خبر : نتنياهو ومشعل انكسرا سوية آخر الأمر ...بقلم: بن كاسبيت

الأربعاء 27 أغسطس 2014 11:08 ص / بتوقيت القدس +2GMT
نتنياهو ومشعل انكسرا سوية آخر الأمر ...بقلم: بن كاسبيت



غزة  اطلس للدراسات نتنياهو ومشعل يتشاجران منذ 17 عاماً، وقد بدأت هذه الملحمة في الحقبة الأولى لحكم نتنياهو كرئيس لحكومة إسرائيل الشاب ما بين العام (1996-1999) بعد فترة من الهدوء طويلة الأمد، حيث بدأت حماس برفع رأسها وتنفيذ عمليات انتحارية في المناطق الإسرائيلية، فأخذ نتنياهو بالبحث عن طريقة لضرب التنظيم، بتوقيع صغير، على طريقته المقدسة المعتادة، وبغضه للمواجهة من الأمام، الحروب الحقيقية أو الخطوات القوية من شأنها ان تحلحل كرسيه، لذلك فضل العمل دون أن يضبطه الرادار، خالد مشعل كان حينها مجهولاً بعض الشيء، ناشط حمساوي كبير يقطن الأردن ويعتبره الموساد الاسرائيلي واحد من رؤوس الأفعى.
بنيامين نتنياهو أصدر تعليماته للموساد باغتيال مشعل "بهدوء"، ولكن ولسوء الحظ، فقد نجحت العملية في العام 1997 ولكن مشعل لم يمت؛ بل بالعكس، فمنذ أنقذت حياته قوي موقفه، وتحول الى الزعيم النافذ في التنظيم، بعد الشيخ أحمد ياسين، وبعد اغتيال الشيخ ياسين بأيدي اسرائيل في العام 2004 أصبح مشعل رجل البيت، وما كان ذلك ليحدث لولا محاولة الاغتيال.
حياة خالد مشعل أنقذت بسبب خلل تنفيذي ارتكبته مجموعة الاغتيال "كيدون" التابعة للموساد الإسرائيلي، السم الذي كان يفترض أن يرش في حلقه دخل من أذنه، والعملية كلها، والتي كانت ممنتجة لتمر بهدوء، تحولت الى شجار أتبعه مطاردة اعتقل على إثرها اثنان من المهاجمين، وبدى وكأنهما مواطنان كنديان، وأصبح الخلل مهزلة سياسية مدوية اضطر نتنياهو في إطارها ان يرسل الى الأردن رئيس الموساد مذهولاً، داني ياتوم، لينقل الى الأردنيين الترياق المضاد الذي من شأنه ان يبطل مفعول السم في جسد مشعل الذي كان سيموت خلال ساعات.
وهذا ما كان؛ طار ياتوم مذهولاً إلى الأردن، وأنقذت حياة مشعل، ولكي تتمكن إسرائيل من استعادة عملائها اضطرت الى إطلاق سراح زعيم حماس الشيخ أحمد ياسين، وقد نجا نتنياهو من القضية بعد التحقيق معه، إذلال ووجع رأس كبير، ومشعل من حينها بدأ يظهر في سماء الشرق الأوسط على انه الآمر الناهي الرئيسي في حماس، وكذلك هو اليوم وجع رأس نتنياهو أصبح صداعاً نصفياً.
لغاية صباح اليوم الذي صيغ فيه هذا المقال (26 أغسطس) الجميع ينتظر كلمة خالد مشعل، أحد الاخفاقات الاستخباراتية الاسرائيلية الكبيرة لهذه العملية هي التقدير الخاطئ بشأن التسلسل الهرمي الحاكم في حماس، فقوة مشعل المطلقة تقريباً وموقع حماس الاستراتيجي عشية العملية هو ما أدى بنا الى عقلية "نكون أو لا نكون".
مشعل نفسه كان في "فخ 22" النموذجي؛ فلقد تسلق شجرة باسقة وتسبب بدمار غير مسبوق في غزة، وقتل أكثر من ألفي غزي، وفقد خاصتيه الاستراتيجيتين الكبيرتين (الأنفاق والصواريخ)، وتسبب بعزلة تطرفية لحماس في الوطن العربي، ولكي يصلح ذلك كله كان يجب ان يأتي بإنجاز أمام أبناء شعبه.
المشكلة تكمن في عنصرين شديدي القوة، كانا يصران على منعه من تحقيق انجاز حقيقي، وهما مصر وإسرائيل؛ فإسرائيل ولأسباب معروفة، لديها مواطنون تريد الدفاع عنهم، أما مصر فقد أعلنت عن حماس منذ زمن كعدو للشعب المصري، والجنرال السيسي أقسم على الانتقام منها، لذلك فان المصريين فرحوا جداً على الحدث الحالي، وليس لديهم أي توجه في أن يقدموا لمشعل سلماً أو يمدوا له يداً، مما جعل مشعل يواصل تورطه وندمه وتمترسه، ولكن كلما واصل فعل ذلك تفاقم مأساة أبناء شعبه في غزة.
ونتنياهو لديه مشاكله أيضاً؛ فالسنة الدراسية في إسرائيل على وشك الدخول في الأسبوع القادم في (1 سبتمبر) ومواطنو غلاف غزة ترك أغلبهم بيوتهم، والسياحة مشلولة، والاقتصاد تلقى أضراراً موجعة، والتأييد الشعبي لنتنياهو ينخفض.
مَن مِن الاثنين، نتنياهو أم مشعل، سيبلغ نقطة الانكسار أولاً؟ لقد طرح هذا السؤال في الأيام الاخيرة من قبل الجميع، وفي النهاية سيصل الاثنان هذه النقطة سوية، من أخر ذلك كان مشعل، ولكن وفي نهاية الأمر رضي، ولم يبقى له مبرر حقيقي، وكذلك عباس أعلن عن وقف إطلاق النار، وأبدت حماس تأييدها، وكذلك اسرائيل انضمت بإعلانها الخاص والفوري.
"نتنياهو يعرف مشعل منذ عقود" قال مسؤول إسرائيلي كبير قبل وقف إطلاق النار، "انه يعرفه عميقاً، يعرف عنه كل شيء تقريباً، وأعتقد انه يفضل مواصلة اللعب أمامه أكثر من اللعب أمام أي واقع آخر قد يتخلق بعده".
وتطرق المسؤول للمعلومات عن التلبك لدى المستوى السياسي الإسرائيلي فيما إذا كانوا يريدون الزج باسم مشعل في قائمة الأسماء المراد اغتيالها، فقد سمعت مثل هذه الأقوال، وخصوصاً على لسان وزير المالية يائير لبيد الذي قال ان رؤوس رؤساء المستوى الساسي في حماس هي أيضاً مطلوبة.
هناك من دعا من قادة الأجهزة الامنية الإسرائيلية الى اغتيال خالد مشعل منذ بدء عملية "الجرف الصامد" بدعوى انه هو العنصر الأساسي في تطرف حماس، وهو أيضاً الحاجز الرئيسي في وجه التوصل الى تفاهم مع حماس، فهو يملي إرادته على الذراع العسكري وعلى القيادة السياسية لحماس في غزة، وما لم يغتل فلن يكون من الممكن إعادة المنطقة الى نوع ما من التعقل.
وفي مواجهة هؤلاء القادة الأمنيين؛ هناك نتنياهو، فقد اغتال مشعل مرة واحدة وبصعوبة نجا نتنياهو منها بجلده، وسيظل يفضل الشر الذي يعرفه على الغيب الذي لا يعرف ما يأتي بعده، نتنياهو قوي جداً في الخطابات والتهديدات، ولكن "الجرف الصامد" كشف سوأته في كل ما يتعلق بالأفعال، حتى لدى من شكك في ذلك.
في يوم الثلاثاء مساءً (26 أغسطس) وصل كما هو متوقع الرد الذي طال انتظاره، ومن المنتصر هنا؟ ومن المهزوم؟ وما هي النتائج الاستراتيجية لعملية "الجرف الصامد"؟ من المبكر الحديث عن ذلك، وما هو واضح الآن هو من الذي دفع الثمن؛ الشعب الفلسطيني بآلاف القتلى والمصابين، والشعب الاسرائيلي بعشرات الجنود القتلى وتخريب أرض كاملة تم قصفها وتحولت الى أرض نصف مهجورة، وكذلك مؤيدي السلام في كلا الجانبين.
من طرف نتنياهو فإنه يعرف انه عندما تضع الحرب أوزارها فستبدأ معركته الشخصية للنجاة؛ فنسبة التأييد لرئيس الحكومة الاسرائيلية انخفضت هذا الأسبوع الى 38% وفق استطلاع "يديعوت احرونوت" مساء الـ 25 من أغسطس في مقابل 82% قبل عدة أسابيع فقط، والانتقادات السياسية القاتلة التي ستنهال عليه من اليمين على وجه الخصوص مازالت تنتظره، لذلك ليس فقط مصير مشعل سيقرر في الأسابيع القادمة، وإنما مصير نتنياهو أيضاً، هذان الاثنان لا يفلحان في النجاة أحدهما من قبضة الآخر منذ أكثر من 17 عاماً.
المونيتور