة الفلسطينية في القطاع، لكن كمراقبين لا قوة أمنية.
وأصبحوا في السلطة الفلسطينية يشتكون من أن "حماس" تنوي أن تضع صعوبات في وجه إرسال نشطاء أجهزتها الأمنية الى القطاع، وأنه سيكون من الصعب من غير الاتفاق على ذلك استئناف فتح المعابر الى اسرائيل ومصر من اجل انتقال منظم للناس والسلع.
وبين يدي ذلك توتر مستمر بين السلطة الفلسطينية و"حماس"، رغم أن المصريين يتوقعون من المعسكرين ارسال وفد مشترك للمحادثات في القاهرة.
تقوم في مركز تبادل الاتهامات في الايام الأخيرة قضية السفينتين اللتين غرقتا في البحر المتوسط وعليهما فلسطينيون من سكان القطاع هربوا منه بغية البحث عن مستقبل افضل في اوروبا. وتستغل السلطة الفلسطينية القضية لاتهام "حماس" بالإضرار بالشعب الفلسطيني، لأن صورة سيطرة المنظمة على القطاع (ويتضمن ذلك ايضا سلسلة المواجهات العسكرية مع إسرائيل)، أفضت بالسكان الى هذا القدر من اليأس، حتى إنهم أرادوا أن يغادروه بكل وسيلة مخالفين مخالفة تامة روح الكفاح، ويزعمون في السلطة أن نشطاء "حماس" يشاركون الآن ايضا في استعمال أنفاق يخرج منها اللاجئون الى سيناء في طريقهم الى الإبحار. ويرى جهاز الأمن في إسرائيل، الآن، أنه لن يُستأنف اطلاق النار في نهاية الاسبوع.
والدعوى، كما عبر عنها، الاسبوع الماضي، وزير الدفاع، موشيه يعلون، هي أن الردع الاسرائيلي قوي بما يكفي، وأن "حماس" لن تخاطر الآن بمواجهة عسكرية اخرى بسبب الاضرار التي خلفتها الحرب في الصيف في غزة.
لكن ما زالت توجد عناصر كثيرة قادرة على أن تحرق الطبيخ، أهمها العداوة بين السلطة و"حماس" والايقاع البطيء لجهود الاعمار.
وقد أعلنت الامم المتحدة، الاسبوع الماضي، عن انشاء جهاز يراقب نقل مواد البناء لتعمير ما أضر به القتال، لكن المال يتدفق بطيئا ولا تقل البيروقراطية بطأً عنه. ويتوقع أن يصاحب مشهد مئات آلاف السكان بلا مكان سكن في غزة، أن يصاحب سلطة "حماس" في القطاع شهورا كثيرة بعد.
لا يمكن ايضا تجاهل احتمال وقوع حوادث عسكرية نقطية تؤجج التوتر، وأصبح الفلسطينيون في القطاع يشتكون من عدة وقائع أطلقت فيها سفن سلاح البحرية الاسرائيلية النيران على قوارب اقتربت من حدود منطقة الصيد التي تسمح بها اسرائيل قبالة الساحل، ومن دخول قوات برية للجيش الاسرائيلي إلى داخل القطاع في عدة فرص وراء الجدار الحدودي للتمشيط وللعثور على متفجرات.
تبين كما يبدو أن منظمة "الجهاد الاسلامي" هي التي أطلقت قذيفة الهاون التي أطلقت، الاسبوع الماضي، الى ارض فارغة في غلاف غزة، وربما كانت تلك تجربة إطلاق تشوشت، وعلى كل حال لم ترد اسرائيل ردا عسكريا واكتفت بتهديد عام لـ "حماس" لأول اخلال فلسطيني بالهدنة.
سخونة في لبنان
في جنوب لبنان سقطت، أول من أمس، طائرة صغيرة بلا طيار تابعة للجيش الاسرائيلي من طراز "راكب السماء"، خلال مهمة تصوير فوق بلدة مرج عيون. وقد حدثت مثل هذه الاحداث في الماضي، لكن الحادثة، أول من أمس، وقعت بعد وقت قصير من تصريحات ضابط رفيع المستوى في قيادة الشمال تحدث عن تطور استعدادات "حزب الله" لتصبح احتمال مواجهة عسكرية مع إسرائيل في المستقبل.
لا تبدو تلك المواجهة العسكرية احتمالا معقولا في الفترة القريبة، لأن "حزب الله" ينشر قواته الآن في سورية والعراق، وهما دولتان يشارك مشاركة فاعلة في الحربين الاهليتين الجاريتين فيهما.
ولا يمكن مع ذلك أن نتجاهل الانزياحات التي تحدث فيما كان يسمى ذات مرة "محور المقاومة"، وهو الحلف بين ايران وسورية الذي يشارك فيه "حزب الله" ايضا، والذي ارسل في الماضي أذرعا الى قطاع غزة من خلال المساعدة المالية والعسكرية لـ "الجهاد الاسلامي" و"حماس". وقد اعترى العلاقات بين ايران و"حماس" خلل قبل أكثر من سنتين بعد ان ثارت الحركة الفلسطينية على المذبحة التي ينفذها نظام الاسد ضد "الاخوان المسلمين" في سورية. لكن طهران أعلنت خلال الحرب الاخيرة في غزة أنها ستستأنف إرسال شحنات السلاح الى "حماس" لمساعدتها في نضالها ضد اسرائيل.
ما زالت لايران و"حزب الله" حسابات مفتوحة مع اسرائيل بسبب اغتيال علماء الذرة الايرانيين وكبار قادة "حزب الله"، الذي نُسب اليها في السنوات الاخيرة. ولا يمكن أن تعتبر الحرب في غزة برغم خطابة زعماء "حماس" المتشددة، نجاحا مدهشا، ولهذا السبب خاصة تأخذ اسرائيل في حسابها محاولات إحداث عمليات تظاهرية في الفترة القريبة في عدة جبهات.
حينما عدّ رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في تهنئته التلفازية برأس السنة التي أذيعت، أول من أمس، الاخطار الامنية المحتملة، كان يبدو أن الخطر الجديد الذي يدور الحديث عنه أكثر من غيره في الاسابيع الاخيرة (داعش) أقلها واقعية. ففي هذه المرحلة أعداء اسرائيل القدماء في عدد من الحدود هم الذين يشغلون الجماعة الاستخبارية الإسرائيلية.
عن "هآرتس"


