خبر : قبل أن يتحول "الخانق" الى "قاتل" ...د. عبدالله السعافين

الأحد 08 سبتمبر 2013 01:02 ص / بتوقيت القدس +2GMT
قبل أن يتحول "الخانق" الى "قاتل" ...د. عبدالله السعافين



ضرب الحصار الخانق قطاع غزة من جديد. بعد حوالي عامين من الانفراج النسبي الذي عاشه الغزيون نتيجة فتح معبر رفح للسفر، ودخول البضائع واغراقها للأسواق بفضل الأنفاق التي حفرت للتجارة تحت خط الحدود مع مصر، وبفضل قوافل فك الحصار وبالطبع شبه الانتظام في حركة البضائع عبر معبر كرم ابو سالم مع دولة الاحتلال.

المتغيرات السياسية التي عمت العالم العربي، حملت معها بارقة أمل في أن يرفع الحصار كلياً عن قطاع غزة. أكثر المتفائلين بذلك كانوا قادة حركة حماس، وعلى رأسهم خالد مشعل الذي أسرف في الحديث عن (الربيع العربي). ولا يغيب عن بالنا تصريح اسماعيل هنية الشهير: اننا نعيش الربع ساعة الأخير من الحصار!

لكن شهر العسل هذا لم يدم طويلاً، فاستمرار التفاعلات السياسية في المنطقة، بدءاً من حرب حجارة السجيل أو (عامود السحاب) على غزة، ودخول محور السعودية بقوة وعلى المكشوف في الثورة المضادة لانتفاضات الشعوب العربية، التي رأيناها في تونس ومصر على سبيل المثال، واستمرار سياسة الاحتلال في فصل الضفة عن غزة، وتراجع وعود الدعم والاستثمار القطري، ورعونة المواقف تجاه ما يحدث في سوريا وتحديداً ابداء الخصومة لطهران، الداعم الأهم لغزة، والانقلاب العسكري في مصر، الذي قطع شريان الأنفاق، وأغلق معبر رفح، ولا يفتأ يهدد غزة ويتآمر ضد حكامها، أدت كلها الى عودة الحصار بصورة مرشحة للاستفحال أكثر مما شهدته الفترة التي تلت انتخابات 2005 التي فازت بها حماس.

ازاء هذا الوضع، تتجه أنظار الغزيين الى حكومتهم، التي تقف شبه مشلولة أمام هذه المستجدات، وهي مستجدات لم تكن قراءة ارهاصاتها بحاجة الى ذكاء كثير. ولم نسمع حتى الآن شيئاً من حكومة غزة او من حركة حماس سوى تصريح يتيم للسيد اسماعيل هنية على هامش خطبة الجمعة الماضية قال فيه ان حركته لا تتدخل في شئون احد وان بوصلة حركته تشير دوما الى القدس وفلسطين. في حين انبرى قبله نائبه زياد الظاظا، رجل كل المراحل، الى القول بلغة الواثق، انه يبحث عن بدائل للحصار، وأن الوضع الاقتصادي لقطاع غزة ليس سيئاً، وأنه مستعد حتى لتمويل حكومة السلطة في الضفة! بينما لاذ السيد خالد مشعل بصمت مطبق، حتى أن أعضاء الحركة وأنصارها يتساءلون عن مكان وجوده وما اذا كان مازال قادراً على لعب أي دور. وتطابق موقف قادة الحركة مع غياب أي موقف لقادة الاخوان المسلمين في العالم من المؤامرة الكبرى التي تديرها وتمولها السعودية، رغم لعب بندر بن سلطان أوراق الدور السعودي علناً وفوق الطاولة هذه المرة!

ما يقرب من مليوني نسمة في قطاع غزة يكتوون ليل نهار بانقطاع التيار الكهربائي، وانقطاع الوقود بأنواعه، وفقد عشرات الآلاف لأعمالهم بسبب توقف حركة البناء، وحركة النقل، والتجارة، والعمل في الأنفاق. أضف الى ذلك شلل حركة السفر من والى القطاع، بسبب اغلاق معبر رفح. كل هذه الألوان من المعاناة جربها وخبرها أهل قطاع غزة، ولكنهم صمدوا وصبروا وحاولوا التكيف معها. ولعل هذا ما يغري حكومة غزة والاخوة في حركة حماس بعدم الاكتراث حتى بتغيير طريقة تعاملهم مع الأزمة. لكن المتغير الجديد في هذا السياق هو أن قوى اقليمية ومحلية متعددة وذات امكانات لا محدودة، تسعى الى أن يكون هذا الحصار مقدمة وأرضية وجزءا أصيلاً من مخطط متكامل لاغراق غزة بالدم من جديد بدعوى تحريرها من سيطرة حماس واقامة نظام متحالف مع نظام الانقلاب في مصر، يقصي حماس عن معبر رفح، ويمكن سلطة فتح من الادعاء بتمثيلها لكل الفلسطينيين، ويخلص اسرائيل من كابوس المقاومة وسلاحها.

ما كشفته قوى الأمن في غزة من مخطط لم تعلن الا عناوينه الكبرى، ينبغي أن يدفع حكومة غزة، والاخوة في حركة حماس الى التحرك على أكثر من صعيد. ان المتابعة الأمنية لحركة الطابور الخامس، ولتحركات قوى الجوار، لا يكفي وحده. ان المطلوب هو حفظ كرامة غزة وصون دماء أبنائها، والصمود بهم ومعهم في مواجهة عملية الابادة الجماعية التي يتعرضون لها. وهذا لا يتم بالمعالجة الأمنية وحدها، ولا بارسال الرسائل من قبيل تنظيم العروض العسكرية. وانما بجهد اعلامي واقتصادي وسياسي يتكامل مع الجهد الأمني. ليس مفهوماً مثلاً لماذا يوجد في حكومة غزة وحركة حماس عشرات الناطقين الرسميين لا ينطق أحدهم بشيء! وليس مفهوما لماذا لا تبادر حماس الى اعادة تركيب الحكومة في غزة لتضم قيادات

ومسؤولين قادرين على تحمل العبء والنهوض بالمسؤولية دون أن يمر ذلك عبر موافقة مسؤول التنظيم في المنطقة أو أطر الحركة، التي ثبت تخلفها وقصورها. ان ما سمعناه في هذا السياق لا يعدو كونه مناورة لم تثبت جديتها على أرض الواقع. ينبغي أن يدرك الاخوة في حماس قبل فوات الأوان أن قيادة التنظيم والحزب تختلف عن قيادة الشعب، لا سيما في أوقات الأزمات. ان وسائل الاعلام التي تديرها حماس تعاني من ضعف مهني كبير، وهي غير قادرة ولا مؤهلة لمجابهة التحدي القائم الذي يفوق في خطورته شن الاحتلال لعدوان عسكري جديد.

ان الحديث عن الأمور العامة داخل الأسر والحلقات التنظيمية وحده لا يكفي. اللهم الا اذا اقرت الحركة أن المستهدف هو التنظيم ومكاسبه وليس الوطن ومصالحه.

ان أساليب أكثر انفتاحاَ وأعمق ثورية، وأكثر علمية، وأمضى عزيمة يجب أن تستبدل بالأساليب البالية، المتكلسة، المهترئة، التي تطبق حتى الآن لمعالجة الظروف الشاذة وغير العادية التي يمر بها القطاع.

واذا كان قادة الحكومة والحركة يبحثون في شرع الله عن أساليب بعينها، فقد تعلمنا على أيدي قادتها ومفكريها الكبار في العالم أنه أينما وجدت مصلحة الناس، فثم شرع الله. وان مبالغة خصوم الحركة في الحديث عن تقديمها لارتباطها التنظيمي بقوى اسلامية على حساب الهم الفلسطيني، يجب أن يصغى اليه باهتمام وبتجرد تام، ابتغاء وجه الله، وحرصاً على الشعب والقضية.

ان بنية حماس التنظيمية لا تستطيع وحدها حمل عبء المسؤولية في المرحلة الحالية او القادمة. ولن يمر وقت طويل قبل خروج الناس الى الشارع ثائرين على من يحاصرهم ومنددين بحصارهم. وعدم مبادرة الحركة والحكومة التي تديرها الى مجرد الاحتجاج على الحصار، وعزوفها عن اشراك أكبر قطاع ممكن من الشعب في التصدي للمشكلة، يرسم علامة سؤال كبيرة عن الوجهة التي تسير فيها الحركة، وعما اذا كانت هي ذاتها الوجهة التي تسير فيها الجماهير.