يقدم المؤلف عبد الله البريدي في هذا الكتاب معالجة حديثة لظاهرة الصعود المفاجئ للتيارات الإسلامية، تهدف إلى حل إشكالية الاندماج المجتمعي لأتباع المذاهب السلفية السنية والشيعية في ظل واقع سياسي واجتماعي جديد أفرزته ثورات الربيع العربي، مستحضرا بعض النماذج من الاتجاهين السلفيين: السني والشيعي، التي تكشف عن معضلة الاندماج المجتمعي القائم على أساس المواطنة الحديثة.
- العنوان: السلفية الشيعية والسنية.. بحث في تأثيرها على الاندماج الاجتماعي
- تأليف: عبد الله البريدي
- عدد الصفحات: 110
- الناشر: الشركة العربية للأبحاث والنشر- بيروت
- الطبعة: الأولى 2013
ويقع الكتاب في ستة فصول هي: "بحث السلفية والاندماج الاجتماعي: البواعث والمنهج", و"مدخل إلى الاندماج الاجتماعي في السياق الطائفي", و"السلفية في الرواقين السني والشيعي: رؤية تحليلية عامة", و"التصنيف والتنميط والهوية والتعصب في محيط العقل السلفي", و"نماذج من الخطاب السلفي المقوض للاندماج الاجتماعي", و"المشكل السلفي والفعلان البحثي والثقافي", وأضاف الباحث ملحقا مصورا لبعض النماذج من الممارسات السلفية السنية والشيعية.
تعاط جديد
يرى المؤلف أن السلفية الطائفية تمثل الخطر الأكبر على الاندماج المجتمعي، فبعد حديثه عما أسماه موجات التدين التي أدت إلى ظهور وترميز السلفية على النطاقين السني والشيعي، ودفعت بهم إلى الواجهة، يتساءل البريدي: كيف استطاعت تلك الفرق تشكيل جانب كبير من الرأي العام؟ مؤكدا أن موضوع المعالجة التي ينشدها هو صعيد الشأن الحياتي المدني، وليس الشعائري الديني.
وتحت عنوان "مدخل إلى الاندماج الاجتماعي في السياق الطائفي" يستعرض الكتاب عدة تعريفات لمصطلح الاندماج الاجتماعي، ثم يدعم واحدا منها هو أنه: مفهوم ينشئه المجتمع بغية انتقال أفراده وجماعاته من المواجهة والصراع إلى التكامل والتعايش, بدءا من التضامن، ومرورا بالتكيف, ووصولا إلى الاندماج الاجتماعي.
بينما جاء في تعريفه معنى الاندماج لغويا، ما يفرق بين أمرين مهمين، هما الاندماج والإدماج، فالأول طوعي والثاني قسري، إذ "ثمة شخصيات وجماعات تمتلك مقومات المشاركة الطوعية فتحتاج إلى تحريك يسير, وهنالك من لا يتزحزح إلا برافعات ضخمة, فكريا وسياسيا وقانونيا ومجتمعيا".
واصطلاحا يعرفه "بتبني آليات سياسية وقانونية ومجتمعية تقرر الحقوق والواجبات والأهداف العامة، وتضمن العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لكافة الأفراد والجماعات على أساس المواطنة".
وعلى الرغم من إقراره بأنه لم يعثر على دراسة تناولت الموضوع بشكل مباشر، فإن المؤلف يلجأ إلى الاستئناس ببعض الدراسات الميدانية لاستكشاف الموضوع، حيث وجد أن الأبحاث التي أجريت في جامعة الكويت وتسع جامعات لبنانية، أفادت بانتشار التعصب الطائفي في الدول العربية، مشيرة إلى أن العينة محل البحث ترى أن المثقفين ورجال الدين والإعلاميين ينشرون التعصب بكافة أشكاله، ولهم دور مشبوه في إذكاء جذوة التعصب الطائفي.
"
يؤكد المؤلف أن السلفية الشيعية لا تختلف في إطارها المرجعي العام عن السلفية السنية، فالسلفية الشيعية تعلن التزام الكتاب والسنة, مع انضغاط "قائمة السلف" لديها واقتصارها على أئمة آل البيت
" حمولة سلبية
ويذهب الكتاب إلى أن السلفية من المصطلحات ذات الحمولة السلبية المتزايدة في نظر الكثير ممن هم خارج نطاقها الديني والفكري، فهي مرادفة إلى حد كبير لمعاني التشدد والتطرف والتصلب, والعنف والإرهاب، لذلك فإن المحيط الشيعي ينأى بنفسه عن التلبس بهذا المصطلح السلبي.
فالأكثرية الشيعية ترفض الإقرار بوجود "سلفية شيعية"، رغم أن السلفية الشيعية حقيقة لا يمكن ردّها، فالسلفية نسق فكري عام لا يفلت منه دين ولا طائفة ولا أيديولوجيا. وأضاف أن تعزيز سلوك التيار الشيعي المعتدل في الاعتراف غير المبطن بالسلفية الشيعية سوف يعين العالم على مجابهتها هي وأختها السلفية السنية.
وأكد أن السلفية الشيعية لا تختلف في إطارها المرجعي العام عن السلفية السنية، فالسلفية الشيعية تعلن التزام الكتاب والسنة, مع انضغاط "قائمة السلف" لديها واقتصارها على أئمة آل البيت.
التعويل على الفقهاء
ويرى الباحث أن السلفية بإطارها العام -السني والشيعي- تشترك في التلبس بالنصوصية المفرطة، وأنها تعول كثيرا على علماء الدين والفقهاء باختلاف مسمياتهم بين الرواقين، مع تأكيده أن السلفية الشيعية تكرس تبعية مطلقة للعلماء والفقهاء تحت ما يسمى بـ"المرجعية".
إضافة إلى تشابه الرواقين في مسألة "الخضوع الكبير أو شبه المطلق للسلطة السياسية".
فلدى السلفية السنية "الطاعة الواجبة لولي الأمر"، ولدى السلفية الشيعية "ولاية الفقيه في عصر الغيبة"، وهو ما يفتح بابا واسعا لفرض الاستبدادية السياسية وإخضاع الناس لها, وللتدخل السياسي وركوب موجة الدين للعبث بالعقل السلفي وتحريكه في اتجاه يخدم السياسي ويحقق أغراضه ويثبت دعائم سلطته وحكمه.
كما يكشف المؤلف عن أن السلفيتين تحرصان على استدعاء التاريخ لإيقاع الحاضر في أحابيل الماضي, فالسلفية الشيعية تقتات على "ثارات الحسين"، وتجذير ما يسمونه بمظلومية آل البيت، واستخدامها مغذيا للكراهية والتنابذ والقطيعة وإعمال عنف مع الطائفة الأخرى, كما تستدعي السلفية السنية التاريخ في اتهام الشيعة بتحريف القرآن الكريم، ووجود مصحف خاص بهم يسمى مصحف فاطمة.
كما يسخر المؤلف من اشتراك السلفيتين في تتبع التفاصيل، وخلق ذهنية الاستفتاء عن كل شيء ومطاردة صغائر الأمور, كبلع الريق وبلع الهواء هل يفطران في رمضان.
وفي هذا السياق، يلاحظ البريدي أن السلفية السنية تميل أكثر إلى استخدام الأدلة التفصيلية في الفتاوى الدينية من نظيرتها الشيعية. ويمكن ربط ذلك بمسألة المرجعية ومحوريتها لدى الشيعة فالمرجعية كافية لإقناع الأتباع، حتى ولو لم يتم إيراد أدلة تفصيلية. مشيرا إلى أن رموز السلفية الشيعية أكثر تأثيرا وقدرة على تحريك الأتباع وحشدهم في المسارات التي تختارها هذه الرموز.
وينزع المؤلف إلى أن العقل السلفي يمارس عملية استدعاء الأفكار أكثر من توليدها، وهو ما يصفه بالعقل الاسترجاعي.
التصنيف والتعصب
يقول البريدي "إن الإنسان يميل بطبعه إلى تعظيم الانتفاع من خبراته السابقة من خلال الاعتماد عليها في الحكم على الآخرين والمواقف, سواء أكان ذلك عبر بلورة اتجاهات فقط أم تجاوز الاتجاهات صوب التصرفات أو السلوك".
ثم يلخص خطورة التصنيف في أنها قد تجر الإنسان إلى لون أو آخر من التنميط أو التعصب.
وهو يرى أن التصنيف حتميّ بصورة لا يسوغ تجاوزها, فالعقل السلفي يتجاوز تخوم التصنيف الطبيعي التلقائي إلى التصنيف السلبي، والاشتغال على مسائل ومباحث معينه كالجرح والتعديل (في علم الرجال) من قِبل السلفيتين السنية والشيعية يؤيد هذه النتيجة، فقد عكفت السلفية على تربية أتباعها على تتبع الأخطاء العقدية وغيرها لدى المخالف لدرجة أنه نشأ لدى السلفية السنية مثلا فرقة تسمى بـ "الفرقة الردودية" نسبةً إلى الاشتغال المكثف بتصنيف الناس والرد عليهم.
يرى المؤلف أن هناك عملية شرعنة التصنيف السلبي عن طريق السكوت عن التصنيف الذي يُغرَس ويُمارس في بعض محاضن التنشئة الاجتماعية والفكرية "المؤدلجة" كما هي عند السلفيتين، ما سيؤدي إلى التعصب بكافة أشكاله.
موضحا أن السلفية لم تفلح في التفريق بين الثوابت التي لا تحتمل غير إجابة صحيحة واحدة، وبين المتغيرات التي تستوعب إجابات كثيرة، وتحتمل بدائل متنوعة.
خطاب مقوض للاندماج
وفي معرض حديثه عن "الخطاب السلفي المقوض للاندماج الاجتماعي"، يرتكز الباحث على ثلاثة محاور هي: الخطاب السلفي الذي يحرض على القطيعة مع الآخر, ثم السلفيتان وتبادل التكفير, ثم الخطاب السلفي الذي يرُسخ التعصب والعنف.
كاشفا عن ممارسات رصدها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت أبرزها -بحسب رؤيته- ما يتعلق بالفتاوى الدينية التي تشرعن لـ "التصنيف السلبي" والتنميط والتعصب.
"
النسقية السلفية متأصلة بقدر ما في كل الأديان والطوائف والأيديولوجيات، وخطورتها تتعاظم بحقيقة صعود السلفيتين السنية والشيعية في الآونة الأخيرة, وتحالفاتهما وأجنداتهما السياسية والفكرية
"
فيذكر على سبيل المثال من موقع الشيخ الراجحي فتوى تمنع التواصل (الشات) بين السني والشيعي مع التغليظ على المنع، فيقول الراجحي: "فاحذر كل الحذر من أهل البدع ولا تجالسهم ولا تسمع كلامهم ولا تشهد جنازة المبتدع ولا تزره".
وفي المقابل، تقول فتوى في موقع السيد السيستاني: "ولا إشكال في نجاسة النواصب المعلنين لبغضهم لآل البيت، وكذا الخوارج المعلنين بغضهم كذلك. وأما الكافر الكتابي كاليهودي والمسيحي فهو محكوم بالطهارة، وإن كان الاحتياط حسن".
كما أنه حتى في موسم الحج -والذي يُفترض فيه أن يكون مكرسا للاندماج الاجتماعي- تجد أن فتاوى السلفيتين تحرمان الصلاة خلف بعضهما البعض، ويتبادلان التكفير الديني علانية. ويشير إلى أنه مما يدك أبنية التواصل والتكيف والاندماج، هو ما تمارسه السلفيتان من السب والشتم للرموز الدينية.
كما أن الخطاب السلفي لا يقف عند التصنيف السلبي والتنميط والتعصب فقط، بل يعمل جاهدا لدفع الأتباع إلى ترجمة ذلك إلى أعمال عنف وإرهاب، وهنا تكمن الخطورة العملية لهذا الخطاب, فكلتا السلفيتين تحضان بالفتوى على قتل الأخرى وسفك دمه.
ويختم البريدي كتابه بأن النسقية السلفية متأصلة بقدر ما في كل الأديان والطوائف والأيديولوجيات، وأن خطورتها تتعاظم بحقيقة صعود السلفيتين السنية والشيعية في الآونة الأخيرة, وتحالفاتهما وأجنداتهما السياسية والفكرية، مما يدعو إلى الحيلولة دون تشكيل السلفيين للتفكير الجمعي الذي يصنع الأجهزة المعرفية التي يتم تركيبها في عقول الناس.