خبر : أميركا على طريق التغير .. بقلم: طلال عوكل

الخميس 12 سبتمبر 2013 03:17 م / بتوقيت القدس +2GMT
أميركا على طريق التغير .. بقلم: طلال عوكل



لست ادري إن كان أي رئيس أميركي سابق، تعرض للحرج، والهزيمة التي يتعرض لها الرئيس باراك أوباما، الذي كان هزم نفسه حين فشل في تنفيذ الوعود التي اطلقها في بداية ولايته الأولى، وحين تحمل الإهانات من زعماء حليفته، وحليفة بلاده، إسرائيل، على خلفية الموقف من الاستيطان والعملية السلمية، الشعور بالهزيمة يتجاوز أبعاد الذاتية الرئاسية، فلقد تعرضت الاستراتيجيات الأميركية الى ضربات متلاحقة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، فمن فشل أهداف غزوها للعراق، وما نجم عنه من عملية سياسية متعثرة ورثت العراق وشعبه، المزيد من الويلات والمخاطر، الى فشلها في أفغانستان. في أفغانستان، تتوسل الولايات المتحدة حلا سياسيا مع طالبان، وتواصل دعم النظام الذي أقامته، والذي يجعل الرئيس قرضاي، مستقرا في موقعه لأكثر من اثنتي عشرة سنة، وها هي تستعجل الانسحاب، لكي تتركه لصراع مرير، سيكبد الشعب الأفغاني المزيد من الخسائر. وتهزم الاستراتيجيات الأميركية مرة اخرى في مصر التي أطاحت بالسياسات الأميركية، والأمر الذي يشكل عاملا قويا في اتجاه إفشال تلك السياسات في مناطق اخرى من الوطن العربي.

وتفشل السياسة الأميركية ايضا في التعامل مع الملف النووي الايراني، الذي يمضي قدما، ولم ينفع في وقفه كل مسلسل العقوبات التي لجأت اليها مع حلفائها، وها هي إيران تهدد السياسة الأميركية وحليفتها إسرائيل.
والآن يواجه السياسة الأميركية فشل مهين آخر، حين تتحدث بلغة واثقة عن مسؤولية النظام السوري عن استخدام أسلحة كيماوية ضد شعبه، ويتحدث رئيسها، ووزير خارجيتها عن توجيه ضربة عسكرية لسورية كانت مؤكدة قبل اكثر من أسبوعين، ثم اصبح احتمال القيام بها ضعيفا وان كان غير مستبعد.
وقبل ذلك فشلت الولايات المتحدة، حين شجعت ودعمت إسرائيل في حربها ضد لبنان العام ٢٠٠٦، هذا بالإضافة الى فشلها المستمر في إنجاح عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أما القضية الكبرى، فتعود الى الأزمة البنيوية، المالية والاقتصادية التي ضربت قبل نحو خمسة أعوام الولايات المتحدة، والدول الغربية التي تسير على النهج الرأسمالي، والتي لم تشف منها هذه الدول، حتى الآن، وكادت تطيح ببعض الأنظمة مثل اليونان والبرتغال.
من راقب وتابع اجتماعات القادة العسكريين في عشر دول من بينها ثلاث دول عربية، جاؤوا الى الأردن، بالقرب من ميدان هدف الضربة، كان يتوقع ان تكون الضربة العسكرية قد حصلت بالفعل، ولكن سرعان ما ان تبين، بأن الولايات المتحدة، لم تعد قادرة على جر وحشد حلفائها، الى معارك، لصالح آخرين، تراجعت ألمانيا أولا ثم تراجعت بريطانيا بسبب معارضة مجلس العموم، ثم تبعتها إيطاليا، الى ان بقيت الولايات المتحدة وفرنسا ومن المنطقة تركيا والسعودية اللتان تحمستا لتوجيه الضربة، فخابت آمالهما.
الرئيس أوباما، الذي اعلن انه يملك الصلاحية الدستورية لاتخاذ القرار بشأن توجيه الضربة، بدا غير واثق من نفسه، ومترددا في ان يفعل ذلك فقرر ان يلجأ الى مجلس الشيوخ، الأمر الذي شكل الإشارة الأولى، لبداية النزول عن السلم الذي وقف على آخر درجة فيه.
أوباما اصطدم باعتراضات واسعة، حتى بدا وكأنه وحيد، في مواجهة ما تتعرض له هيبة الولايات المتحدة، ودورها، فلقد عارض قراره، 59٪ من الرأي العام الأميركي، رغم ان اكثر من سبعين في المئة يعتقدون بأن النظام السوري هو المسؤول عن استخدام سلاح كيماوي.
وعارض أوباما أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ، ومنهم أعضاء من الحزب الديمقراطي، الذي يستعد لخوض الانتخابات النصفية للرئاسة المقبلة، كما عارضه أغلبية من أعضاء الحزب الجمهوري رغم موافقة المرشح السابق للرئاسة جون ماكين، ان كان سيذهب الى الحرب فليذهب وحيدا ثم فليتحمل حكم الشعب الأميركي والتاريخ، وليتحمل ويحمل الولايات المتحدة تبعات مثل هذه الحرب ان وقعت.
ويبدو ان روسيا، قد التقطت في اللحظة المناسبة، الأمر، فتقدمت باقتراح وضع الأسلحة الكيماوية في سورية، تحت رقابة دولية، ثم جاءت موافقة سورية، لكي تضاعف المأزق الذي وقع فيه دعاة الحرب، ربما يرغب الباحثون عن مبررات لقبول الرئيس الأميركي الاقتراح الروسي فيقول انه مناسبة لفرض الحل السياسي للازمة السورية، وكأن الولايات المتحدة تتبنى مثل هذا الحل، ولكن من قال، بأن العودة الى مثل هذا الحل، لن تكون في مصلحة النظام السوري، الذي يواصل تحقيق المزيد من الإنجازات الميدانية بصراحة، فإن خوف إسرائيل وحلفائها من الأميركيين، الحريصين على امنها، نابع من إدراك تداعيات اي ضربة عسكرية لسورية، والتي قد تفتح على إسرائيل أبواب جهنم. فعدا عن ان سورية، قد ترد على اي قصف أميركي، باعتبار ان الرد على إسرائيل هو افضل الخيارات على الإطلاق، فإن التهديدات الإيرانية، وهي تهديدات حقيقية، وصمت حزب الله، كل ذلك من شأنه ان يقلب الكثير من الحسابات بالنسبة لإسرائيل وبالنسبة للولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة.
ها هي روسيا، تعود بقوة إلى المنطقة، في إطار التنافس مع الوجود والنفوذ الأميركي، ويعود العالم، إلى مرحلة تعدد الأقطاب، وتعود الولايات المتحدة، لكي تكون غير التي عرفناها وعرفها العالم قبل سنوات.
وعلى المدى المتوسط، فإن إسرائيل لن تكون قادرة على الاعتماد الكلي على الحماية الأميركية كما كان الحال سابقاً، أما بعض الدول الإقليمية الأخرى التي حرضت على توجيه الضربة لسورية، واستعدت للمشاركة، فإن خيبة أملها بسبب التراجع الأميركي، من شأنه ان يرتد بصراعات داخلية في بلدانها.
ما وقع ويقع ليس قضية عابرة، سواء في حال ركب الرئيس الأميركي رأسه أو تراجع، فإن الدروس والاستنتاجات التي ينبغي ويمكن التوصل إليها تذهب إلى أبعاد استراتيجية.
وأخيراً تعالوا ننتظر طويلا حتى يتوصل مجلس الأمن الدولي إلى قرار بشأن الاقتراح الروسي، ومصير الأسلحة الكيماوية في سورية.