*"معهد ريئوت" للتخطيط الإستراتيجي: عناصر أساسية في المفهوم الأمني الإسرائيلي التقليدي تقوّضت ولم تعد واقعية بمرور الأعوام*
إعداد وحدة:
التاريخ: 26-01-2014
بادر "معهد ريئوت" الإسرائيلي للتخطيط الإستراتيجي أخيراً إلى طرح وثيقة بعنوان "نحو العام الـ75 لتأسيس دولة إسرائيل - رؤيا جديدة حول مفهوم الأمن القومي"، دعا من خلالها إلى إحداث ثورة في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي الحالي.
وتتطرق الوثيقة بالتفصيل إلى الحاجة لإجراء تغيير في الرؤيا المطلوبة في مجال الأمن القومي، وتطرح مبادئ عمل لتطبيق ذلك، وترى، في هذا السياق، أن هناك فرصا ماثلة أمام إسرائيل.
وأشار المعهد إلى أن مصطلح "مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي" يتطرق إلى "مجمل المبادئ والقيم التي بلورت مؤسسات الأمن القومي الإسرائيلي وشكل تفعيل قدراتها وقوتها في المجال الأمني والعلاقات الخارجية لغرض الدفاع عن وجود الدولة وأمنها".
وقد تمت بلورة هذا المفهوم بقيادة رئيس حكومة إسرائيل الأول، دافيد بن غوريون، في الأعوام الأولى بعد نشوء إسرائيل، وتمت ملاءمته، على مدار السنوات، للتطورات في المحيط السياسي والأمني لإسرائيل، لكن لم يتم إرساؤه أبدا بقرارات حكومية رسمية
.
أسس المفهوم الأمني الإسرائيلي
عدد "معهد ريئوت" في هذه الوثيقة أسس المفهوم الأمني الإسرائيلي على الوجه التالي:
1. دولة إسرائيل هي "دولة الشعب اليهودي" وتطبق حقه في تقرير المصير. وبالإضافة إلى التزامها تجاه سكانها فإن إسرائيل ترى بنفسها "ملجأ" بالنسبة لجميع اليهود في أنحاء العالم. ولذلك فإنها تتوقع من يهود العالم دعمها من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.
2. الحفاظ على أغلبية يهودية هو شرط ضروري لوجود إسرائيل "كدولة الشعب اليهودي" وهي دولة ديمقراطية أيضا.
3. إنشاء حلف مع دولة عظمى مثل الولايات المتحدة والحفاظ عليه هو أمر ضروري كي تغطي إسرائيل من خلاله على عدد سكانها القليل مقابل أعدائها، ومن أجل أن تتمكن من التأثير على الأحداث في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، اختارت إسرائيل أن تكون جزءا من العالم الغربي، وأصبحت بمثابة "موقع أمامي" للعالم الغربي مقابل الدول العربية، التي كانت تدعمها الكتلة الشرقية.
4. إنشاء منظومة أحلاف إستراتيجية في الشرق الأوسط وأطرافه، مثل القرن الإفريقي وآسيا الوسطى والبلقان، كي تتمكن من تشتيت القوى التي تواجهها.
5. السعي إلى الحصول على شرعية أساسية لوجودها وحدودها، بواسطة قرارات واتفاقيات دولية، وبمساعدة المنظمات اليهودية في العالم.
6. الحراك السياسي في الشرق الأوسط هو نتيجة أداء عقلاني لزعمائه.
7. المسؤولية الحصرية عن الأمن القومي ملقاة على عاتق مؤسسات الدولة التي تمتلك لوحدها المعلومات والقدرات من أجل بلورة توجه أمني قومي وتطبيقه.
8. عقيدة "الجدار الحديدي"، التي تهدف إلى إحباط مساعي الدول العربية للقضاء على إسرائيل، من خلال تطوير تفوق عسكري حاسم بواسطة: الردع من خلال حسم سريع في ميدان القتال؛ تقصير مدة الحروب وتمديد مدة وقف إطلاق النار بين الحروب؛ نقل القتال إلى أراضي الدول العربية والفصل بين الجبهة القتالية والجبهة الداخلية؛ تطوير تفوق نوعي تكنولوجي وبشري؛ الحصول على إنذار بواسطة الاستخبارات، الأمر الذي يسمح لإسرائيل بالاستعداد وتنفيذ عمليات عسكرية استباقية؛ نموذج "جيش الشعب"؛ تطوير "قدرات إستراتيجية ليوم الحساب"، أي أسلحة نووية. وتعبر هذه العقيدة عن أنه لا يمكن القضاء على العداء لإسرائيل في المنطقة.
9. الجيش الإسرائيلي هو مقاول لتنفيذ مهمات وطنية وبينها مهمات ذات طابع مدني، مثل استيعاب الهجرة اليهودية والاستيطان والتربية والتعليم.
10. لأن التهديد المركزي على إسرائيل هو تهديد عسكري، فإن هذا يستوجب تسخير كل موارد "الأمة"، وبما أن الجيش هو المؤسسة المركزية في أجهزة الأمن القومي والحيز العام الإسرائيلي، فإنه يحظى بأفضلية من حيث رصد الموارد البشرية والمالية والزمنية.
تقوّض أسس المفهوم الأمني
يرى "معهد ريئوت" أن عناصر أساسية في المفهوم الأمني الإسرائيلي المذكور أعلاه قد تقوضت ولم تعد واقعية بمرور الأعوام، وذلك لأسباب الآتيـة:
1. يهود العالم يبتعدون عن إسرائيل، إذ "يتزايد عدد اليهود الذين لا يرون أن إسرائيل عنصر مركزي في هويتهم، ولا يؤيدونها، بل إن قسما منهم ينتقدها ويعاديها. وفي الوقت نفسه ضعفت المؤسسات والجاليات اليهودية، ولذلك تتراجع قدرة يهود الشتات على دعم إسرائيل والارتباط بها".
2. استمرار السيطرة على السكان الفلسطينيين يخلّ بالتوازن بين الهوية الديمقراطية لإسرائيل ويهوديتها.
3. الولايات المتحدة لم تعد صخرة متينة بالنسبة لإسرائيل، وهي ترزح تحت أزمة متواصلة في قدرتها على الحكم، وأكثر ما يعبر عن ذلك هو وضعها الاقتصادي ومكانتها الدولية. وذكرت الوثيقة في هذا السياق أيضا، صعود الصين وروسيا، وتأثير الحربين ضد العراق وأفغانستان على الرأي العام الأميركي، وتركيز اهتمام الولايات المتحدة على مناطق أخرى من العالم الأمر الذي يصرف نظرها واهتمامها عن الشرق الأوسط.
4. عملية نزع شرعية أساسية عن إسرائيل في الشرق الأوسط بقيادة شبكة منظمات غير حكومية، خلال العقد الأخير، تهدف إلى نفي شرعية إسرائيل "كدولة قومية للشعب اليهودي". وتجري هذه الحملة في العالمين العربي والإسلامي، وبواسطة شبكة جمعيات ونشطاء في العالم.
5. اهتزاز التحالفات المركزية لإسرائيل في الشرق الأوسط، بعد ضعف النظامين المصري والأردني أمام المجتمعات المدنية فيهما ومواجهة تحديات داخلية فيهما، ونتيجة لذلك تراجع تأثير النظامين. كما "حلّت" تركيا الحلف الإستراتيجي بينها وبين إسرائيل.
6. اعتبرت الوثيقة "الربيع العربي" أنه "فوضى وانهيار عناوين سياسية في الشرق الأوسط". وهذا الوضع ألغى وجود القدرة على بلورة المنطقة بواسطة علاقة مباشرة بين الزعماء الذين ينتهجون خطابا عقلانيا يضع مصالح الدولة في المركز. كما أن الهزة الإقليمية أدت إلى تردد وحرج كبير في إسرائيل والدول الغربية التي تواجه صعوبة في بلورة سياسة والعمل بموجبها من أجل منع انتهاكات خطيرة للقانون الدولي وانتهاك اتفاقيات ومواجهة كوارث إنسانية.
7. نظرة العرب لإسرائيل: من جهة، تجدد العداء الديني والعلماني لإسرائيل لدى الجيل الشاب في الشرق الأوسط، وهذا الجيل لم يمر بتجربة الهزائم العسكرية في العقود الماضية، لكنه ورث المفهوم الذي يرى في إسرائيل نبتة غربية واستعمارية أجنبية. وهذا الوضع موجود في الكيانات التي تقيم علاقات مع إسرائيل- مصر والأردن والسلطة الفلسطينية. ومن الجهة الثانية، فإن إسرائيل ليست في مركز الاهتمام الإقليمي، ومعظم النزاعات الكبيرة في الشرق الأوسط هي عربية - داخلية وإسلامية - داخلية، وليست متعلقة بإسرائيل أو بالصراع العربي - الإسرائيلي. بالإضافة إلى ذلك، "تطورت طبقة واسعة بين النخب والجماهير العربية ترفض محاولات حرف النقاش حول إخفاقات المجتمع العربي بواسطة استخدام إسرائيل ككبش فداء".
8. إيران تقترب من هيمنة إقليمية ومن قدرات عسكرية نووية، وهذا التطور من شأنه أن يقوّض تفرّد إسرائيل في المجال النووي، وتركيز أنظار المجتمع الدولي على قدرات إسرائيل النووية.
9. خصوم إسرائيل طوروا ردا على تفوقها العسكري والتكنولوجي. وهذا الرد يمنع إسرائيل من تحقيق انتصارات سريعة من دون إلحاق أضرار كبيرة بها وضرب جبهتها الداخلية. وهي تواجه الآن منظمات. وينتج عن ذلك: إطالة مدة القتال؛ التفوّق الإسرائيلي في الميدان العسكري يُستغل من أجل المس بشرعيتها؛ تكلفة الجيش تتزايد بسبب التكاليف الباهظة للمنظومات التكنولوجية؛ تزايد الاحتياجات الأمنية اليومية؛ الجبهة الداخلية تحولت إلى الجبهة المركزية.
10. تصدّع نموذج "جيش الشعب". كما أن هناك تراجعا في انخراط الشبان الإسرائيليين في الخدمة العسكرية، وارتفاع نسبة العرب والحريديم المعفيين من الخدمة العسكرية، ومعظم جنود الاحتياط لا يؤدون الخدمة العسكرية وتراجع قدرات الاحتياط بسبب تقليص التدريبات وارتفاع وتيرة التغيرات التكنولوجية، وتحولات عميقة في المجتمع الإسرائيلي، مثلما هو حاصل في العالم، أدت إلى تغيير في مكانة قيادة الأمن القومي كمن لديها صلاحيات حصرية.
فرصة لتطبيق مفهوم أمن قومي إسرائيلي جديد
يعتبر "معهد ريئوت" أنه توجد لدى إسرائيل فرصة لتطبيق مفهوم جديد في أمنها القومي يتلاءم مع عالم تغييرات متطرفة.
وتنبع هذه الفرصة، وفقا للوثيقة، من الدمج ما بين قدرات حكومة إسرائيل على الحكم واتخاذ قرارات وتطبيقها من جهة، وما بين الظروف السياسية والعسكرية والداخلية من الجهة الأخرى. ويستوجب تغيير المفهوم إحداث تغيير في رصد الموارد، وتنسيقا بنيويا ومؤسساتيا، وتطوير مفاهيم جديدة لتفعيل القوة العسكرية.
ويرى المعهد أن الفرص الماثلة أمام إسرائيل في مجال الأمن القومي تنبع من الدمج بين الظروف التالية:
- · أزمات داخلية شديدة في جميع الدول المعادية لإسرائيل. والأزمة السورية تؤثر على جميع الدول المجاورة لإسرائيل. كما أن تدخل إيران وحزب الله في الحرب الدائرة في سورية أدى إلى تعرض حزب الله إلى "هجمات سياسية وإرهابية" داخل لبنان.
- · حماس معزولة في غزة بين إسرائيل ومصر بعد أن فقدت حليفيها في سورية وإيران. والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تقف وحيدة مقابل إسرائيل ومن دون دعم كبير من جامعة الدول العربية، مصر أو السعودية، وترزح تحت ضغط المجتمع الفلسطيني. لكن هذه الوثيقة ترى أنه أصبح لدى السلطة الفلسطينية حرية غير مسبوقة من أجل التوصل إلى تفاهمات أو اتفاقيات مع إسرائيل بسبب ضعف الجهات التي تعرقل ذلك في العالم العربي.
- · تغير الخطاب العام الإسرائيلي حول العلاقة بين الجيش والمجتمع، وتم التعبير عن ذلك من خلال طرح مشروع قانون المساواة في تحمّل العبء والنقاش العام حول الميزانية الأمنية.
- · تراجع كبير في أهمية التهديد العسكري التقليدي، وسيناريو يحاكي هجوم جيوش على إسرائيل أصبح غير معقول في الفترة الحالية.
- · الصراع العربي - الإسرائيلي أصبح في الهامش بعد أن كان يعتبر مركزيا حيال عدم استقرار المنطقة طوال العقود الماضية.
عناصر رؤيا جديدة للأمن القومي
1. مفهوم أمني مرن وذو علاقة مع الواقع وفعّال، ويتم تحديثه بصورة متواصلة من خلال الشراكة بين جهات في الحكومة والمجتمع المدني.
2. إسرائيل دولة عظمى إقليمية: تفوّق مؤكد ومرن وذو علاقة مع الواقع في كل ما يتعلق بتفعيل مجمل الأدوات العسكرية والأمنية في أنحاء الشرق الأوسط، بشكل يضمن وجود إسرائيل لسنوات طويلة، ويكون مواطنوها آمنين. إلى جانب ذلك، إقامة نسيج علاقات، علنية وسرية، مع الحكومات والمجتمعات المدنية في أنحاء الشرق الأوسط بواسطة هيئات حكومية وغير حكومية.
3. إسرائيل دولة عظمى ذات "قوة ناعمة" في المنطقة والعالم. وهذه "القوة الناعمة" مؤلفة من القدرة على خدمة مصالح إسرائيل في المنطقة والعالم، على أساس مساهمة هامة ومتميزة للبشرية، وهي لا تتناسب مع حجمها. ويتم تنفيذ ذلك من خلال إقامة مؤسسات إسرائيلية حكومية ومدنية وعلاقات في جميع أنحاء العالم. ويمكن تحقيق الأهداف بواسطة تطوير حضور إسرائيل في العالم لتفعيل مجموعة متنوعة من الأدوات "الناعمة"، مثل الدبلوماسية والتجارة والثقافة والاقتصاد والعلاقات العلمية والتكنولوجية.
4. إحداث تحسن ملموس في مكانة إسرائيل الدولية وشرعيتها الأساسية كونها عنصرا "لا غنى عنه" بالنسبة للعالم، بحيث يكون نزع شرعيتها أمرا غير مقبول. ومن أجل تحقيق ذلك يتعين على إسرائيل أن تكسر دائرة المعاداة الأساسية لها في العالمين العربي والإسلامي بواسطة اعتراف عربي وإسلامي بشرعية وجود إسرائيل وإقامة علاقات طبيعية معها.
5. ضمان وجود أغلبية يهودية في إسرائيل بواسطة إنهاء السيطرة على السكان الفلسطينيين في إطار تسوية انفصال أو تسوية دستورية للتعايش في إطار كيان سياسي متطور.
6. اندماج المجتمع الإسرائيلي في شبكة المجتمعات اليهودية في العالم بواسطة علاقات بين المجتمعات والمنظمات والأفراد.
7. عقد جديد بين الجيش والمجتمع في إسرائيل فيما يتعلق بالخدمة الأمنية، بحيث يكون بإمكان أي مواطن أن يؤدي خدمة متساوية وهامة أكثر.
8. مفهوم أمني يوازن ما بين التوترات الموجودة في هذه الرؤيا: التكتل الداخلي والعلاقة بين المجتمع والجيش؛ شرعية إسرائيل؛ العلاقات بين إسرائيل ويهود العالم.