أسهل شيء أن تكون خارج أي تنظيم لتصدر أحكاما على قرارات وتصرفات التنظيمات ولا أكاد أجد شخصا غير منتم لفصيل يعمل في السياسة أو الاقتصاد أو أي عمل مجتمعي يمدح أي فصيل بشكل كامل بل تجده ساخطا ومتذمرا من فعل الفصائل ويسهب في الحديث عن فشلها وقلة حيلتها في التعامل مع مشاكل الناس واحتياجاتهم ، وهذا أصبح ديدن الغالبية العظمى من الناس بالرغم أن أغلبهم حاول أو فكر في تشكيل تجمع ليقدم نموذجا ناجحا وفشلوا جميعا بامتياز .
ولكن لم يفكر أحد من هؤلاء أن يضع نفسه مكان القائد في هذه الفصائل ويتقمص حجم المشاكل وتعقيدات الأوضاع وحساسية ودقة المواقف المطلوبة من كل فصيل سواء كان داخل السلطة أو خارجها وأرجو أن لا يتهمني أحد بأني أدافع عن أي خلل أو فشل ولكن هو الواقع كما أراه ، وأحيانا لابد من تقمص شخصية قائد من قلب هذه التنظيمات وأفكر بشكل منطقي وموضوعي .
وعلى سبيل المثال ماذا لو كنت قائدا في حركة بحجم وـاثير حركة حماس ؟ وهي الحركة التي أصبحت تلعب دورا بارزا ومحوريا في صنع السياسة المحلية وأصبحت موضع اهتمام صناع السياسة الإقليمية والدولية بحكم فوزها بالأغلبية الكبيرة في الانتخابات الأخيرة وقدرتها على السيطرة على قطاع غزة بشكل كامل وهي المنطقة الأكثر سخونة فلسطينيا .
حركة حماس أصبحت في وضع لا يمكن تجاوزه بعد كل المراحل السابقة التي مرت بها ويجب التفكير بالمستقبل دون إغفال مستلزمات المرحلة التي تمر بها وكذلك المسئوليات تجاه كوادرها وأفرادها وعلاقاتها المتشعبة .
ومن هنا فإن أمام حركة حماس عدة ملفات آنية يجب التعامل معها فورا وبدون تأخير ولابد من قرارات مهما كانت صعبة وفيها نوع من المجازفة السياسية المفروضة بحكم المتغيرات المتسارعة في المحيط .
الملف الأول إدارة قطاع غزة
هذا الملف له الأولوية في التفكير أمام كل قائد في حماس وهو ذو شقين الأول الشق الأمني والثاني الشق الإداري . أما بالنسبة للشق الأمني فقد حققت حماس تفوقا كبيرا في كيفية إدارة هذا الملف بحكم نجاحها في السيطرة على إدارة هذا الملف بغض النظر عن الثمن الذي سيدفعه كل من يرغب في تعزيز حكمه وسيطرته ، فلا يوجد أمن كامل دون دفع استحقاقه الكامل ، وهذا الملف هو الضامن المرحلي في ضبط مسيرة التغيير القادمة فلا يجوز تحت أي ذريعة حصول الفوضى وانعدام الأمن الفلسطيني ، وهذا الملف يجب التعامل معه بحذر في حالة الاتفاق على تطويره مستقبلا .
أما الشق الإداري لقطاع غزة فهذا لا يحتاج الى تسويف أو تأجيل في ضرورة التخلص من هذا العبء الثقيل على كاهل حركة حماس وأمام الحركة ثلاثة سيناريوهات جميعها تحقق ذات الهدف وليست متناقضة ، وهي / دعوة الأخ اسماعيل هنية لشراكة سياسية في إدارة قطاع غزة وهذه الدعوة بحاجة الى تفعيل ووضع أسس حقيقية لها ويمكن تحقيقها من خلال إشراك شخصيات فاعلة ولها علاقات متوازنة وليست محسوبة على ذات التوجه الحمساوي إذ أن التنوع الفكري السياسي الحقيقي هو المقياس .
والسيناريو الثاني وهي الفكرة التي طرحها الأخ يحيي موسى – عضو المجلس التشريعي عن حركة حماس – والمتمثلة بتشكيل هيئة وطنية من ممثلي الفصائل وشخصيات عامة تتولى زمام إدارة قطاع غزة وهي خطوة متقدمة عن السيناريو الأول .
والسيناريو الثالث هو المباشرة في الاتصال بالرئيس محمود عباس لتشكيل حكومة الوفاق الوطني بدون تأخير وتجاوز أي سبب قد يعيق هذا التشكيل ، وخاصة قضية الانتخابات كما سنتحدث عنها .
وكافة السيناريوهات السابقة ستعمل بشكل إيجابي مقبول لتحقيق الوفاق الوطني الشامل وتعزيز حالة التفاهم بين الجميع .
الملف الثاني / الانتخابات
لو كنت مسئولا في حماس لكنت أكثر المتحمسين للموافقة على دعوة الرئيس محمود عباس لعقد الانتخابات ولن أجعلها سببا لتأجيل الوفاق الوطني لأسباب عدة أهمها إدراك الجميع أن حكومة الاحتلال الحالية لن تسمح بسهولة بإجراء الانتخابات الفلسطينية العامة في الضفة الغربية والقدس الشرقية على وجه الخصوص لطبيعة الائتلاف الحكومي الحالي في دولة الاحتلال ، والكل يدرك أن قرار إجراء الانتخابات الفلسطينية ليس قرارا فلسطينيا مجردا بل لابد أن تسبقه موافقات أخرى لتسهيل إجرائها ، ثم لو حصل ذلك فلابد من ضمانات وآليات لتحقيق القدر المعقول من النزاهة والشفافية وكل ذلك سيحتاج تحقيقه الى وقت ليس بالقريب ، والأمر الثاني الوضع الداخلي لحركة فتح فلا يخفى على أحد أن الرئيس محمود عباس سيحتاج الى وقت أطول بكثير من الوقت التي تحتاجه حركة حماس لترتيب الاستعدادات لخوض الانتخابات ولعل المراقب لنتائج اجتماع المجلس الثوري الأخير يقرأ بين السطور حال حركة فتح ، والأمر الثالث الانتخابات هو تجديد واختبار لقوة كل فصيل وحتى هذه اللحظة لا يوجد في الشارع الفلسطيني ما يقلق على النتائج مهما كانت لان المنافسة الحقيقية محصورة بين الفصيلين الكبيرين ..
وفي كل الأحوال فإني أرى أن مصلحة حماس لا تتناقض مع الموافقة على إجراء الانتخابات في الوقت الذي يحدده السيد الرئيس عند جهوزيته لذلك .
العلاقات الداخلية مع الكل الفلسطيني
هذا الملف يجب أن يأخذ حقه في النقاش الداخلي ومدى الاستعداد للاقتراب أكثر من كل القوى والتجمعات الفلسطينية ولعل حركة حماس تمتلك من الأدوات والشخصيات القادرة على تحقيق ذلك ولكن من خلال الانفتاح الكامل على مركبات المجتمع وتحقيق المصالحة المجتمعية دون انتظار موافقة أحد ويجب ان تكون من طرف واحد وهذا ما يحتاجه المجتمع ولكن هذا الملف مرتبط بكل ما سبق حتى لا تبقى حماس في نظر الكثيرين مسئولة بشكل منفرد عن مشاكل المواطنين الحياتية ، والكل متربص لتعداد السلبيات وتضخيمها دون الاستماع لأي مبرر وهذا من طبيعة الشعوب عند المساءلة .
العلاقات الإقليمية والدولية
لقد أصبح لحركة حماس علاقات متنامية مع غالبية دول العالم منها المباشرة والغير مباشرة والمعلنة والغير معلنة حسب ما تقتضيه المرحلة وهذه العلاقات لابد من تقييمها كل فترة والاهم هو الحرص على التوازن في هذه العلاقات لأن الحركة موجودة وتتحرك على أرض غير مستقرة .
لاشك أن كل المسائل السابقة شائكة وتحتاج الى شرح وتوضيح ولكن لابد من اتخاذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح واعتقد أن اليوم هو الوقت الصحيح لاتخاذ القرار وتنفيذه.
*رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
www. Imadfalouji.ps


