علينا أن ننتظر يوم الاثنين القادم، بقلوب حانية إلى الله بالدعاء والرجاء، أن يُنزل رحمته وسكينته على المجتمعين في هذا اليوم الأغر والموعود، ويتحقق السلام والمصالة بين الفلسطينيين وليس هذا على الله بكثير. ولكن واجب الوقت يدعونا اليوم لمخاطبة "حماس" على وجه التحديد، لنقول لها إن مفتاح إنهاء الانقسام اليوم إنما يوجد في أيديكم، ويمكنكم أن تقرروا اليوم وليس غداً إن كنتم تريدون إخراجنا من هذا النفق، قعر البئر، إذا كان من غير المعقول او المفهوم من معيار أو مقياس ما يجب فعله، بالتوافق والتناغم مع مقتضيات المصلحة الوطنية العليا، ترك الرئيس أبو مازن (79 عاماً أمد الله في عمره)، أن يقاتل وحيداً لتخليص الضفة من الاحتلال ومعها القدس حتى إقامة الدولة الفلسطينية، وهو يا جماعة يقاتل بقدر جهده واستطاعته، وفي قتاله يحرز بعض الإنجازات. فهل من اللائق والحكمة أن نقول له واصل ما بدأت به ونحن ليس لنا دخل، إذا كان ما يطلبه الرجل والشعب منكم ليس بالذهاب إلى معركة حربية من غزة بقصف تل أبيب بالصواريخ، وإنما العودة إلى رحاب الوحدة الوطنية لمواصلة المعركة موحدين تحت راية واحدة.
ولكن لماذا تخصيصنا لـ "حماس" بهذه الدعوة وهي طرف واحد في هذا الانقسام، وحيث للخصومة طرفان في هذه المشكلة، وإذا كان هذا التخصيص يشي بنوع من النظرة الأُحادية بعين واحدة، ما ينتج عنه ثمة قدر من التحيز أو العوار السياسي. وإذا كان الواقع القريب يقول إن السيد إسماعيل هنية وقف قبل أسابيع قليلة، ومد يده لهذه المصالحة في مبادرة امتدحناها نحن هنا، ورددنا على المشككين أن لا ينظروا إلى مأزق "حماس" بل انظروا إلى مأزقنا المشترك، حيث لا أحد أفضل حالاً من أحد. ثم أليس هنية نفسه وقف قبل أيام هنا في غزة وأعلن ترحيبه بالوفد القيادي القادم يوم الاثنين، وقال إن الوقت الآن ليس للحوار والكلام وتبادل الثرثرات، ولكن لتنفيذ ما اتفق عليه؟ ثم أخيراً أليست "حماس" موضوعة من الناحية العملية تحت القصف الإعلامي والسياسي من الجانب المصري، منذ الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر؟ ما يجعلها من الناحية الموضوعية والذاتية هي الأحوج والأكثر اندفاعاً ومصلحة، حتى من الناحية البراغماتية التاكتيكية أقله في الوقت الراهن للإقدام على المصالحة.
والواقع أن كل ما ورد سابقاً صحيح بل وأكثر من ذلك وتأكيداً على صدقية نوايا "حماس"، دعا السيد يوسف الشرافي أحد نواب الحركة في المجلس التشريعي، إلى تحدٍ صريح ولافت لـ "فتح" بأن يتم بث ونقل وقائع المحادثات، المزمع إجراؤها بين الطرفين بعد أيام على الهواء مباشرة. حتى يحكم الجمهور على من يعطل المصالحة، وأرى أنها دعوة أو فكرة جيدة تستحق القبول بها كما الإعجاب، ولكن هاكم النقطة أو العراضة الخاطئة التي تلوح بها "حماس" وتحيلنا إلى ما يشبه وضع العربة أمام الحصان. وهذه الكلمة تتلخص بعبارة "الرزمة الواحدة".
طيب لماذا لا نتغاضى عن التطبيق الحرفي والدقيق لما تم الاتفاق عليه وهو مطلب محق وعادل؟ إذا كان يتعذر تنفيذ هذا الاتفاق رزمة واحدة ونستطيع أن نبدأ بما هو ممكن، ونقوم بعد ذك أي بعد تحقيق هذا الخرق الجزئي وهو الشق النفسي باستكمال تطبيق باقي الرزمة، استحقاقات الرزمة المتكاملة بالتدريج، إذا كان من غير الممكن على سبيل المثال إجراء الانتخابات في مخيمات سورية في هذا التوقيت.
قليل من الحس البراغماتي والواقعي هو المطلوب أقله لكسر الحاجز وإراحة الناس، ثم بعد ذلك أليس الطرف الأكثر ادعاء هنا بالاستقامة السياسية والأخلاقية، وتبني الحد الأقصى من أهداف الإستراتيجية الفلسطينية الكبرى، هو من عليه أن يوسع صدره؟ وقديماً قيل في أمثالنا من يريد أن يعمل جمّالا عليه أن يوسع باب داره، لاستيعاب من يعتبرهم شاخوا أو تعبوا أو انحرفوا عن جادة الطريق، باعتباره هو الأكثر فتوة وشباباً وصلابة واستقامة وتماهياً مع الأنا العليا الجماعية.
وعلى خلفية هذه المحاججة الفلسطينية الداخلية التي ما برحت تتكرر في الساحة الفلسطينية منذ اليسار زمن السبعينات، و"حماس" الآن بنفس المفردات تقريباً، ما يسوغ لنا المبرر للطلب من "حماس" ما هو اكثر، والقول إن مفتاح خلاص الفلسطينيين اليوم من هذا المرض والمأزق هو بيد "حماس"، وان "حماس" هي من يستطيع أن يفك لغز الوحش، وحش أهل طيبة الذي هو الانقسام.
لكن بالمقابل دعونا نواجه هذا المأزق بكليته، والذي أرى أنه نشأ بالأساس عن انحراف فكري وسياسي خطير يكمن في أساس التصور الإجمالي الفلسطيني، الذي يقوم اليوم على استبدال مفهوم الشرعية الوطنية التحررية الثورية الخالصة، بالشرعية الدستورية وهو انحراف انخرطنا فيها متجاهلين حقيقة أن الاتجاه أو المفهوم الحاسم، الذي يؤطر العمل والحالة الفلسطينية عموماً بكليتها في الوطن والشتات، هو أننا لا نزال في مرحلة التحرر الوطني. وهنا فإن المفهوم المؤطر هو القيادة الوطنية الجماعية الموحدة في إطار منظمة التحرير الفلسطيني، وأداتها الحكومة الثورية المؤقتة أو حكومة الدولة الفلسطينية المعترف بها شرعياً لا فرق، التي يجب أن تنقل مكانها في الحالة الراهنة من رام الله إلى غزة، باعتبارها أول قطعة أو جزء تم تحريره بالفعل من الأرض الفلسطينية، إذا كان لا يجوز بقاء هذه الحكومة الثورية المؤقتة تحت رحمة الاحتلال في رام الله، وضريبة هذا الوجود التنسيق الأمني.
وهنا لا يتطلب الأمر سيدي الرئيس أبو مازن تسليم مفاتيح السلطة الى الاحتلال، وإنما يا "حماس" كما دعونا هنا مرات عديدة سابقاً ان يأتي الرئيس والقيادة إلى غزة، تحت حمايتكم إذا كان من المهين لكم وللشعب الفلسطيني أن يقول ليبرمان للرئيس الفلسطيني، إن إسرائيل هي التي تحميه والسلطة في الضفة من "حماس". وكان مفترضاً يا "حماس" والسيد إسماعيل هنية أن تقولوا في حينه لهذا الرجل: "خسئت". وإن "حماس" لا تهدد أبو مازن وإنه ممنوع إهانة قادة الشعب الفلسطيني، هذا كان المفترض أن تقولوه لأنه يحظر علينا رغم كل خلافاتنا السماح للعدو بالتسلل بين الشقوق، ومحاولة الصيد في الماء العكر. وأنه لا يشرف "حماس" ولا أي طرف فلسطيني أن يقول ليبرمان هذا الكلام دون رد عليه.
والرد الفلسطيني اليوم واحد، أن غزة و"حماس" مع "فتح" وباقي الفصائل موحدين هم الذين يحمون القيادة الفلسطينية، لكيما نقيم هذه الثنائية المتوازية والمتداعمة : الدبلوماسية والمقاومة معاً، وترك الاحتلال يواجه الفلسطينيين في الضفة ويتعرى دونما غطاء، ويكون على نتنياهو وليبرمان مواجهة الحقيقة. أليس أيضاً هذا ما ينبغي أن تعجلوا بفعله يا "حماس" اليوم وليس غداً؟ لكي تخرجوا أنتم أيضاً وتخرجونا جميعاً من هذا المقص، كفي الكماشة بين النظام الجديد في مصر الذي يشدد علينا الحصار للأسف وإسرائيل.