خبر : غزة "المُعْتَدِية" على إسرائيل! ...بقلم: جواد البشيتي

السبت 26 يوليو 2014 10:56 ص / بتوقيت القدس +2GMT



اعتادت أذهاننا السياسية التعايش مع “الأسوأ” من مواقف الدول والحكومات العربية من كل حرب تشنها إسرائيل على قطاع غزة، بالمدنيين من سُكَّانه، وبيوتهم، وبقوى المقاوَمة فيه، وأذرعها العسكرية، وبالبُنى التحتية لاقتصاده الفقير؛ وكأنَّه أمر طبيعي وعادي أنْ تخلو تلك المواقف من عبارات التضامن مع المُعْتَدى عليه بصفة كونه قوَّة مُقاوِمة للاعتداء والاحتلال الإسرائيليين، ويحقُّ لها أنْ تُزاوِل النشاط العسكري، وأنْ تُزاوِل منه كل ما من شأنه أنْ يَرْدَع إسرائيل عن ضرب المدنيين وبيوتهم، والمنشآت المدنية، ولو كانت الصواريخ هي الأداة؛ كما يحقُّ لها أنْ تُعامَل عربيًّا على أنَّها “معتدى عليها”، ولو كانت هي المُبادِرَة بالضَّرْب؛ فـ”الاحتلال (وقطاع غزة جَعَلَتْه إسرائيل في وَضْعٍ أسوأ من الاحتلال المباشِر)” لا يمكن أنْ يكون أبدًا في حال “المُعْتَدى عليه”.
حتى المواقف “الإنسانية” للدول والحكومات العربية ما عادت “إنسانية” إلاَّ في الظاهِر؛ فإنَّ فيها يَكْمُن كثيرٌ من العداء (السياسي) للمقاوَمة، وجودًا وخيارًا ومنطقًا؛ ولقد غدت “الإنسانية” في تلك المواقف ككلمة حقٍّ يُراد بها باطل؛ فإسرائيل، في البيانات والتصريحات الرسمية العربية، “تُفْرِط” في استعمال القوَّة العسكرية، مُلْحِقَةً خسائر فادحة بـ”المدنيين العُزَّل الأبرياء (وبالأطفال منهم على وجه الخصوص)”؛ وربَّما “تتمادى” بعض الدول والحكومات العربية في “تضامنها الإنساني” مع سكَّان قطاع غزة؛ فتَتَّهِم إسرائيل بـ”ممارسَة سياسة العقاب الجماعي”، أو بـ”شَنِّ حرب إبادة على المدنيين”.
والآن، حيث تشتد وتَعْنُف وتتوحَّش أكثر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لم نسمع من عبارات التضامن الإنساني (للدول والحكومات العربية ـ إلا من رحم ربي) مع أهل غزة إلاَّ ما يمكن أنْ يُتَرْجَم سياسيًّا بتضامُن مع إسرائيل في حربها على قوى المقاوَمة الفلسطينية، في القطاع!
بياناتهم وتصريحاتهم الرسمية تُسْتَهَل (كالعادة) بالتَّنْديد بما تقترفه إسرائيل من جرائم (مختلفة الوصف) في حقِّ “المدنيين العُزَّل الأبرياء”، داعين إيَّاها إمَّا إلى عدم الإفراط في استعمال القوَّة العسكرية، وإمَّا إلى وَقْف حربها (أو وَقْفها فورًا). وبعد ذلك، يُضَمِّنون بياناتهم وتصريحاتهم ما يفيد في تعليل وتفسير تلك “الجرائم” الإسرائيلية على أنَّها “نتيجة” لـ”انعدام الحس بالمسؤولية” لدى قوى المقاوَمة في القطاع، ولنّشْر أسلحتها ومقاتليها بين المدنيين وبيوتهم. وقد “تَعْتَدِل” بعض الدول والحكومات العربية في عدائها للمقاوَمة؛ فتكتفي بتحميلها مسؤولية تزويد “المعتدي الإسرائيلي” ذرائع لاعتدائه. هذه المواقف الرسمية العربية كانت نسخة من قَوْل مفوَّضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بيلاي إنَّ استهداف الغارات الجوية الإسرائيلية بيوت المدنيين (الفلسطينيين في قطاع غزة) يُعَدُّ “انتهاكًا للقوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ما لَمْ تكن تلك البيوت تُسْتَخْدَم في أغراض عسكرية”.
ومع أنَّ هذا الزَّعم (وهو زَعْم إسرائيلي أوَّلًا) لا أساس له من الصحة، فإنَّ أصغر خبير في الشؤون العسكرية والقتالية لا يمكنه أنْ يَفْهَم كيف يمكن أنْ تَنْشُر المقاوَمة قواها العسكرية (أسلحتها ومقاتليها) في خارج المناطق السكنية، في هذا الشريط الساحلي الصغير (المساحة) والضَّيِّق، شديد الكثافة السكَّانية، والمنبسط بما يكفي لتمكين سلاح الجو الإسرائيلي من إبادة وتدمير تلك القوى في ساعات قليلة!
ولتصوير خيار المقاوَمة بالصواريخ والقذائف على أنَّه عديم الجدوى، ولا يأخذ به إلاَّ كل “مغامِر”، و”عديم الإحساس بالمسؤولية”، يُكْثِرون من الحديث (الإعلامي) عن ضآلة ما تلحقه تلك الصواريخ والقذائف من خسائر بإسرائيل؛ وكأنَّ “الحِكْمَة (العربية)” تقتضي عدم استعمال تلك الأسلحة، لا مَدَّ المقاوِمين بما يَلْزَم من معونة عربية لجعل هذه الأسلحة (الصواريخ على وجه الخصوص) أكثر كفاءة ودِقَّة وفاعلية!
إنَّ تظاهرهم بالتضامن الإنساني مع الضحايا من المدنيين الفلسطينيين لا يمكن فهمه وتفسيره إلاَّ على أنَّه جزء من سعي عربي رسمي لجعل قطاع غزة “حظيرة أغنام” في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بأوجهه كافة!

نتنياهو المُحْبَط!
” ولا رَيْب في أنَّ “الأهداف المُعْلَنَة” لـ “الحملة العسكرية الإسرائيلية” هي، في حدِّ ذاتها، خير دليل على استشعار نتنياهو ، مع حكومته وقيادة جيشه، “المأزق” الذي يُوشِك أنْ يجد نفسه فيه ؛ ففي البدء، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أنَّ “الهدف” هو جَعْل إسرائيل (ومناطقها المحاذية لقطاع غزة على وجه الخصوص) تعيش زمناً طويلاً (نسبياً) بمنأى عن خطر الصواريخ الفلسطينية؛ ثمَّ صاغ هذا “الهدف” على شكل “شعار”، هو “الهدوء في مقابل الهدوء”.”
نتنياهو هو الآن على بُعْد شِبْرٍ من “المأزق”، الذي إنْ وَجَد نفسه فيه، فلن يَخْرُج منه إلاَّ إذا اختار “الهزيمة (هزيمته هو شخصياً، وهزيمة دولته وجيشها)” المُعْلَنَة، الواضحة، الجليَّة، مَخْرَجاً؛ فما هو هذا “المأزق” على وجه التعيين؟
إنَّه بقاء أبواب السماء الإسرائيلية مفتوحة بصواريخ منهمرة على الرُّغْم من منظومة “القُبَّة الحديدية”، مع إتيان الواقع الميداني لحرب “الجرف الصامد” بما يُقْنِع نتنياهو، ولو كان عقله من حَجَر، بأنَّ استمرار جيشه في “الحرب البرية (والتي ما زالت حدودية الطابع)”، وتوسُّعه فيها ميدانياً، هما أَمْرٌ من دونه خرط القتاد؛ وربَّما يُعَزَّز هذا “المأزق” بنقل المقاوَمة الفلسطينية (في قطاع غزة) المعركة، أو بعض منها، إلى خلف خطوط العدو، في داخل أراضيه، القريبة من حدوده مع القطاع، أو البعيدة عنها، وباشتعال فتيل انتفاضة فلسطينية ثالثة في الضفة الغربية (والقدس الشرقية). وليس ثمَّة ما يمنع الآن من امتداد “لهيب” هذه الانتفاضة، التي شَرَعْنا نرى بعض ملامحها، إلى حيث يتركَّز الوجود الفلسطيني ضِمْن ما يسمَّى “إقليم دولة إسرائيل”، أيْ في الجليل والمُثُلَّث والنَّقَب.
هذا هو “المأزق” على وجه التعيين، والذي يُوْشِك نتنياهو أنْ يَدْخُله، بقليلٍ من “إرادته الحُرَّة”، وبكثيرٍ من الاضطِّرار والإكراه؛ فخصومه في ائتلافه الحاكم، وفي مقدَّمِهم ليبرمان، يَدْفَعونه دَفْعاً إلى حيث لا يريد أن يكون.
لقد بدأ نتنياهو وجيشه الحرب، فَلَمْ يَرَ من النتائج التي تمخَّضت عنها، بعد ساعات، أو أيام، من بدئها، إلاَّ “العَمَى”؛ فما كان ينبغي للجيش الإسرائيلي ضربه من القوى العسكرية للمقاوَمة الفلسطينية في القطاع لم يكن مشمولاً بـ “الرؤية”؛ فكيف لجيش أنْ يَذْهَب إلى حربٍ وهو “أعمى البصر”؟!
وهذا “العَمَى” رآه في وضوح، ولَمَّا كانت الحرب في بداياتها، أحد القادة العسكريين الإسرائيليين، إذْ قال “إنَّنا نحارب أشباحاً”، وإذ تساءل، بعد ذلك، في دهشة واستغراب قائلاً “أهذا هو نفسه قطاع غزة الذي حاربناه كثيراً مِنْ قَبْل؟!”.
عَمِيَ البصر، فعَمِيَت البصيرة؛ فشَرَع الجيش الإسرائيلي يسعى في تعويض “خسارته الجسيمة في الرؤية”، أو في ما يُسمَّى “بنك الأهداف (العسكرية)”؛ فكانت “الأهداف المدنية”، ولجهة ضربها، جَوَّاً وبحراً وأرضاً، هي “التعويض”.
ولا رَيْب في أنَّ “الأهداف المُعْلَنَة” لـ “الحملة العسكرية الإسرائيلية” هي، في حدِّ ذاتها، خير دليل على استشعار نتنياهو ، مع حكومته وقيادة جيشه، “المأزق” الذي يُوشِك أنْ يجد نفسه فيه؛ ففي البدء، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أنَّ “الهدف” هو جَعْل إسرائيل (ومناطقها المحاذية لقطاع غزة على وجه الخصوص) تعيش زمناً طويلاً (نسبياً) بمنأى عن خطر الصواريخ الفلسطينية؛ ثمَّ صاغ هذا “الهدف” على شكل “شعار”، هو “الهدوء في مقابل الهدوء”.
لكن، أَمَا كان ينبغي لنتنياهو أنْ يسأل نفسه (قبل أنْ يُعْلِن ذاك الهدف، ويصوغ هذا الشعار) السؤال الآتي: وهل من صواريخ فلسطينية ضُرِبَت بها إسرائيل قَبْل أنْ يُبادِر جيشه بضَرْب القطاع؟
ولَمَّا أعلن نتنياهو، وعلى مضض، حربه البرية، حدَّد لها هدفاً هو “تدمير الأنفاق الممتدَّة من قطاع غزة إلى أراضٍ إسرائيلية محاذية للحدود”. بتحديده هذا “الهدف” رَأَيْنا نتنياهو كمثل مَنْ يخطب في قَوْمٍ من الأغبياء؛ فرئيس الوزراء الإسرائيلي لم يَعْلَم بوجود هذه الأنفاق إلاَّ قَبْل يوم واحد من إعلانه بدء الحرب البرية، وعندما عَبَر من أحدها مقاتلون فلسطينيون إلى أراضٍ إسرائيلية محاذية للحدود؛ فهل في هذه الطريقة تُعَيَّن أهداف الحرب؟!
حتى هذا “الهدف”، الذي يَصْعُب إثبات تحقُّقه، لا يَصْلُح لاتِّخاذ “إنجازه (المزعوم)” سبباً وجيهاً لإعلان إسرائيل “النَّصْر”؛ فما أهمية أنْ يُعْلِن نتنياهو “إنجاز مهمة تدمير هذه الأنفاق” إذا ما استمرت الصواريخ الفلسطينية تسقط على عسقلان وتل أبيب وحيفا..؟!