يحتار المواطن الفلسطيني، إزاء ما يفعله الساسة في بلادنا، الذين يمارسون ثبات السياسة في ظل عوامل متحركة.
إذا كان الشعب الفلسطيني وقضيته جزءا لا يتجزأ، وأصيلا من الأمة العربية، فهذه الأمة تعيش منذ بعض الوقت، حالة من الاضطراب الشديد، والتغييرات المستمرة.
يدرك الفلسطينيون جميعاً ويعترفون بأن ثمة تداعيات، وآثارا كبيرة وعميقة، لهذا الاضطراب على القضية الفلسطينية وشعبها، ولكن الساسة لا يتحركون في مواجهة هذه التداعيات والآثار سواء كانت سلبية أو ايحابية، بما يقلل من السلبية، ويعظم الإيجابية.
حالة انتظارية من الصعب فهمها، وتواصلاً مع منطق رد الفعل، والامتناع عن المبادرة والفعل الإيجابي الهادف.
هل يعتقد الساسة الفلسطينيون أننا لا نحتاج إلى ربيع خاص بنا نصيغه بأيدينا، قبل أن يفرض علينا بفعل تحرك الواقع والوقائع التي تدور من حولنا؟ ألا يعاني الكل الفلسطيني، قضية وشعباً، وفصائل وسلطات، من أزمات أم ان هناك من ينكر ذلك وكأنه يدفن رأسه في التراب؟ خيار المفاوضات مأزوم ويبدو أنه خيار تكتيكي اضطراري، بعد أن كان خياراً استراتيجياً، وخيار المقاومة مأزوم هو الآخر، لأسباب كثيرة، منها، أن العمل الوطني يعاني حالة من التشرذم، ومن فقدان الثقة، ومن مجافاة العوامل الخارجية.
الانقسام الفلسطيني يشكل عنواناً لبؤس السياسة الفلسطينية، والكل يتنصل من المسؤولية إزاء وقوعه وإزاء استمراره، والكل يعترف بأن إسرائيل هي صاحبة المصلحة الحقيقية في وقوعه وفي استمراره حتى الآن.
في الضفة الفلسطينية يعاني الناس من قهر الاحتلال، والاستيطان، والتهويد، وتبديد الهوية الوطنية، ويعاني الناس من الفقر والبطالة والتهميش، وضيق مساحة الحريات.
وفي قطاع غزة تشتد المعاناة، بسبب الحصار الذي يشتد يوماً بعد الآخر، ويضيق الخناق على الناس، لأسباب تتصل بالأمن القومي المصري يجري إغلاق شبكة الأنفاق غير مأسوف عليها ومعبر رفح يعمل بالقطارة، حيث آلاف المحتاجين للسفر غير قادرين على المغادرة، فيما البدائل معدومة. إسرائيل تواصل إغلاق المعابر وتواصل منع الحركة إلاّ لصاحب الحظ أو الواسطة أو أصحاب المقامات العليا ومن والاهم.
أما أزمة الكهرباء وأزمات الوقود فحدث ولا حرج إلاّ من كميات قليلة تصطف عليها الطوابير وكأن المقصود فقط هو تذكير الناس بوجود هذه المواد.
الفقر والبطالة وضيق مساحات الحرية الشخصية والتهميش والأزمات الاجتماعية أصبحت مظاهر ثابتة في وضع قطاع غزة.
كيف لأي قائد سياسي وطني مخلص أن يتوقع من هذا الشعب المقهور أن يصمد على أرضه وأن ينهض بالكفاح من أجل تحريرها وتحقيق الاستقلال؟
الفصائل الكبيرة كل لها حساباتها التي لا تتطابق مع المصالح الوطنية العليا للشعب، أما الفصائل المتوسطة والصغيرة فهي فاقدة القدرة على الحساب، وتستمرئ الركون إلى القدر.
لماذا توقفت عجلة المصالحة الفلسطينية حتى لم يعد ثمة من يهتم في إعادة تحريكها أو تحريك الحوار الوطني؟ هل تنتظر حركة فتح أن تعلن حماس انهيار تجربتها وأن تذهب طائعة تستجدي الحوار والمصالحة بعد التغيير الجذري الذي شهدته وتشهده الساحة المصرية بما لها من تأثيرات واسعة وعميقة على المنطقة بأسرها؟
أي عقل وطني هذا الذي ينتظر انهيار جزء أساسي من الشعب الفلسطيني ومن حركته الوطنية، بغض النظر عن حجم الأخطاء التي ارتكبها؟ وهل ثمة في حماس من لا يزال يعتقد، بأن حركة التاريخ قد تعود إلى الوراء، فتحمل مرة أخرى، الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي، إلى فردوسه المفقود؟ نحن أيها السادة، بحاجة إلى ربيع نصنعه لشعبنا، بعيدا عن روح الانتقام والثأر، بعيدا عن إراقة الدماء، بعيدا عن استخدام العنف، بعيدا عن التشفي، وبعيدا عن الإكراه والقمع، وإرادة الناس.
الوطنيون الفلسطينيون الحقيقيون لا يقبلون إقصاء أي طرف، ولا يقبلون تهميش أي جزء فاعل مطلوب أن يتحول فعله نحو مواصلة الكفاح ضد المحتل الإسرائيلي. لقد سبق لأحد قياديي حركة حماس، الدكتور يحيى موسى، أن طرح قبل التغيير الأخير في مصر، فكرة تخلي الحركة عن السلطة وتسليمها لإدارة وطنية، وأخيراً طرح الرجل الثاني فيها إسماعيل هنية فكرة الشراكة في إدارة أوضاع القطاع.
بغض النظر عما إذا كان ما يطرح، يرتقي إلى مستوى المبادرة أم لا، وما إذا كانت هذه الأفكار جدية أم مجرد بالونات اختبار، فإن مثل هذه الأفكار ينبغي فحصها، والاقتراب منها عبر الحوار، الذي لا يلزم أصحابه بالقبول أو الرفض.
لماذا لا يطلق الآخرون مبادرات جادة، نحو إطلاق الحوار الوطني من جديد، بدلاً من أن ينتظر طرف الطرف الآخر حتى يأتي صاغراً ولن يأتي بهذه الطريقة.
ربما تكون حركة حماس قد صعدت إلى أعلى الشجرة بسبب حساباتها وارتباطاتها الأيديولوجية، فدخلت أو أدخلت عن حق أو عن غير حق في حالة من العداء مع مصر، أو هكذا يبدو فهل يفيدنا أن تستمر هذه الحالة وتتفاقم؟ إن خسرت حماس فهي لن تخسر وحدها، فالقضية والشعب، وفصائل العمل الوطني ستدفع الثمن.
لا يمكن أن يكون في مصلحة الشعب والقضية، أن يتكرر في بلادنا ما وقع ويقع في أي من بلاد العرب، لا التي تشهد ربيعاً ولا التي تشهد خريفاً.
لست هنا في موقع الدفاع عن أحد، ولا لطلب الغفران لأحد، ولكني أرى بأن الوقت يمتحن الوطنية الفلسطينية، ويختبر قياداتها ونخبها، وقواها الحية، الوقت والتجربة تحتاج من الكل أن يؤكد هويته الفلسطينية قبل أن يدعي عروبيته أو إسلاميته، فمن غير هذا فإن القفز عن الوطنية من شأنه أن يحرق أصحابه. المنطقة مقبلة على اضطراب كبير بسبب التدخل الأميركي المرتقب في سورية، الأمر الذي لن ينجو الفلسطينيون من تداعياته، حتى لو التزموا موقف الحياد، فإذا ما وقع ذلك فإن الخيارات ستكون صعبة جداً، الأمر الذي يرتب على الفلسطينيين، أن يعيدوا ترتيب صفوفهم، حتى لا يدفعوا أثماناً باهظة، في حال استمروا في المماطلة والتأخير.
إذا كان لنا من عتاب، فإننا ننتظر من الرئيس محمود عباس، خطوة حقيقية وسريعة باتجاه مد اليد، وإطلاق مبادرة لحوار وطني، يستهدف إنهاء الانقسام، وصيانة القضية الوطنية، وتقلد شرف المبادرة لصياغة الربيع الفلسطيني.


