مبروك، تم تشكيل حكومة الوفاق على خير.
امكن تذليل العقبات التي ظلت حتى الساعة الأخيرة تعترض طريق التشكيل واحدة وراء الأخرى بصبر وإيجابية وبتصميم على الاتفاق، فتحقق الإنجاز.
لم يعد مهما الآن، وقد تشكلت الحكومة، البحث طويلا عما دار في الكواليس ولا عن الدوافع وراء المواقف ولا عن المتغيرات التي فرضت الاتجاه نحو المصالحة وهي أساسية ولا عن حسابات الربح والخسارة.
ما وصلنا إليه بكل المقاييس افضل من الحال التي كنا فيها لسنوات.
المهم قبل كل شيء كيف سيفتح النجاح في تشكيل الحكومة الطريق أمام التصدي للعناوين المهمة الأخرى والاتفاق حولها، فتلك العناوين هي جوهر المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، وبدون النجاح في الاتفاق عليها لا يمكن الاطمئنان إلى تحقق المصالحة فعلا، ولا إلى استمرار وثبات إنجاز تشكيل الحكومة نفسها. وبدون ذلك لا يمكن أيضا نزع الخشية والتوجس في نفوس الناس.
إنجاز الحكومة قدم فاتحة خير وأمل وفتح باب الولوج إلى تلك العناوين، وأعطى ثقة بأن الجو مهيأ لإنجاز مصالحة وطنية كاملة، وإننا قادرون على تحقيق ذلك.
المهم الآن هو حماية الإنجاز أولا، والبناء عليه لاستكمال المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية على كل المستويات وتجديد مؤسساتنا وتفعيلها ثانيا، ثم تحصيل الاعتراف الدولي بها ثالثا.
أما عن "أولا"، حماية الإنجاز، فيكون أول ما يكون بتعاون كل القوى على تمكين هذه الحكومة ان تكون فعلا حكومة، تخطط وتقرر وتقود وتطاع في حدود توكيلها وقرار ترسيمها، لا أن تتحول الى واجهة شكلية يمارس الحكم من خلالها من "تركوا الحكومة ولم يتركوا الحكم". ولا ان يكون لها "مجلس وصاية" يوجهها ويتحكم في أعمالها.
يزيد من أهمية هذا الأمر ان الدوائر والمؤسسات والأجهزة الحكومية في الضفة والقطاع لا تزال مسيطرا عليها (وان بتفاوت نسبي) من قيادات وكادرات القوى الحاكمة هنا او هناك، وان الوضع سيستمر كذلك لوقت نأمل ألا يطول، او ان "يطوّل". خصوصا وان هذا الأمر ينطبق بالدرجة الأولى على أجهزة الأمن بما لها من خصوصية ودور استثنائي.
وأما عن "ثانيا"، البناء على الإنجاز، فهو البدء الفوري وبجدية عالية في التصدي للعناوين المهمة الأخرى حسب برنامج محدد يتم الاتفاق عليه وعن طريق لجان مختصة يتم تشكيلها.
وإذا كانت تسمية أعضاء الحكومة قد اقتصرت واقعيا على تنظيمي "فتح" و"حماس" تحت مبررات معينة، فإن تشكيل اللجان المختصة المذكورة لا بد ان تشارك فيها كل التنظيمات والكفاءات، بل ان بعض اللجان ذات الاختصاص تفترض ان يكون للكفاءات ذات الخبرة نسبة عالية فيها.
من بين العناوين المذكورة تبرز الصعوبة الخاصة لعنوان الأمن والأجهزة الأمنية.
لقد تعاظم دور الأجهزة الأمنية في ظل الانقسام، وكانت بالأصل هي الأداة الأساسية في تكريسه وفي ضمان استمرار الحكم لأصحابه هنا او هناك (ومرة أخرى مع تفاوت نسبي).
ان كلا من الجهازين الأمنيين بالضفة والقطاع امتلك عقيدته الأمنية الخاصة والتي ظلت العنوان الأول للاتهام.
الإقرار بصعوبة عنوان الأمن هو الذي أمل تأجيل الاتفاق حوله وإحالة كل ملفه الى لجنة عربية خاصة برئاسة مصر.
ثم تبرز أهمية عنوان تفعيل منظمة التحرير. فهو العنوان الأكثر تشعبا والأكثر حاجة للوقت والإيجابية في التعاطي معه والاستعداد لتقديم التنازلات المتبادلة للوصول الى قواسم مشتركة. يأتي في مقدمة هذا العنوان إقرار البرنامج السياسي للمنظمة. فالبرنامج بقدر ما يحدد المنطلقات والركائز والأهداف والوسائل الرئيسية للنضال الوطني الفلسطيني فإنه يحدد الرؤية تجاه المفاوضات ويحسم الجدل الخلافي حولها، ويشكل أيضا المرجعية التي تلتزم بها حكومات السلطة الوطنية.
ثم يأتي تشكيل هيئات المنظمة وفي المقدمة منها المجلس الوطني وكيف وأين يمكن إجراء انتخاباته وعلى أي قواعد يتم ذلك، وتفاصيل أخرى كثيرة.
لكن عنوان الانتخابات العامة يبقى هو العنوان الأهم فهو الذي يحصّل العناوين المختلفة ويلحمها في وحدة متجانسة ويضمن لها درجة عالية من الثبات والاستمرار بقدر ما يؤمن لها شرعيتها الشعبية ومحتواها الديمقراطي.
وأما عن "ثالثا"، تأمين الاعتراف الدولي بالحكومة الجديدة، فيبدو ان الأمر ليس مستحيلا ولا حتى صعبا.
فتصريحات الرئيس أبو مازن طمأنت الأطراف المعنية ومهدت الطريق لتأمين الاعتراف المطلوب. فقد صرح في اكثر من مرة ان حكومة المصالحة هي حكومته وان برنامجها هو برنامجه وأنها بالتالي تعترف بإسرائيل وبالاتفاقات السابقة وتنبذ الإرهاب وتقبل بالقرارات الدولية وبشروط الرباعية الدولية، وزاد على ذلك رفعه التنسيق الأمني (مع إسرائيل) الى درجة "القداسة".
والحكومة أعلنت في ساعاتها الأولى التزامها ببرنامج الرئيس.
وكان لافتا جدا عدم اعتراض "حماس" بالذات على أي من تلك التصريحات. بل قبولها والموافقة على حكومة تقوم على أساسها بما يثير، تساؤلات عن الأسباب والدوافع، وعن الاستهدافات أيضا.
بوادر الاعتراف الدولي بدأت تهل من اكثر من دولة وجهة وجاء الموقف الأميركي في هذا المجال مؤشرا ودالا.
أما الموقف الإسرائيلي الهستيري ضد الحكومة الجديدة والمصحوب بإجراءات استفزازية فكان طبيعيا ومتوقعا لما تعنيه المصالحة من توحيد للموقف الفلسطيني وتقويته، ومن سحب لورقة استغلال الخلاف والتلاعب بين أطرافه. إضافة الى أسباب داخلية تتعلق أساسا بالتغطية على سياساتها التوسعية والعنصرية، وأخرى خارجية هدفها الأساس رفع مسؤولية إفشال المفاوضات وإلقاؤها على الطرف الفلسطيني.
لكن إسرائيل التي تم تأسيسها وإقامة كيانها بقرار من المجتمع الدولي، لا يمكنها ان تدير ظهرها له ولمواقفه ولا ان تلغيها من حساب مواقفها.