فى تمام السابعة والربع من مساء الثلاثاء الماضى كنت أمر فى تقاطع شارعى طلعت حرب مع شارع عبدالخالق ثروت قرب نقابة الصحفيين بمنطقة وسط البلد.
فى هذه اللحظة كانت مسيرة لأنصار الإخوان قد وصلت إلى هذا المكان. المتظاهرون كانوا يتراوحون بين ألف وألف ونصف شخص.
فى هذا المكان بدأ بعض العاملين فى محلات المنطقة يتجمعون ويهتفون هتافات معادية للإخوان. رفع الإخوان أصواتهم هاتفين «بنحبك يا مرسى»، فيرد عليهم العاملون فى المحلات بهتاف على نفس النغمة، لكنه خارج وجارح.
فجأة بدأ الطرفان يشتبكان، العمال يطاردون المسيرة من الخلف، وآخرون يحاصرونها من الأمام، ومن حسن حظ الإخوان أنهم كانوا قد وصلوا إلى قرب شارع 26 يوليو المتسع خلف دار القضاء فأتاح لهم ذلك فرصة للانسحاب إلى الشوارع الجانبية.
كنت شاهدا للعيان وسمعت بأذنى شتائم كثيرة من مواطنين عاديين وأصحاب محلات وعاملين فيها لمجرد رؤيتهم للمظاهرة، وهى قادمة. سمعت شخصا يتحدث غاضبا بـ«ضرورة إبادة الإخوان»، وآخر عن ضرورة إعطائهم درسا أو علقة لا ينسونها، حتى لا يمروا فى هذه المنطقة مرة أخرى، وثالث يسخر منهم، ورابع يندم على اليوم الذى أعطاهم فيه صوته.
الخطأ القاتل الذى ارتكبه الإخوان فى هذا اليوم أنهم اختاروا المرور فى شارع طلعت حرب.
ومعنى ذلك أنه لم يعد هناك عقل يفكر لهم بالمرة، وأبسطها أن يختار لهم الأماكن التى يتظاهرون فيها. معلوم للقاصى والدانى أن الباعة الجائلين صاروا يحتلون هذه المنطقة، وخصوصا هذا الشارع لدرجة أن المساحة المخصصة للمرور تتسع لسيارة واحدة بالكاد.
هؤلاء الباعة ومعهم أصحاب المحلات يشعرون أن حظر التجول أصابهم فى مقتل، وأثر على أرزاقهم والذى وصل إليهم أن الإخوان هم السبب فى كل ذلك.
وبالتالى وعندما تأتى مظاهرة للإخوان وتسير فى نفس شارعهم وتوقف حركة البيع والشراء فهى بالتأكيد أخطأت الطريق، وربما تكون وقعت فى كمين.
رأيت عيون الباعة تتوهج شرا ضد المظاهرين، رأيت بعضهم يحاول الاندفاع ضد المظاهرة غير مكترث بما يحدث له.
الذين رأيتهم هذه الليلة لم يكونوا بلطجية أو «مواطنين شرفاء»، كما يحلو للإخوان وأنصارهم الادعاء. كانوا باعة وموظفين عاديين خرجوا من محلاتهم للتصدى للمظاهرة.
ما هو المغزى الجوهرى لهذا المشهد الذى كنت شاهد عيان عليه؟!
المغزى أن سير الإخوان فى هذا الشارع المعادى لهم تماما يعنى أنهم فقدوا القدرة على التركيز والتمييز.
والمغزى الأهم أن هناك رفضا شعبيا لهم يزيد يوما بعد يوم، والأخطر أنهم لا يدركونه ولا يريدون الاعتراف به.
شعرت فى هذه الليلة أن استمرار الإخوان فى التظاهر فقط خصوصا فى الشوارع والمناطق المزدحمة يزيد من حدة الغضب الشعبى ضدهم، ويدفعهم ربما من دون أن يدروا إلى عملية انتحار سياسى بطيئة.
ما لم تحدث معجزة فإن ابتعاد الإخوان عن المشهد السياسى قد يستمر لسنوات طويلة، والسبب الجوهرى هو قلة كفاءتهم سواء كانوا فى الحكم أو حتى فى المعارضة.


