كان الذئب في أعلى التلة ينبع الماء من بين قدميه، عندما كان الحمل في أسفلها يحاول الشرب، ليناديه الذئب: أليس أنت من سبني العام الماضي؟، فيقول الحمل: عمري ستة أشهر فقط يا سيدي، فيقول الذئب: إذاً أبوك؟، فيرد الحمل: ولدت يتيماً، فيقول الذئب: إذاً جدك؟، وهكذا انقض الذئب على الحمل، وفي المثل الشعبي عندنا "يا حمل ذنبك عجج، قال كلني ولا تتحجج". ويبدو ان اختراق القوي الظالم الذنوب للضعيف المظلوم بات سنة في تاريخ البشرية من يومها، هكذا الأمور عندما يهيمن الشر القوي ويحكم في الأرض، والتاريخ خير شاهد، وفي الماضي القريب، عندما هوجمت العراق ودمرت بحجة الأسلحة النووية والبيولوجية وما الى ذلك، بينما اتضح فيما بعد أنه لا وجود لهذه الأكاذيب على أرض الواقع.
وفي الحالة الفلسطينية؛ يبدو أن كل ما يحدث لنا في الضفة المحتلة وغزة يأتي في هذا السياق أيضاً، فبالأمس القريب صرح يعلون أن العملية في الضفة ستستمر حتى لو عثر على المستوطنين الثلاثة، تماماً كما قال اخوة يوسف "ولو كنا صادقين"، أوحوا لأبيهم المسكين بصدقهم مع علمهم المسبق طبعاً أنهم ليسوا كذلك، وهذا شأن يعلون على ما يبدو، وإلا لماذا يفترض استمرار العملية العسكرية، التي انطلقت عندما انطلقت بهدف البحث عن المفقودين، هذه قطعة من قطع الصورة التي أحاول أن أركبها من بين القطع المتناثرة في جبال الضفة وتلال غزة، أما القطعة الثانية فتصريح نتنياهو الذي كرر مطالبته لعباس بفك الصلح مع حماس، بعد أن جدد الأخير الثقة بحكومة الوفاق، إذ "كيف يستمر مع الارهابيين قتلى الأطفال وخطفة الأولاد الأبرياء"، ولم يتسنّ لنتنياهو أن يرى دماء الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء الذين قضوا في حروبهم على الفلسطينيين عبر التاريخ، والذين لم يزل دمهم يقطر من أنيابه و شدقيه، أي اننا في هذه الحالة عثرنا على قطعة أخرى للصورة من أهداف الحملة العسكرية، ألا وهي تفكيك حكومة الوفاق، ولن أكتفي بأن يكون هذا استنباطا من حديث نتنياهو، بل لقد دفع التلهف على تحقيق أهداف الحملة يائير لبيد الى الاعلان مؤخراً طبعاً عن أهداف الحملة العسكرية:
1. العثور على المفقودين، وهي كما سبق مجرد حجة من حجج الذئب لتوظيف القضية.
2. القضاء على حماس، وهذا هدف نشهد انه حقيقي، وهو ينذر ربما بتدحرج الأمور نحو غزة، خاصة مع استمرار الفشل في الضفة.
3. إسقاط حكومة الوحدة، وكيف لا تسقط وقد بادرنا نحن بتبادل الاتهامات وغزلنا موقفنا على مغزل الأعداء، فقد حمل عباس حماس مسئولية ما يحدث، وبدورها حماس لم توفر عباس.
نظرت بالأمس إلى صورة عبر وسائل الاعلام لأحد عائلات المخطوفين وهو يصافح بيريس مبتسماً، لا يبدو على وجهه أثر لأي انزعاج، وعلى الصورة تعليق لأحد المشاهدين من أبناء شعبنا مفاده أن الارتياح والابتسامة العريضة على وجه والد أحد المخطوفين مرده الى الاهتمام الذي يبديه المسئولون الاسرائيليون والعالم كله بشأن قضيتهم؛ الأمر الذي ولد ثقة هؤلاء الكبيرة بمسئوليهم وقدرات أجهزتهم الأمنية على اعادتهم، وهذ تفسير معقول أقبله، ولكني في المقابل أضع احتمال علم هذه العائلات بفكرة حجج الذئب، ولا سيما انني قرأت خبراً حول زيارة أم واحد من المختفين الى فصله الدراسي، وكانت واثقة جداً لم تتلعثم أو تتأتئ عندما شدت على أيدي التلاميذ في الفصل بقولها "لا أريدكم أن تضعفوا، حتى وإن لم يعد"، لو كنت مكانها أو لو كانت ام الشهداء المزغردة لتلعثمت بكاءً، وقد انتهت فعلاً زغرودة أمهات الشهداء بالنحيب، إذاً فإما ان هذه المرأة ليست أمه أو إنها تعرف أيضاً قصة حجج الذئب.
الموقف الدولي والعربي والفلسطيني
دولياً اعتدنا نفاق العالم الغربي لصنيعته إسرائيل على منوال المواقف الغربية عبر تاريخ قضيتنا، وليس غريب أن يفعلوا ذلك، وقد منح لهم بلفور فلسطين تعاطفاً مع مشاعرهم، أما الموقف العربي فمنسجم تماماً، على ما يبدو، انسجام المصالح مع الموقف الإسرائيلي؛ فمصر ذبحت الاخوان المسلمين على نصب الثورة في ميدان التحرير، ثم صلبتهم على صلبان الانقلاب الذي عارضه الغرب، وأدار وجهه وابتسم ابتسامة الرضى ثم عاد مباركاً، وبعض الدول العربية تماشت تماماً مع هذا الموقف من الاخوان فأعلنتهم كمنظمة إرهابية، ولكن عبر البوابة المصرية، بما ان الفرصة قد حانت، ولم يبق الا اخوان فلسطين المسلحين والمزعجين للسياسة الفلسطينية والاسرائيلية الـ ... لا أدري كيف أصف الأمر، وبالتالي، أو إن شئت السابق، فإن السياسة العربية تجاه الاخوان في فلسطين، الشوكة في است الجميع، انه آن أوان التخلص منهم، ليس بلطف كما أراد بعض المحللين الصحافيين الإسرائيليين، ولكن سنحت الفرصة أو اصطنعت للتقدم باتجاه اقتلاعها ربما بكل عنف.
وعودة على بدء؛ فإن حكاية المختطفين لا تعدو أن تكون واحدة من اثنتين؛ إما أن تكون حكاية اخترقها الذئب وعشيرته لافتراس ما تبقى من القضية الفلسطينية عبر مدخل الاجماع على بغض الاخوان، ومما يعزز الشك لدينا أن العملية العسكرية لم تعد عملية "إعادة الاخوة"، فمن لحظة حدوثها انصب الاهتمام الإسرائيلي السياسي والعسكري على توجيه ضربة لحماس وافشال جهود المصالحة، ناهيك عن سوابق إسرائيلية في بداية خمسينات القرن الماضي بتفجير دور السينما والملاهي في مصر لإحداث الوقيعة بين الحكومة المصرية والاستعمار البريطاني، وإما ان تكون حكاية صنعناها نحن فاستغلها الذئب ليخلق منها مبرراً لتحقيق نفس الهدف، وفي كلا الحالتين النتيجة واحدة، لن تكف اسرائيل عن المكر بالقضية الفلسطينية عبر ما أتيح لها من الإمكانيات وعبر كل ما يفتح امامها من بوابات العالم، والعالم العربي، الذي قد يخرج قريباً من الدولاب، ولخروجهم هذا دلالات، فقد جاء في بعض وسائل الاعلام ان هناك دول عربية تتفهم الموقف والعملية الاسرائيلية في الضفة، وعبر البوابة الفلسطينية ذاتها، فربما يرضي بعض خصوم حماس ما يحدث لها، ولا بد لي ان أُذكر هنا العرب والفلسطينيين على وجه الخصوص والعالم الإسلامي، والعالم كله عامة أن الذئب لن يكتفي بحمل حماس، فهو لا ينسى اذا جاع الحمل الفتحاوي، ومن بعده سيرسم خارطة اسرائيل الكبرى من جديد، وتحصيل حاصل اذا تسنى له ان يحكم العالم، وليس ذلك بعيد عن جشع ذئب لا يشبع،حتى لو امتلك خزائن رحمة الله تعالى.


