خبر : الحرب في سورية في ضوء المصالح الإسرائيلية ...يقلم: أشرف العجرمي

الأربعاء 11 سبتمبر 2013 09:58 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الحرب في سورية في ضوء المصالح الإسرائيلية ...يقلم: أشرف العجرمي



يبدو أن الصورة الخاصة بمستقبل الوضع في سورية أصبحت أكثر غموضاً وتعقيداً بعد أن أصبحت الإدارة الأميركية ضحية لضغوط داخلية وخارجية تصعب عليها تنفيذ خطتها في مهاجمة سورية، في إطار ما تقول إنها حرب محدودة تهدف إلى معاقبة نظام الأسد على تجاوزه الخطوط الحمر التي وضعها الرئيس باراك أوباما للأسد وهي استخدام السلاح الكيماوي في الحرب الدائرة بين النظام والمتمردين. فقد كان واضحاً أن الإدارة الأميركية قد خططت لما هو أكبر من مجرد معاقبة الأسد، وكان مهماً لأوباما الحصول على دعم الكونغرس حتى لا يتهم بأنه اتخذ قراراً فردياً ،على عكس الرغبة الشعبية من جهة، ويمكن أن يورط أميركا في تعقيدات الشرق الأوسط من جهة أخرى. ومشكلة أوباما لا تكمن فقط في صعوبة الحصول على تفويض الكونغرس الذي يتجه حسب رأي العديد من المحللين لرفض منح التفويض لحرب أوباما، بل كذلك في الموقف الروسي القوي والداعم لسورية والذي يرى في الحرب الأميركية بدون تفويض من مجلس الأمن عدواناً وخروجاً على القانون الدولي. فروسيا التي عبرت عن دعمها اللا محدود لنظام الأسد حتى في وجه الضربة المخططة سارعت لانقاذه بإلتقاط مبادرة ذكية للغاية بعد زلة لسان وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي أجاب على سؤال أحد الصحافيين بعد محادثاته مع وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ عن الشيء الذي يمكن أن يفعله الأسد والحكومة السورية لوقف العمل العسكري الاميركي بالقول أنه "يمكنه تسليم جميع ما لديه من أسلحة كيماوية للمجتمع الدولي خلال الأسبوع المقبل دون تأخير". وتقضي المبادرة الروسية بأن تضع سورية الاسلحة الكيماوية تحت إشراف دولي تمهيداً لتدميرها، وموافقة الحكومة السورية على الفور جعلت الأمر يبدو وكأنه استجابة للطلب الأميركي.

لم يخطر ببال كيري أن تكون هناك مبادرة فورية من روسية واستجابة أسرع من دمشق، وكان واضحاً أن ما قاله كيري مجرد حديث لا يتوقع أن يلقى رد فعل ايجابي من سورية بدليل أن الجملة التي تلت جملته الشهيرة السابقة تلخصت في تقديره أنه "لن يفعل ذلك"،أي أن أقواله بدت وكأنها شرطاً تعجيزياً لسورية. والآن و برغم الارتباك الأميركي ومحاولة التراجع عن أقوال كيري، أصبح موضوع الهجوم الأميركي أكثر صعوبة إذ لا تستطيع الإدارة الاميركية أن تبرر الضربة العسكرية داخلياً وخارجياً بعد الموقف الذكي الذي اتخذته الحكومة السورية رداً على مبادرة الحليف الروسي. مع ذلك لا يبدو أن مخاطر هذه الضربة قد تلاشت نهائياً.
موقف إسرائيل من موضوع الحرب على سورية تكتنفه التناقضات والغموض، فمن جهة تريد إسرائيل القضاء على المقدرات السورية بالكامل ووقف تهديد سورية لإسرائيل على المديين القصير والبعيد، وهي تحبذ ضربة أميركية واسعة النطاق بحيث تقضي على القدرات السورية، ولكنها تخشى من سيناريو قيام سورية بضرب إسرائيل رداً على ضربة أميركية قاضية، سواء باستخدام اسلحة تقليدية أو كيماوية ، أو الايعاز لمنظمات المقاومة التي تربطها بها علاقات تحالف بقصف المواقع الإسرائيلية. وتخشى من أن يؤدي انهيار نظام الأسد إلى سيطرة بعض التنظيمات المتطرفة على مساحات واسعة من سورية بما فيها منطقة الجولان والمناطق المحاذية لها وبحث هذه المنظمات عن الشرعية الشعبية من خلال ضرب إسرائيل وافتعال مواجهات معها وتسخين جبهة الجولان.
ولا تريد إسرائيل أن يخرج الأسد منتصراً من الحرب لأن ذلك يعزز قوة تحالف إيران- سورية- حزب الله. وبالتالي تريد إسرائيل وصفة عجيبة لا يبدو أنها واقعية أو في متناول اليد، فهي تريد سورية بدون الاسد وبدون مقدرات عسكرية على الإطلاق ، وتريد أن يحكم سورية نظام ليبرالي مؤيد للغرب يمنح إسرائيل الأمن بدون مقابل وبدون مطالبات اقليمية وينسف الحلف المعادي لها وويقود إلى إضعاف إيران. وسقوط النظام السوري نتيجة لضربة أميركية من شأنه أن يعيد هيبة الولايات المتحدة ويحافظ على الخطوط الحمر التي وضعتها وخاصة عدم تزود إيران بالقدرات النووية العسكرية.
ومن الإسرائيليين من يحمد الله على عدم "التنازل" عن هضبة الجولان أو عن أجزاء كبيرة منها، لأن الهدف من هذا كان تحقيق الهدوء والأمن على حدودها وهو الآن غير مضمون في ظل الظروف الراهنة والتطورات المستقبلية. وربما هذا هو الاستنتاج الإسرائيلي الأبرز في النظر إلى حركة الشعوب العربية الاحتجاجية والتغيرات الحاصلة في العالم العربي حيث لا شيء ثابتا ولا شيء مضمونا.حتى الحليف الجديد في مصر محمد مرسي لم يمض في الحكم أكثر من عام واحد وأطيح به في ثورة شعبية ثانية أكثر قوة واتساعاً. والتخطيط الإسرائيلي حالياً هو عدم الذهاب نحو تسويات سياسية نهائية تفضي إلى التخلي عن مناطق جغرافية تحت أي ظرف بانتظار ما تؤول إليه الظروف والتطورات العاصفة في المنطقة.
والمفاوضات مع الجانب الفلسطيني لا تعدو كونها محاولة لكسب الوقت، ولسنا بحاجة لتصريحات أفيغدور ليبرمان لنعرف أن المفاوضات مضيعة للوقت ولن ينجم عنها أي شيء ذي مغزى.فتسيبي ليفني تلخص فائدة المفاوضات لإسرائيل بأنها حسنت موقفها على الساحة الدولية.وقد ساعدت هذه العملية اسرائيل كذلك في تليين الموقف الأوروبي من مقاطعة المستوطنات نتيجة للضغوط الأميركية المتذرعة بالمفاوضات.
من المهم لإسرائيل أن تستعيد واشنطن قوة ردعها التي تآكلت في سنوات الربيع العربي، وتعيد بسط نفوذها وهيبتها على منطقة الشرق الأوسط وتعزز مكانة وقوة حلفائها وعلى رأسهم إسرائيل بدون الأسد وبدون أي إزعاج في سورية ، وأيضاً بدون انسحاب من المناطق المحتلة ، وفي أحسن الأحوال مع إجراءات أحادية الجانب أو حلول انتقالية جديدة طويلة الأمد، وكفى الله إسرائيل شر السلام الشامل والعادل إلى ما شاء وأراد.