خبر : ازمـة الجـامعـات، الـمشكـلـة في السلطة والمجتمع المتفرّج ...بقلم: عبد الناصر النجار

السبت 07 سبتمبر 2013 09:11 ص / بتوقيت القدس +2GMT



زميلي حسن البطل يكتب للمرة الثانية عن جامعة بيرزيت معتمداً على ما يقرأ في وسائل الإعلام... دون أن تتكشف له الصورة بتجلياتها وأبعادها المختلفة، وربما لو قام بزيارة حرم الجامعة المغلق أو إدارة الجامعة المضطرة للإقامة في مكاتب برام الله، واستمع إلى وجهات النظر المتعددة لاختلفت رؤيته.

أخطر ما في هذه الأزمة الجديدة هو محاولة تسييسها، علاوةً على إضفاء حالة من العدائية بين الحركة الطلابية وإدارة الجامعات، وهذا لن يؤدي إلاّ إلى تفاقم المشكلة ولن يسهّل إيجاد حلول مقبولة ومعقولة.
قبل أن أبدأ الحديث عن خطورة النهجين السابقين، لا بد من كلمة شجاعة، وهي تحميل السلطة الوطنية ومكوّناتها والمجتمع المحلي بأطيافه المسؤولية كاملة عن وضع التعليم العالي، وما آلت إليه الأوضاع في الجامعات الفلسطينية كلها.
على صعيد المجتمع، فمن الواجب أن يتحمل كل أفراده، جزءاً أساسياً من كلفة التعليم العالي، لأن الذين يتلقون التعليم هم الأبناء والأشقاء وليس القادمون من بلاد الواق واق... .
محزن ومخجل منظر جامعة بيرزيت المغلقة، وأن ترى عشرات آلاف المواطنين يمرون يومياً من أمامها دون أن يكلفوا أنفسهم عناء السؤال أو حتى إثارة حالة من الجدل العام للبحث عن حل دائم لهذه الأزمة.
آلاف من الذين يمرون من أمام أبواب الجامعة المغلقة، هم من القيادات والموظفين العموميين، ومن القطاعين الخاص والأهلي... نسبة عالية منهم من خريجي بيرزيت وبعضهم من الجامعات الأخرى. كثير منهم تلقوا قروضاً تعهدوا بسدادها.. وبعد تخرجهم أداروا ظهورهم، ولم يعد الأمر يعنيهم.. فانهار صندوق الإقراض الذي ضخّت فيه ملايين الدولارات...!
أولياء الأمور لم يسمع أحد صوتاً لهم.. وكأن إغلاق الجامعات أصبح أمراً عادياً.. ولا فرق في أن يتغيب الطلبة يوماً أو يومين.. أسبوعاً أو أسبوعين أو ربما شهراً، ففي النهاية الشهادة مضمونة! هذا التوجه والاعتقاد المرعب هو الذي تسبب بتدمير التعليم في المدارس على مدى سنوات الانتفاضة الأولى والثانية وما بينهما، والإضرابات المتواصلة للمعلمين... بحيث أصبح التعليم في المدارس في دائرة الخطر، وهذا ما انعكس على أداء الجامعات، التي أصبحت امتداداً لهذه المدارس. ورغم ذلك يظل المجتمع صامتاً، حتى الأب أو الأم لا يكلفان نفسيهما سؤال أبنائهما: لماذا أنتم متغيبون؟.. وجل ما في الأمر أن الطالب أو ولي أمره يستمع إلى الأخبار ليعلم أن الاضراب في الجامعة أو المدرسة مستمر أم لا من أجل فقط أن يواصل الابن نومه أو يستيقظ في ذلك اليوم مبكراً.
اعضاء المجلس التشريعي والسياسيون والقادة وزعماء الفصائل والعشائر وهم عندنا كثر يستيقظون فقط عندما تتفاقم الأزمة، وللاسف حتى اليوم لم يتحركوا ولم يتمكنوا حتى الآن من وضع الحلول الجذرية للأزمة.. وعلى سبيل المثال: لماذا لا يطالب بسن قانون التعليم العالي لفرض ضريبة ولو بنسبة 1%، على أقل الحدود، على رواتب الموظفين والعاملين في كل القطاعات الحكومية والأهلية والخاصة؟.. هذه النسبة قادرة على إيجاد حل معقول، وتكفينا الإضرابات مع بداية كل فصل دراسي. وهي لا تكلف أكثر من ثمن علبة سجائر شهرياً!
السلطة الوطنية بما فيها الحكومة لا تعطي قطاع التعليم وبشكل خاص التعليم العالي حقه، فمن 40 مليون دولار تم إقرارها سنوياً لدعم الجامعات تقلص المبلغ بقدرة قادر إلى أقل من 10% تصرف بالقطّارة.
الحكومة ليست بالمناصب والوزراء والمسميات ولكن بقدرتها على توفير الاحتياجات الأساسية للناس ومن بينها التعليم العالي.
اليوم نحن في أزمة حقيقية يا حكومة؟! الجامعات مغلقة، لماذا، ومن يتحمل المسؤولية؟! الخلافات تحتدم بين الحركة الطلابية والإدارات، فماذا أنتم فاعلون، والاضرابات تتسع، فما هي خططكم؟! أسئلة مريرة دون إجابة !
الحركة الطلابية على حق، والإدارات على حق، لأن كلاً منهما يبحث عن مصالحه. ولكن هذه المصالح في النهاية يجب أن تتكامل ولا تتناقض، ولكن الذي نراه اليوم يوحي وكأن هناك تناقضاً حاداً بين الطرفين.. وصل إلى حد الحديث العدائي وهو أمر في غاية الخطورة.
ربما نستطيع بجهود مضنية أن نُرقّع المشكلة، ولكنها ستعود للظهور في كل فصل دراسي بسبب عدم حلها من جذورها.. في السنوات العشر الماضية عايشت المشكلة بأبعادها المختلفة، وكنت جزءاً من المفاوضات والاتصالات مع الحركة الطلابية وإدارة الجامعة.. وبعد أيام من الخلاف كان يتم ترقيع المشكلة لتعود الأزمة أكثر شدّة من سابقاتها.
للأسف الحركة الطلابية غير مقتنعة بوجود أزمات مالية في الجامعات، والإدارات تؤكد أنها غارقة في أزماتها المالية، وأنها على شفا الانهيار.. الجامعات تتحدث بلغة الأرقام، والطلبة يتحدثون بلغة "الثورة"... الوسطاء كثر ولكن في كثير من الأحيان في الكثرة قلة بركة.
الحل ممكن، لتشكل السلطة والمجتمع لجنة مختصة لدراسة الوضع والخروج بتوصيات ملزمة، وإذا كان لا بد للحكومة والمجتمع من تحمُّل جزء من النفقات والعجز المالي فليكن ذلك، للخروخ من النفق المظلم.
ملاحظة مريرة: المار بين الحرمين الجامعيين القديم والجديد في بيرزيت سيصاب بقشعريرة وكأن لسان الحال يقول: أين الثرى من الثريا؟ .. وساعد الله الدكتور حنا ناصر وهو يمر يومياً بين الحرمين ويتذكر عصرين لا أريد فعلاً المقارنة بينهما لأن المقارنة هنا كضرب الجسد بالرصاص...
أخيراً، سيادة الرئيس، ومعالي رئيس الحكومة، وأنت كنت رئيساً لجامعة النجاح، التعليم العالي في خطر، وقبل لحظات من الموت السريري، ليصدر قرار ملزم منكما بتحويل الجامعات المريضة للعلاج السريع على نفقتكما العامة وهذا مطلب جماهيري الآن!
مناشدة للجميع: احذروا من تسييس المشكلة؛ لأن في ذلك إطلاقاً لرصاصة الرحمة على المريض.. بل انتحار ذاتي!.

abnajjarbzu@gmail.com