خبر : رفض الرئيس عباس مقاطعة اسرائيل والاكتفاء بمقاطعة مستوطناتها..اطلس للدراسات

السبت 21 ديسمبر 2013 06:01 م / بتوقيت القدس +2GMT
رفض الرئيس عباس مقاطعة اسرائيل والاكتفاء بمقاطعة مستوطناتها..اطلس للدراسات




في الوقت الذي يشهد فيه عالمنا العربي على المستويين الرسمي والشعبي تراجعاً وضعفاً وتفككاً واشتعالاً وانشغالاً بنار الحروب الداخلية والدخيلة والحروب والصراعات بالوكالة، ما جعل إسرائيل في نظر البعض تنتقل من مكانة العدو الرئيس الى دولة يمكن الاعتماد عليها وعقد اتفاقات الشراكة، بل والالتقاء بمندوبيها في وضح النهار وأمام عدسات التلفزة، في هذا الوقت بالذات تظهر الإرادة الشعبية الدولية قوة وتصميماً وتمنحنا تفاؤلاً يشحذ عزيمتنا ويصلب إرادتنا، فمقاطعة اسرائيل ونزع قناعها وإظهار عنصريتها وممارساتها الاحتلالية التي بدأ ينظر اليها كجرائم حرب، فالمقاطعة والتنديد والعزل الذي باتت اسرائيل تواجهه اليوم من قبل مؤسسات وأفراد ومشاهير وقرارات مشابهة من قبل مؤسسات رسمية دولية هو السلاح الذي تخشاه إسرائيل أكثر من أي سلاح آخر، وهي الحرب التي لا تستطيع الانتصار فيها، انها الحرب على الضمير الإنساني، الحرب على الرأي العام الذي لا يملك إلا التعاطف مع مبادئ الحرية والعدالة والمساواة وحق تقرير المصير لآخر شعب محتل على وجه البسيطة.
إن قرار اتحاد الدراسات الأمريكية بمقاطعة الأكاديمية الإسرائيلية تضامناً مع الأكاديميين الفلسطينيين ومع حرية البحث الأكاديمي الفلسطيني، وتنديداً بمشاركة الأكاديمية الإسرائيلية في انتهاك الحقوق الفلسطينية؛ يعتبر قراراً ذا مغزى مهم وانتصار للحق الفلسطيني، وينطوي على أهمية رمزية كبيرة، ويأتي في سياق اتساع نفوذ وتأثير المقاطعة لتصبح قضية رأي عام دولي، وتتحول إلى ظاهرة تزداد انتشاراً وتكبر مع الوقت ككرة الثلج المتدحرجة، وهي تشبه إلى حد كبير مقاطعة نظام الابارتهايد الجنوب افريقي، التي ولدت صغيرة على أيدي مؤسسات مغمورة، ثم تحولت مع السنيين إلى قضية رأي عام دولي فرضت أجندتها على الحكومات الأكثر دعماً للنظام العنصري.
يقول حيمي شيلف مراسل "هآرتس" في واشنطن عن تأثير قرار اتحاد الدراسات الأمريكية "يحطم القرار حواجز ويشكك في المسلمات، وهو يدخل الجدال على فرض المقاطعة إلى قلب المؤسسة الأكاديمية في أمريكا، وهو يحول المقاطعة السابقة، التي فرضها اتحاد الدراسات الآسيوية – المحيط الهادئ الأمريكية في نيسان من هذا العام، من حادثة هامشية الى ظاهرة حقيقية".
"لا يكمن الخطر فقط في أن تقف اتحادات أخرى الآن في الطابور كي تنضم الى المقاطعة، لا يفترض بقرار الاتحاد أن يضر بأكاديميين إسرائيليين أفراد. كما أن الفرص العملية لدى الاتحاد لفرض "مقاطعة مؤسساتية" على مؤسسات إسرائيلية نادرة جداً. إن الضرر الأساس للقرار هو في مجرد اتخاذه: فهو من شأنه أن يجعل اسرائيل والبحث مع أو ضد المقاطعة، مادة حامية الوطيس على طول وعرض العالم الأكاديمي في أمريكا، وهو سيجند المنظمات اليهودية والطلاب المؤيدين لإسرائيل في حرب ابادة ضد الاتحاد وممثليه، والى ردود فعل مضادة، بالطبع، من جانب مؤيدي المقاطعة في اتحادات أخرى".
"إن اسرائيل ستقف، في غير صالحها، في عين العاصفة، وهي ستتحول من اجماع إلى موضوع مختلف عليه، وهي ستقتلع من مكان مريح، يوجد فيه لها أساساً ما تخسره، وستعلق في ساحة بدأت فيها، كما أسلفنا، حركة الاحتجاج الكبرى المؤيدة للمقاطعة والمناهضة لنظام الابارتهايد في جنوب إفريقيا، إذا لم يوجد السبيل لوقف حالة الزخم، فإن تأييد شرائح واسعة في نخب المستقبل الأمريكية، سيكون، مثلما كان في حينه، في خطر حقيقي".
وانطلاقاً من شعور صحيفة هآرتس بالقلق من موجة المقاطعة المتنامية؛ نشرت قبل أيام مقالاً في افتتاحيتها بعنوان "تنقيط المقاطعة قد يتحول الى طوفان"، وتنقل عن مسؤول أوروبي رفيع محذراً إسرائيل من أن المقاطعة ستتحول إلى طوفان في حال فشلت المفاوضات، وتعقب الصحيفة أن تحذيرات كيري والمسؤول الأوروبي بدأت تتحقق لكن السيل لم يصل بعد، حيث تؤكد الصحيفة أن المزيد من شبكات التسوق الأوروبية بدأت فعلاً بوضع علامات مميزة على منتجات المستوطنات، وحسب الصحيفة تتعاظم المقاطعة ضد منتجات المستوطنات مثل "تمور المجهول" المنتجة في مستوطنات الأغوار، و"صودا ستريم" المصنعة في مستوطنة "معاليه ادوميم"، كما أن شركة "اهافا" التي تنتج مستحضراتها من البحر الميت اضطرت لوقف نشاطاتها في جنوب إفريقيا، وتعاني شركة "فيوليه" الفرنسية من ضغوطات كبيرة بسبب نشاطها في القدس الشرقية ومستوطنات أخرى، وشركة الحماية البريطانية G4S فقدت عقوداً في جنوب إفريقيا، وتقول الصحيفة ان المقاطعة وصلت إلى الكنائس، حيث باشرت الكنيسة البروتستانتية الأكبر في كندا حملة لمقاطعة منتجات المستوطنات.
هذا القلق من تدهور مكانة اسرائيل على المستوى الدولي ومن إساءة سمعتها وازدياد نمو ظاهرة المقاطعة؛ رصده بحثان إسرائيليان، واحد صدر عن معهد "ادفا" والثاني عن معهد "مولد"، وعبر البحثان عن قلقهما من تدهور مكانة اسرائيل واتساع ظاهرة المقاطعة المرتبطة أساساً باستمرار الاحتلال، ويؤكد بحث "مولد" أن إسرائيل محظوظة لأن محيطها العربي منشغل عنها، وأنها لا زالت تحظى بعلاقات صداقة قوية مع حلفائها الكبار.
المقاطعة والعزلة هو المصير المؤكد الذي ينتظر اسرائيل مهما تذاكى حكامها، ومهما كانت سمك أقنعتها أو سحرها، ومهما اختفت خلف شعارات السلام والمسيرة السلمية، ويبدو أن الشيء الوحيد الذي يساعدها أو يؤجل مصيرها هو المفاوضات التي يحاول بوساطتها كيري أن يحمى اسرائيل ويدفع عنها مخاطر المقاطعة ونزع الشرعية عبر إظهارها بالراغبة في صنع سلام بثمن مؤلم.
بيد أن ما يثير الغرابة والاستهجان أن رئيس الشعب الفلسطيني المحتل، في ذروة حرب المقاطعة، وفي عاصمة حملة المقاطعة في جوهانسبورغ، وأمام نشطاء من أجل التضامن الدولي مع فلسطين يصرح أنه يرفض مقاطعة إسرائيل، ويدعو فقط لمقاطعة المستوطنات، مما أصاب الحضور بالذهول والاندهاش حسب صحيفة (The Star) الجنوب إفريقية، فكيف يا سيادة الرئيس يمكن الفصل بين المستوطنات والاحتلال من جهة، وبين دولة إسرائيل من جهة أخرى؟! فكيف مثلاً يمكن الفصل بين الأموال التي تجبيها المالية الإسرائيلية كضرائب من أرباح شركات الهايتك المقامة في تل أبيب وبين الأموال التي تحولها نفس الوزارة لإسكان المستوطنين وأمنهم وبناهم التحتية؟! وكيف يمكن الفصل بين المياه المسروقة من آبارنا الجوفية بواسطة شركة المياه القطرية الاسرائيلية "ماكوروت" وبين المياه الاسرائيلية؟! وكيف يمكن للمقاطعة أن تؤثر على الناخب التل أبيبي الذي ينتخب أحزاب اليمين إذا اقتصرت المقاطعة على المستوطنات؟! وهل يا سيادة الرئيس من يسيطر على مياهنا وبحرنا وجونا ومعابرنا ويحاصرنا خلف الجدران والاسلاك ويعتقلنا ويجوعنا ويقتلنا ويدمر اقتصادنا هي المستوطنات فقط؟! إن كان الأمر كذلك حسبما تعتقدون فإننا لا نستغرب اليوم لماذا لم تتوجهوا للمنظمات الدولية أو إلى المحاكم الدولية، وتم من قبل إهمال تقرير "غولدستون" وتوصية لاهاي بشأن الجدار، لأننا لا نريد أن نحاكم إسرائيل؛ بل مستوطناتها، والمستوطنات ليست لها صفة رسمية ولا يمكن محاكمتها، وبالتالي من العبث الانشغال وبذل الجهود بما لا يجدي.
لا نستغرب أن يكون لجماعة حزب العمل واليسار الصهيوني تأثير ما على مضمون التصريح، فهم كما ليفني وبيرس أيضاً يلحون على التمييز بين المستوطنات المعزولة فقط وبين اسرائيل وكتلها الاستيطانية التي يقولون انها ستبقى اسرائيلية في كل تسوية، تحت ذريعة القبول بمبدأ تبادلية الأراضي.
إننا نفهم أن الرئيس أراد أن يؤكد على مضمون خطابه السياسي الذي يؤمن ويتبنى حل الدولتين، لكن ما لا نفهمه أن يؤمن رئيسنا بإمكانية الوصول لهذا الحل دون كفاح ودون ثمن تدفعه اسرائيل يضطرها صاغرة إلى التسليم بالحد الأدنى لحقوقنا، والسؤال كيف سندفع إسرائيل للقبول بإنهاء احتلالها إذا تنازلنا عن أحد أسلحتنا المشروعة جداً "مقاطعتها ونبذها وحصارها"، مثلما تنازلنا عن أوراق ضغطنا الأخرى "المقاومة"، بما فيها عملياً المقاومة الشعبية، ومثلما تنازلنا عن حقوقنا في الانضمام للمنظمات الدولية، أم ان قوة الخطاب الحمائمي السلمي والاعتماد على وعود الصديقة أمريكا واحتكارها للمفاوضات وضمانات شيوخ النفط وتوقيع اتفاقيات التطبيع الاقليمية "قناة البحرين" وحدها كفيلة بإنهاء الاحتلال.