القدس المحتلة / سما / ذكرت صحيفة هآرتس، أن العلاقات الأمريكية - السعودية شهدت حالة من الاحتقان الشديد في أعقاب الاختلاف في المواقف اتجاه العديد من القضايا الساخنة أبرزها الثورات في مصر وسوريا والمفاوضات مع إيران.
وفي خضم هذه القضايا برز إسم الامير بندر بن سلطان رئيس المخابرات السعودية السابق كمتسبب رئيسي في افتعال الأزمة، مما دفع الكاتب الإسرائيلي "تسفي برئيل" إلى التشكيك في الأسباب المعلنة لإعفاء الأمير بندر من منصبه وإسناده إلى الجنرال يوسف الادريسي، وفقا لبيان الديوان الملكي السعودي الأخير.
وقال برئيل، محرر الشؤون العربية في صحيفة هآرتس، إن بندر لم يكن على علم بقرار إعفائه الذي جاء بسبب نزع بين الرياض وواشنطن وبعد طلب من الرئيس الأمريكي من الملك السعودي إحالته على التقاعد لتهدئة الالتهاب الذي اشتعل في علاقات الدولتين.
ووفقاً للكاتب، شعرت المملكة بخيبة أمل من إحباط الولايات المتحدة قرار الهجوم على سوريا بعد استخدام السلاح الكيماوي، وعجزها أمام صعود حركة الاخوان المسلمين الى الحكم في مصر، وقض مضاجعها التناغم الامريكي الايراني على وقع مفاوضات الدول الست الكبرى لإنهاء أزمة النووي، فضلاً عن الفشل الأمريكي في معالجة النزاع الاسرائيلي- الفلسطيني.
اوباما يسقط الامير بندر من حساباته
وتصدر "بندر" المشهد السياسي من خلال إعلانه بياناً غير مسبوق جاء فيه أن السعودية ستنظر في انعطافة في سياستها تجاه الادارة الامريكية، فتأهبت واشنطن، وكان اوباما على علم جيد بخيبة الأمل السعودية من القرارات الامريكية.
وتبين لواشنطن ان بندر ينتقد سياستها بالذات على مسمع من خصوم الادارة الامريكية من الحزب الجمهور، ويشجعهم على مهاجمة سياستها من على كل منصة ممكنة ولا سيما في الكونغرس، لذلك طالب اوباما من الملك السعودي إقالته كي يهدئ الالتهاب الذي اشتعل في علاقات الدولتين حسب تقارير سعودية.
ففي نهاية شهر اذار/مارس الماضي هبطت طائرة باراك اوباما الرئيس الامريكي في الرياض في محاولة لتحسين العلاقات مع المملكة التي بدأت تبرد منذ شهر تشرين الاول عندما كانت المفاوضات بين القوى العظمى الستة وايران في مسألة النووي على وشك الاختراق الذي أدى الى الاتفاق المرحلي.
وقد هزت قصة الغرام الامريكية – الايرانية المملكة التي ترى في إيران خصماً ومنافساً سياسياً، دينياً وايديولوجياً، ليس فقط في الشرق الاوسط بل وفي وسط آسيا أيضاً. حسبما ذكر الكاتب.
العائلة السعودية تتنفس الصعداء بعد عزل محمد مرسي
كما أثارت سياسة اوباما في الشرق الاوسط قلقاً بلغ ذروته في ثورة 25 يناير في مصر، عندما اعتبر تأييده غير المتحفظ لحركات الاحتجاج ودعوته حسني مبارك الرئيس المصري المعزول إلى ترك كرسيه، في نظر السعودية كخيانة سواء على المستوى الشخصي أم على المستوى الايديولوجي، وخشية المملكة من انتقال ثورة محبي الديمقراطية الى دول الخليج، هي آخر ما يتمناه الملك السعودي.
وحذر الملك السعودي اوباما بعد أربعة ايام من بدء المظاهرات في مصر من الضغط على مبارك للاعتزال، والسماح له بان يشرف على اجراءات التحول الديمقراطي في الدولة وان يعتزل بعد ذلك فقط، وتعهد عبدالله أيضاً بانه اذا ما اوقفت الولايات المتحدة مساعدتها لمصر فان السعودية ستملأ مكانها.
وتعاظم الضغط السعودي عندما حظي الاخوان المسلمون في الانتخابات الاولى للبرلمان المصري بعد الثورة بأغلبية ساحقة بل واكثر من ذلك عندما فاز محمد مرسي بالسباق للرئاسة، وسمعت المدائح التي اطلقتها الادارة الامريكية في حينه عن المسيرة الديمقراطية في مصر مثابة الشتيمة في آذان السعودية.
ويعد التأييد الامريكي لحكم الاخوان المسلمين دعوة تشجيع للإسلاميين في المملكة والتي تدور ضدهم منذ بضع عشرات السنين معركة ضروس مضرجة بالدماء والضحايا.
وتنفست السعودية الصعداء عندما عزل مرسي في حزيران 2013 واستولى الجيش على الحكم، ولكن التلوي الامريكي وموقف الكونغرس والادارة ضد ما اعتبر بشكل غير رسمي كانقلاب عسكري، وحررت كل كوابح الاعلام السعودي حين غمر هذا المجال العام العربي بانتقاد لاذع للرئيس الامريكي اوباما.
بندر فشل في ادارة الملف السوري
وبينما الخلاف مع واشنطن هو كالزيت في عظام بندر فان الجدال في البيت الابيض بدأ يكثف السحب من فوق رأس بندر، كرئيس المخابرات كان مسؤولا ايضا عن سياسة السعودية في سوريا.
وكان هو الذي وجه المملكة نحو موقف حازم طالب بالتدخل العسكري، العربي والدولي، ومارس ضغطا سعوديا على الاردن كي يكون ليس فقط قاعدة لتدريب الثوار بل ومنطلق لهجوم عسكري ضد نظام الاسد، ووجد بندر مصادر تسليح في اوكرانيا ودول اخرى، ونقل تمويلا سخيا لجماعات الثوار.
ولكن في ذات المعركة شجع ايضا متطرفين سعوديين للخروج الى الجهاد ضد الاسد، وطور في سوريا بعضا من الميليشيات المتطرفة التي يرتبط بعضها بعلاقات طيبة مع القاعدة، ونال بندر بالفعل اسنادا من الملك، ولا سيما لأنه وعده بان هزيمة الاسد قريبة.
الخلاف بين بندر والامير محمد بن نايف
وأثارت رعاية الثوار السعوديين قلقا عميقا في قلب وزير الداخلية شديد القوة، الامير محمد بن نايف، الذي كان أبوه وزير الداخلية وقبل أن يموت كان ايضا بين المرشحين لخلافة الملك عبدالله. محمد، مثل أبيه، أدار صراعا لا هوادة فيه ضد المنظمات المتطرفة في السعودية بل ونجح بقدر واضح في تقليص (الارهاب) الاسلامي في الدولة لدرجة ان قيادة القاعدة السعودية اضطرت الى الهجرة واقامة قاعدة لها في اليمن.
ويتمثل تخوف محمد بن نايف في أن يعود اولئك السعوديون الذين يقاتلون في سوريا الى وطنهم ليبثوا روح الحياة في (الارهاب) الاسلامي، وطالب بالكف عن ارسال المتطوعين بل واصدر أمرا يحظر على ابناء السعودية الخروج الى الحرب في سوريا.
وهكذا فقد اصطدم نايف مع بند – وانتصر، وفي شهر شباط قرر الملك نقل "ملف سوريا" من يد بندر الى يد محمد الكفيل هو نفسه أن يكون المرشح لخلافة الملك، وفي نفس الوقت عين عبدالله الامير مقرن، الابن الاخير للملك عبدالعزيز، ولي عهد لولي العهد الامير سلمان المريض بـالزهايمر، وكان مقرن هو رئيس المخابرات الذي حل بندر محله في تموز 2012، التغيير الذي نبع ايضا من الاخفاق في ادارة السياسة السعودية في سوريا.
ويبدو مقرن في هذه اللحظة بانه المرشح المتصدر للخلافة، وابعاد بندر يأتي لتهدئة تراشق الضربات السياسية في البلاط الملكي، وسيكون الخلاف المتوقع التالي أغلب الظن بين الامير محمد وبين مقرن، والسؤال هو اذا كان الملك ابن التسعين ترك منذ الان وصية تضم اسم الملك التالي.
وستكون هذه هي المرة الاخيرة التي يقرر فيها الملك خليفته، فالملك التالي سيضطر الى التشاور والى أن يحصل على تخويل لجنة الامناء التي تضم 35 عضوا، وكلهم من ابناء العائلة الملكية.
ويمكن لواشنطن على الاقل ان تكون هادئة فمعارضيها في البلاط الملكي قلوا، ويبدو أن الملك ايضا يفحص حلم اسقاط بشار الاسد بعينين مفتوحتين، وهي الان تنتظر ايضا الخليفة آملة بان يكون هذا هو الامير محمد، الذي ارتبط بعلاقات وثيقة بها واصبح رجل سر أوباما.
العلاقات السياسية والاقتصادية بين العائلة السعودية وادار بوش الاب والابن
كما كشف "برئيل" أن بندر، الذي خدم كسفير للسعودية في واشنطن على مدى 22 سنة، وعاد الى وطنه في العام 2005 كان دوما رجل بوش الابن والابن، بل انه في واشنطن حظي بلقب "بندر بوش".
ونسجت بين عائلة بوش والاسرة السعودية المالكة علاقات تجارية واسعة ومنفعة متبادلة، شخصية وسياسية، على مدى السنين جعلت السفير الملياردير وجه السعودية في الولايات المتحدة.
وتمتعت السفارة السعودية في عهد ولايته بحماية دائمة من الجهاز السري، وكان لبندر قدرة وصول حرة في كل وقت الى الغرفة البيضوية.
وذكرت الكاتب الاسرائيلي أنه خلال هجمات 11 ايلول/سبتمبر التي نفذتها القاعدة ضد الولايات المتحدة، حظي بندر بموافقة خاصة رغم معارضة مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي على نقل الطلاب السعوديين الى بلادهم في وقت حظر الطيران، كما نجح في وقف تحقيق أمريكي في علاقات مشبوهة ربطت زوجته الاميرة هيفاء مع وسيط ورجل اعمال على علاقة بتنظيم القاعدة.
ولفت "برئيل" أن انتخاب اوباما لم يجمد العلاقات بين العائلتين، ولكن البيت الابيض أصبح غرضاً مشبوهاً، رغم أن التجارة بين الولايات المتحدة والسعودية تطورت، والسعودية التي تحتفظ بأرصدة عملة صعبة بحجم نحو 650 مليار دولار، استثمرت مالاً طائلاً في سندات الدين الامريكية.


