عودة الرئيس أوباما للكونغرس الاميركي للحصول على تفويض بشأن عمل عسكري ضد سورية يستهدف في الأساس مسألتين: توريط الحزب الجمهوري معه في هذه المغامرة، وتعبئة الرأي العام الأميركي للوقوف الى جانب الحرب. هي إذاً ليست خطوة بإتجاه النزول عن الشجرة التي صعد عليها أوباما عندما قال بأن إستخدام السلاح الكيميائي هو تغيير لقواعد اللعبة في سورية، ولكنها خطوة في طريق الذهاب الى حرب قد لا تكون محدودة كما تريدها الولايات المتحدة.
ولأنها كذلك، أي حرب قد تتسع بفعل دخول حلفاء سورية على خطها، أو بفعل سعي سورية نفسها لتوسيع دائرة الحرب، فإن أوباما يجد نفسه مضطراً لتوريط الجمهوريين معه في هذه المغامرة، حتى لا يتحمل نتائجها الحزب الديمقراطي لوحده. هي الحرب بلا شك، والخوف من إتساعها يفرض عليه تعبئة وتهيئة الرأي العام الأميركي لها. دعونا فقط نذكر بأن قصف ليبيا من قبل القوات الاميركية، وهي ضربة محدودة مثل التي يَعدْ بها أوباما سورية، لم يتطلب من الناحية الإجرائية الصرفة العودة للكونغرس.
المشهد في سورية مختلف والسبب لا يعود لقوة سورية، فهي دولة ضعيفة جداً بعد سنتين ونصف السنة من الحرب التي تخاض على أرضها وضدها بالوكالة من قبل جماعات تكفيرية مدعومة من دول النفط وتركيا، ولكنه الخوف من أصدقاء سورية، حزب الله وإيران، اللذين قد يعملان على توسيع رقعة الحرب لتشمل في الأساس إسرائيل، وربما إذا تطورت الحرب أكثر، توسعتها لتشمل القوات الاميركية في الخليج وخطوط إمداد النفط وبعض الدول الداعمة للمعارضة بما فيها تركيا.
سورية ليست وحدها ولو كانت كذلك لسقطت بعد عدة شهور على ظهور المعارضة المسلحة للنظام. حزب الله وإيران لا يدافعان عن النظام السوري ولكن عن وجودهما. هما يعلمان أن الهدف النهائي للحرب على سورية هو عزل حزب الله عن حلفائه ومن ثم تصفيته، وبعدها الإنتقال لإيران للقضاء على مصادر قوتها. هذه المعادلة مفهومة منذ ان ألقت بثقلها بعض الدول الخليجية لتحويل الإنتفاضة السلمية لجزء من الشعب السوري الى عمل مسلح قائم على "تطيف" سورية وضرب جيشها. وقد تطلب الامر ليس فقط صرف المليارات من الدولارات لشق الجيش السوري وشراء المعارضة السياسية للنظام، ولكن الإستعانة بجماعات تكفيرية من عشرات البلدان في العالم.
اليوم ما يطلق عليه تسمية "المعارضة السورية المسلحة" ليس أكثر من جماعات شديدة التطرف بعضها أكثر تطرفاً من "بن لادن" نفسه، وجرائمها أكثر بشاعة من جرائم النظام وهي جرائم ينقلها المرصد السوري لحقوق الإنسان وهو جهة شديدة المعارضة للنظام. وعنه يمكن النقل أيضاً، بأن أكثر من ثلث الضحايا حتى الآن في سورية هم من أفراد الجيش السوري الموالي للنظام، وأن الضحايا المدنيين يسقطون في الأراضي التي تسيطر عليها قوات النظام بفعل قصف المعارضة لها، ويسقطون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بفعل قصف النظام.
بعد أكثر من سنتين على بدء الصراع المسلح، لم يعد ممكناً كما يبدو إسقاط النظام السوري عبر التسليح وشراء المعارضة، لذلك يجري إستغلال عمل إجرامي (قتل المئات بسلاح كيميائي) غير معروف الى الآن الجهة المسئولة عنه، النظام أم المعارضة، لإستدعاء تدخل أميركي مباشر هدفه المعلن تأديب النظام السوري حتى لا يكرر فِعلته مرة أخرى بإستخدام الكيميائي، أما الهدف الحقيقي له فهو تدمير مصادر قوة الجيش السوري: خطوط إتصاله، مستودعات أسلحتة، مطاراته وطائراته، وراداراته، وقوى دفاعه الجوي. سيرافق ذلك بالتأكيد هجوم بري من قبل الجماعات المسلحة للجيش الحر والجماعات التكفيرية بهدف إقتحام دمشق وإسقاط النظام.
هي الحرب لإسقاط النظام إذاً وليس لتأديبة كما يتم الإدعاء. نجاح الحرب أو فشلها لا يعتمد على الجيش السوري الذي لن يتمكن من الرد على ضربات مزلزلة تأتية من مسافات بعيدة ليس بإمكانه الوصول إليها، ولكن على موقف النظام السياسي من توسعة رقعة الصراع وعلى موقف حلفائه، حزب الله وإيران من هذه المسألة تحديداً.
إسرائيل ليست بريئة في كل ما يجري. هي معنية بإسقاط النظام السوري بسبب علاقته بحزب الله وإيران، أو على الأقل معنية بتدمير قوته المسلحة وإنكفائه على نفسه. إسرائيل قامت بقصف سورية عدة مرات خلال الصراع الحالي.. معركة إسرائيل مع حزب الله هي مسألة وقت.. وإسرائيل هي المحرض على الحرب على إيران. لذلك هنالك مبرر لإستهداف إسرائيل من قبل النظام السوري وحلفائه.
في حسابات الربح والخسارة.. إقحام إسرائيل في هذه الحرب له أربعة فوائد يدركها النظام السوري. الأولى ،هي توحيد الشعوب العربية خلف فكرة المقاومة وعزل الجماعات التكفيرية والمعارضة السورية شعبياً. الثانية، هي رفع كلفة الحرب على سورية. إذا كان البعض يعتقد بأن الحرب في حالة التفوق التكنولوجي هي نزهة، فإن توسعة نطاقها، ستدفعه للقبول بترتيبات على الأرض قد يكون من نتائجها وقف الدعم للمعارضة السورية المسلحة خصوصاً إذا حدث صمود فعلي في الحرب مثلما فعل حزب الله في العام 2006. الثالثة، أن أميركا ستعمل على تدمير السلاح السوري، وستصبح سورية بعدها مستباحة من قبل إسرائيل أكثر بكثير من أي وقت مضى. لذلك إن كانت هنالك نية في مواجهة إسرائيل فلا يوجد لدى النظام وقت آخر. الرابعة، أن دخول إسرائيل في هذه الحرب سيفرض على المعارضة المسلحة أن تختار: إما الوقوف بجانب إسرائيل وانكشافها على طريقة جماعة سعد حداد في الجنوب اللبناني، وإما الوقوف ضد إسرائيل والرد عليها. الخيار الاول سيعزلها شعبياً.. الخيار الثاني سيمهد الطريق لتسوية سياسية بينها وبين النظام.
في حسابات الخسارة، يُعتبر إقحام إسرائيل في الحرب الورقة الأخيرة بيد النظام السوري وحلفائه.. الصراع المفتوح مع إسرائيل معناه تغير إستراتيجي لكل قواعد الصراع.. ستكون بمثابة المغامرة الكبرى والأخيرة.. إسرائيل ستستخدم كامل قوتها التدميرية في الحرب وستدفع بجيشها لداخل الأراضي اللبنانية والسورية ولن يكون بإمكان النظام السوري وحلفائه غير الصمود والرد. حزب الله جاهز لذلك أو هذا ما يصرح به قادته منذ نهاية حرب تموز العام 2006.. لكن هل النظام في سورية مستعد أو مُهيأ لذلك؟
الحقيقة الوحيدة المؤكدة أن الضربات الإسرائيلية لسورية قد لا تضيف الكثير للضربات الأميركية المتوقعه لها، وهو ما يجعل من مسألة تَوسعة رقعة الصراع مسألة ممكنة، وممكنة جداً.


