خبر : فقه الحياة والموت ....عمرو خفاج

السبت 07 سبتمبر 2013 10:14 ص / بتوقيت القدس +2GMT



جاءت حادثة محاولة اغتيال السيد وزير الداخلية لتؤكد من جديد أن هناك من يملك من الأفكار والإرادة والرغبة فى عدم الاعتناء بإسالة الدماء، وإهدارها بحثا عن وجود فى لحظات الغياب والطرد أو فى لحظات الإقصاء كما يحب أن يسميها آخرون، والأكيد أن هذه الأفكار لم تهبط فجأة، ولم تنشأ فى أيام، بل هناك مخزون هائل منها لدى كثيرين، يستحضرونه وقت إحساسهم بالهزيمة أو فى أوقات الخطر الكبرى، والأكيد أيضا أنه لا يوجد صاحب حق فى إهدار دم أى إنسان، حتى لو كان صاحب قصاص، ولا يعنى أبدا تقاعس أو تخاذل أو كسل الدولة عن عقاب من أسال دماء أن يمنح هذا الحق لأى إنسان، أن يقتص لنفسه بنفسه، ومن هنا تتبلور فكرة الإرهاب، وما يعنينا أكثر فى محاولة الاغتيال الأخيرة، أنها تكشف بجلاء عن فلسفة استخدام الدم فى الصراع السياسى وتحديدا فى الصراع على السلطة، والتى تدحرجت عبر العام الماضى من عبارات (ودونها الرقاب) إلى (الشرعية والدم) وانتهت مؤخرا بشعار (مكملين حتى آخر قطرة دماء) مثلما جاء فى المؤتمر الأخير لتحالف دعم الشرعية، ومن قبلها (مشروع شهيد) أو (حمل الأطفال لأكفانهم) جميعها تذهب إلى الموت لا إلى الحياة، وهذا هو الفقه الخطر على أصحابه ومردديه ومروجيه، والذى ينسحب أيضا على المجتمع، باعتبار أن هؤلاء جزء منه، ويشكلون نسبة لا بأس بها من شبابه.

فقه الموت تجلى فى العام الماضى، خاصة فى الأمتار الأخيرة من حكم الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسى، وتميز بصياغته دوما بالدماء والقتل، وهذا لا يعنى أن النظام الأسبق، نظام مبارك، أنه خلا من فقه الموت، بل كان حاضرا أيضا ولكنه كان ممزوجا بفقه الحياة، ولا يوجد مثال أفضل من المثال الذى قدمه باحث علم الاجتماع السياسى النابه على الرجال عن نموذج «وادى القمر» بالإسكندرية، ففى ذات اللحظة التى يموت فيها أهالى المنطقة من مصنع الموت الذى يقيم بينهم، فإن ذات المصنع يمنحهم الحياة عبر العمل به أو التربح من أنشطة خدمية له تدر بعض الأموال على قاطنى المنطقة، وربما تكون الحياة قد سبقت الموت، إلا ان الأخير نجح فى الإعلان عن نفسه، ويقول الباحث إن هذه كان سمة نظام مبارك بشكل عام لديه بعض المبررات لفقه الحياة، ومن داخل هذا الفقه يتعملق فقه الموت، وأشار إلى أن بعض ذلك موروث من الأنظمة التى سبقته، وجاء هو ليعمقها ويمنحها الكثير من الشرعية، بل وعمق المجتمع نفسه بهذه الثنائية المدهشة المدمجة.. الحياة والموت.

لذا أعتقد أنه من المفترض ان تكون المعركة الكبرى لمجتمعنا فى هذه اللحظات الحرجة من تاريخنا، وبعد موجات ثورية متعددة، معركة إزاحة سياسات الموت وفقه الدماء، من طريق هذا البلد، والعمل بجدية على كافة المستويات من أجل إعلاء قيمة وأهمية فقه الحياة والعيش الطيب لأهل هذا البلد، الذين باتوا ممزقين بائسين يائسين، مما يعيشونه منذ سنوات طويلة، وهم الذين اعتقدوا أنه عندما جاءتهم الثورة أن الظلام تبدد وأن الحياة أشرقت عليهم من جديد، وهذا هو الذى لم يجدوه حتى الآن، وعلى الساسة من جميع التيارات، وعلى من فى سدة الحكم ان يعملوا على ذلك صراحة وأن يعلنوا لهؤلاء المساكين أن سياسات الحياة من دون موت قادمة، وأن الدماء غالية لن يسمح بإراقتها بهذه السهولة وكنا جميعا شهداء على تلك الدماء وتلك السهولة.