وتجنب خطر الانهيار في المستقبل

خبر : بروفيسور اسرائيلي يكتب عن "القرص المر الذي يجب ان تبتلعه اسرائيل اذا ارادت السلام"

السبت 04 يناير 2014 11:43 م / بتوقيت القدس +2GMT
بروفيسور اسرائيلي يكتب عن "القرص المر الذي يجب ان تبتلعه اسرائيل اذا ارادت السلام"



القدس المحتلة / سما / نشرت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية اليوم السبت مقالاً تحليليا كتبه البروفيسور يهيزكيل درور، مؤلف كتاب "فن الحكم الاسرائيلي: تحديات الامن القومي وطرق مواجهتها" يقول فيه ان اسرائيل لم يعد بوسعها ان تعيش كدولة تنكر ما يدور فيها و"يجب عليها ان تتخلى عن احلام اسرائيل الكبرى وان تسعى بنشاط الى السلام في المنطقة، ولكنها ستحتاج الى اطار جديد لمثل هذه الافعال الثورية". وهنا نص المقال:

"النقاش في الآونة الاخيرة بين وزير الدفاع موشيه يعالون وقادة مصالح الاعمال الاسرائيليين يعكس بجلاء المعضلة السياسية-الامنية التي تواجه اسرائيل. ان من غير المرجح بدرجة عالية ان يمكن احراز اتفاق مستقر مع الفلسطينيين يلبي احتياجات اسرائيل الأمنية. ولكن من دون تحقيق تقدم جوهري في عملية السلام، من المرجح ان تواجه اسرائيل هبوطاً سياسياً واقتصادياً واخطاراً امنية متصاعدة.

مع بلوغنا ذكرى مرور 100 عام على اندلاع الحرب العالمية الاولى، يجري نشر كتب كثيرة عن اسبابها. وبعد قراءتي اربعةً منها، خرجت باستنتاج واضح: كان من الممكن ان يكون الامر مختلفاً، ولكن عدداً قليلا من صانعي القرارات عانوا من المشي نائمين، وساروا متظاهرين بالشجاعة الى خضم الكارثة.

ان من الصعب عدم رؤية بعض نقاط التشابه مع اسرائيل (وعلى نحو مختلف، جيرانها). وتعمي اوضاع اسرائيل الجيدة نسبياً في الاوقات الاخيرة عن الاتجاهات المستقبلية. ذلك ان "اليمين" يتشبث باوهام ان القوة ستسود وان المستوطنات في الضفة الغربية تخلق حقائق دائمة على الارض. و"اليسار" يتمسك بوهم ان اتفاقاً دائماً مع السلطة الفلسطينية سينتج سلاماً مستقراً، وكأنما الانسحاب الاسرائيلي من جانب واحد من قطاع غزة في 2005 لم يسفر عن صواريخ وحروب.

على تباين مع نقاط التعلق هذه، توصلت التقديرات الطويلة الاجل لديناميكيات الصراع الى تحديد اتجاهات خطيرة: القدرة المتزايدة لقلة من الناس على قتل كثيرين، مع كون اسرائيل احد الاهداف المرجحة، واشكال هجوم مبتكرة مثل الحرب الاليكترونية التي نحن معرضون لخطرها، واكتساب ايران القدرة النووية بصورة او اخرى بعد ان فوتت اسرائيل فرصا مهمة للقيام بعمل، بالرغم من فهمها للخطر، والضغوط الدولية المتعاظمة لانهاء كوننا "قوة احتلال" – وصولاً الى "حل مفروض بالقوة". ويجب ان يضيف المرء الى ما تقدم، ويشدد على، ان مفارقة الاضطراب في الدول العربية هي امكانية ان يخلق جبهة موحدة، توجه طاقتها الثورية ضد اسرائيل.

وعلى عكس ذلك، من الصعب جداً – إن لم يكن من المستحيل – رسم اشكال مستقبل طويلة الاجل لاسرائيل من دون تهدئة الصراع العربي-الاسلامي/الاسرائيلي-اليهودي. وعلى سبيل المثال، فان فرص اعتياد الدول العربية على حكم اسرائيلي للضفة الغربية والقدس الكبرى هي فرص ضئيلة. وبناءً على هذا، فان من المرجح، من دون حسم للصراع، ان تشهد اسرائيل هبوطاً، مع امكانية وقوع كارثة تشمل الشرق الاوسط.

وعلى ذلك فان اسرائيل تواجه مخاطر الوقوع في مخالب الحيرة. فوزير الدفاع محق في ما يتعلق بالاستحالة المحتملة للتوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين يحقق احتياجات اسرائيل الامنية. وكبار رجال الاعمال محقون ايضا في توقعهم للانهيار في حال عدم تحقيق تقدم نحو السلام.

وبناء عليه، فان ما يستتبع ذلك هو ان انماط التفكير الحالية لا توفر مخرجا لتحاشي مخاطر المستقبل. والاسلوب المتبع لتحقيق السلام لا يتفق مع الابعاد المتعددة للصراع، من حيث نطاقه وعمقه الثقافي والنفسي. لذا فان الضرورة تدعو الى نقلة نوعية – نقلة الى ترتيبات مختلفة في اصول الحكم يمكنها ان تتواءم على مراحل مع لب الصراع، بما في ذلك جذوره الفطرية.

ولنبدأ بما هو مطلوب من اسرائيل. اصعب الامور في ذلك الحاجة الى سياسة واقعية تكمن في التخلي عن طموحات امتلاك "كل الارض الموعودة". وهذا لا يحرم الشعب اليهودي من الحق النفسي في الارض الموعودة (الذي قد يكون مفيدا امام محكمة كونية). اما في العالم الواقعي، فان اغفالها لحواجز السياسة الواقعية قد يؤدي الى دمار. وبالتالي، فانه ليس هناك اي سبيل لتجنب التخلي نظرية "اسرائيل الكبرى".

وعلى المستوى العملي، فان على اسرائيل ان تتخلي، من بين امور اخرى، عن انشاء وتوسيع المستوطنات خارج المناطق التي يحتمل ان يتم ضمها في تبادل متفق عليه للاراضي (والتي حُددت بوضوح على انها كذلك). فجرائم الكراهية ضد الفلسطينيين، التي يطلق عليها هجمات "دفع الثمن"، والافعال الاستفزازية، يجب ان تخضع للسيطرة بدقة عليها. كما ان من الضروري تغيير المفهوم الذي نلقنه للطلبة في مدارسنا، وذلك بان نعرض حقوقنا الى جانب المفاهيم العربية باعتبار ذلك "واقعا" نعتبره غير صحيح وان كان يصعب اغفاله. كما ان من الضروري انفتاح جهود الاعلام المتعددة امام الجماهير العربية والاسلامية الواسعة، والتعاون بين المواطنين اليهود والعرب في المنفى.

اما على المستوى السياسي، فان على اسرائيل ان تعلن من دون لبس او غموض انها على استعداد، بمقتضى اتفاق سلام شامل ووفق ترتيبات امنية موثوقة، للانسحاب الى حدود 1967 مع تبادل متفق عليه للاراضي، واقامة دولة فلسطينية، وان تنتقل الى الاتفاق على وضع القدس، بما في ذك الحكم المشترك على المناطق المقدسة. وانه عندما تشكل حكومة تريد السلام في سوريا، فان على اسرائيل ان تكون على استعداد للسير فنحو حسم لقضية مرتفعات الجولان.

ويجب ان يتم ذلك في اطار سلام اقليمي شامل، يتضمن اقامة علاقات كاملة بين الدول العربية والاسلامية مع اسرائيل، واتخاذ اجراءات مشتركة ضد من يعملون على عرقلة السلام، وخطوات متوازية لاحلال جو من الثقافة النفسية لاجواء السلام. وبناء عليه، يتم توسيع المفاوضات مع الفلسطينيين لتدخل في بوتقة تحقيق السلام الاقليمي. وفي الوقت ذاته، فان على اسرائيل ان تضع مفاهيم امن جديدة تشتمل على التوجه نحو السلام وعلى اجراءات رادعة وعقوبة شديدة، لا تحدها "النسبية"، لكل من يهاجم اسرائيل رغم جهود السلام.

هذا قرص مر يجب على اسرائيل ابتلاعه. ورفض عمل ذلك، سواء بانكار الاخطار الحقيقية التي تنشأ بسبب عدم بذل جهود حقيقية او ارتباط متعصب بتصورات طوباوية عقيمة، من المرجح جداً ان يسفر عن انهيار وقد يعرض مستقبلنا ذاته للمخاطر".