خبر : الدور الدستورى الديموقراطي للجيش المصري ...بقلم: دكتور ناجى صادق شراب

الأحد 08 سبتمبر 2013 10:05 ص / بتوقيت القدس +2GMT



لعل من أبرز النتائج الإيجابية التي قد أحدثتها الثورة المصرية ، ودور الجيش المصرى أنها قد اسقطت كل النماذج التقليدية التي تفسر لنا العلاقة بين الجيش والسياسة او السلطة المدنية ، وهذا ما يفسر لنا الجدل العقيم الذي قد يثار حول دور الجيش المصرى في السياسة المصرية ، ودورة في دعم وحماية الديموقراطية على كل مساراتها ومراحلها في التاريخ المصرى . هذه الثورة اوجدت نماذج جديدة للعلاقة لا بد من البحث عنها وفيها حتى يمكن فهم طبيعة العلاقة وسيناريوهاتها المختلفه.فالدراسات التقليدية والتي تبنتها العديد من الدراسات ألأمريكية والأوربية وهى التي تقف وراء معارضة هذه الدور السياسى للجيش المصرى ، ووصفت ما قام به من دور في حماية دعم الثورة علي أنه إنقلاب عسكرى فقط لأن أى دور فيه جنرالات عسكريين يوصف بالإنقلاب بصرف النظر عن خصوصية الحالة التي أمامنا . هذه الدراسات تطالب بأن ينأى الجيش عن أى دور في السياسة ، وأن الحكم العسكرى إمتداد للحكم الفاشستسى سواء كان علمانيا أو دينيا . ولذك لا دور للجيش في السياسة . هذه هى القاعدة في كل الدراسات التقليدية والتي ما زالت قائمة ويؤخذ بها .

 إلا إن هذه الدراسات بدأت تتهاوى حججها وإفتراضاتها بعد الدور الدستورى والديموقراطى الذي قام به الجيش المصرى كمؤسسة وطنية . ولقد ظهرت دراسات حديثة تفند الدراسات التقليدية وترفض حججها ، وتنادى بدور للجيش في السياسة ، وفى حماية ودم عمليات التحول والملمارسة الديموقراطية ، وتطالب ايضا بدور اكبر للجيش في التدخل في حال إنحراف أنظمة الحكم المدنية عن الممارسة الديموقراطية ، وتحويل الحكم إلى صورة جديدة من الفاشستية تحت ذريعة الإنتخابات ، او ما يمكن تسميته بشرعية الصندوق، ولا شىء أسمه شرعية الصندوق ، لأن ألأساس هو الشرعية الديموقراطية . وأن الجيش الوطنى والمؤمن بالديموقراطية يمكن إن يلعب دورا مهما ومحوريا في حماية الممارسة الديموقراطية ، وإكتمال عملية التحول الديموقراطى ، وهى المرحلة الأساس في بناء نظام حكم ديموقراطى مستقر. ويلعب دور الحارس الأمين للديموقراطية . وفى هذا المعنى يكتسب الجيش دورا ووظيفة جديده في حماية الشرعية الديموقراطية من أى إنحراف. وهذا الدور يتطلب وجود قيادة وطنية موحدة ، وقيادة عسكرية مؤمنة بالممارسة الديموقراطية والحكم المدني ، والإلتزام بقواعد ومبادئ الممارسة الديموقراطية ، والتبعية للحكم المدني . هذه الشروط تنطبق على الجيش المصري ، فهو المؤسسة الوطنية الوحيدة القادرة على حماية شرعية الثورة ، ولقد أثبت الجيش المصرى أنه المؤسسة الوطنية الوحيدة التي قد إنحازت دائما ناحية الشعب المصرى ، فإلى جانب دوره في حماية ألأمن القومى ، والتصدى لكل التهديدات الخارجية ، كان له دورا دقيقا ومحسوبا في دعم الشرعية السياسية ، وقد إلتزم عبر كل مراحله بالحكم المدني والتبعية له، ونجح في أن يتحول إلى أكبر وأقوى الجيوش العربية ، ولذلك بات هذا الدور مستهدفا ، لأنه من خلال ضرب هذا الدور يمكن تمرير كل المشاريع الخارجية ، والذى حافظ على دور الدولة المصرية العميقة هو الجيش المصرى ، وألأمثلة كثيرة على هذا الدور الدستورى والديموقراطى تاريخيا ، لكن الدور ألأكثر جدلا هو الدور الذي قد لعبه الجيش في حماية أهداف ثورة يناير وثورة يونيو ، وأن الدور الذي قام به أخيرا يأتى في سياق حفظ الديموقراطية والممارسة الديموقراطية ، ولو تم تقييم دور الجيش المصرى من هذا المنظور ما دخلنا في قضية الجدل العقيم إنقلاب أم ثورة . ولذا معيار الحكم علي دور الجيش هو بمدى الإلتزام بالديموقراطية وقواعد ممارستها .ففى ثورة يناير قام المجلس العسكرى بتنظيم أول إنتخابات برلمانية ، وبإنجاز الإستفتاء الدستورى ، وبإلزام الحكم السابق على الإلتزام وإحترام إرادة الشعب المصرى في تغيير الحكم ، وإحترامه للسلطة المدنية الجديدة ، حتى عندما تمت إقالته إلتزم كبار قياديه بالقرار السياسى على الرغم من الشك في توقيت إتخاذه ، وفى الحالة الثانية وبعد تعيين الفريق السيسى وزيرا للدفاع إلتزم المجلس العسكرى معه بكل قرارات السلطة السياسية المدنية ، وكان مظاهر التبعية لها واضحة في كل القرارات التي صدرت . 

ولكن الجيش المصرى وبحكم خلفيته السياسية والوطنية والتي لم تقرأ جيدا ، فهذا الجيش له خصوصية تعكس الحالة المصرية ، صحيح انه ينأى بنفسه عن السياسة ومفاسدها ، لكنه كان يلعب دائما دور الحارس ألأمين للنظام السياسى المدني ، ويحترم إرادة الشعب المصرى ، ولعل احد ألأسباب لذلك إلى جانب اسباب كثيرة الخلفية والتركيبة الإجتماعية للجيش المصري . والجيش بهذا المعنى ليس بعيدا عن السياسة ، ولذلك عندما نحرف النظام السياسى المدني عن الممارسة الديموقراطية كان دور الجيش أولا في تقديم النصح السياسى ، وفى المرحلة التالية وهى مرحلة الإنحياز للشعب عندما قامت بتأكيد ثورته والمطالبة بحكم ديموقراطى ، كان خيار الجيش والفريق السيسى الوقوف بجانب الشعب وإرادته ، وهذا هو الدور التاريخى له ، وثم جاءت مرحلة التاكيد على الحكم الديموقراطى من خلال صدور خارطة الطريق، والإلتزام بها وهى في مجملها تعيد التأسيس لحكم ديموقراطى يفترض انه هدفا لجميع القوى السياسية بما فيها ألأخوان . وهنا الخطأ الذي قد وقع فيه ألأخوان وهو انهم لو إلتزموا وطالبوا بالتقيد بهذه الخارطة وتنفيذها ما إنتهت ألأمور إلى ما آلت إليه من خسارة لهم ، ومن حالة عنف وتهديد لأمن الدولة والمواطن سيكون الخاسر الوحيد منها الأخوان أولا ، وثانيا الديموقراطية . وفى هذا السياق يمكن فهم الدور العسكري الديموقراطى للفريق السياسى والجيش المصرى ، فلقد أعلن عدم رغبته في الترشح للرئاسة وتم تشكيل حكومة مدنية برئاسة الدكتور الببلاوى وهو خبير إقتصادى وليس عسكريا وتم تشكيل حكومة خلفيتها مدنية ، وتم تشكيل لجنة لوضع دستور مدنى يعرض على الشعب في إستفتاء عام ، والتعهد بإجراء الإنتخابات البرلمانية والرئاسية ، وإحترام قواعد الممارسة الديموقراطية ، هذه هى المعايير التي ينبغى أن يتم من خلالها الحكم على الدور السياسيى والدستورى للجيش المصرى ، وليس المعايير السياسية . والعكس فإن تجديد الشرعية الديموقراطية فيه ترسيخ للحكم الديموقراطى ، هذا ما ينبغى إستيعابه وتفهمه . والسؤال ماذا نريد ديموقراطية حكم أم حكم بديموقراطية ؟

 اكاديمى وكاتب عربى