يستحق الزعيم الامريكي الاسود مارتن لوثر كينغ تحية خاصة أكبر من وقفة الاكبار التي أداها الامريكيون في ذكرى صيحته الشهيرة "لدي حلم".
كلمات الزعيم الانساني عميقة بمعانيها ودلالاتها, جميلة بحروفها بكل لغة أطلقت وترجمت وخاصة اللغة العربية. حروفها ذات بريق خاص وتأثير, وقوة جذب غير طبيعية. للطالب, للعامل, للموظف, للتاجر, لسيدة البيت احساس بهذه الحروف قولا وفعلا. لانها تبعث في النفس الامل والاصرار .
لم يدع الزعيم كينغ الذي ينحدر من اصول أفريقية الى تشكيل جماعة أو حزب أو فصيل, ولم يرغم أحدا على تبني ما قال. وانما قاد مسيرة للمطالبة بتحقيق المساواة بين البيض والسود.
لم يتفضل على أحد بقيادته أو دعوته. الاستخبارات الداخلية الامريكية وصفت كينغ بالاكثر خطورة على مستقبل الامة .ربما كان خطرا , لانه لم يرض بالظلم في مجتمع رأه عنصريا. أصر على "أننا سنحلم بما يمكن وما يجب أن يكون".
كان كينغ مسيحيا مؤمنا بالله , لكنه لم يقل أنه قديس أو راهب يسعى للتمكين والثبات ومن ثم الحكم. لم يذهب الى حد القول أن دعوته مستجابة, وأن من يخالفه الرأي خائن ولم يكفر أحداً... تنطع الامريكي الاسود لحمل أمانة تنؤ عنها الجبال في زمن بلغت قسوة الابيض على الاسود حدا لا يحتمله رجل غير" بلال" مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم, فيما حملها غيره خدمة لبرامج حزبية وزعموا أو كادوا أنهم صفوة الصفوة.
لم يطلب المواطن الامريكي أكثر من المساواة مع مواطنيه البيض. كان يريد انقاذ أبناء جلدته السود من قهر البيض وبطشهم, تماما مثما حاولت شهرزاد انقاذ بنات جنسها من بطش الملك شهريار وقتلهن بعد اغتصابهن.
لم يخطر ببال القائد الانساني العظيم أن لصرخته التي أطلقها في أقصى غرب الكرة الارضية صدى ستملا الدنيا, وسيرددها الفقراء والمظلومون كلٌ بطريقته وعلى هواه.
وما خطر على بال كينغ أن بعض من سيحملون حلمه أو حلمهم أو من أطلق صرخته من أجلهم سينقلبوا على حلمهم. سيكونون أكثر عنصرية وأشد ظلما من البيض, وأن الابيض سيقتل أخاه الابيض, والاسود والسني والشيعي أيضا, ليس كراهية في لونه وإنما في موقفه السياسي أو الديني أو الاجتماعي.
ما ظن كينغ أن من سيقود بلاده يوما مجرما أسود ينشر الرعب والقتل والدمار خارج بلاده, وأن الذين تبنوا حلم كينغ لا يستطيعون وقف العدوان المحتمل على سوريا, ولا وقف القهر والاحتلال والعنصرية الإسرائيلية على شعب أعزل. ربما كان على السوريين والفلسطينيين أن يحملوا حلمهم على أكتافهم ويمضوا ...
أيها الأمريكي الأسود لماذا أفزعتنا وأيقظتنا من سباتنا .؟ دعنا ننام . . لاننا لم نمتلك بعد القدرة على التغيير, أو حتى الحلم بحرية.
*رئيس سابق لوكالة الأنباء الفلسطينية " وفا"


