ليس هناك من شك ان توجيه ضربة امريكية لسوريا اصبح امرا مؤكدا و ذلك على الرغم من قرار الرئيس الامريكي بالحصول على موافقة الكونغرس و التي لن تكون قبل التاسع من هذا الشهر.
ليس من المؤكد اذا كان هناك حقا استخدام للاسلحة الكيمياوية ام لا، و ليس من المؤكد ان كان هناك استخدام ان يكون النظام هو الذي استخدمها و ليس اطراف من المعارضة السورية. الشهادة الامريكية و الاسرائيلية التي تراقب ما يحدث من خلال اجهزة راداراتها المنصوبة على اعلى نقطة في جبل الشيخ هي شهادة مجروحه حيث تعيد للاذهان الاصرار الامريكي على وجود اسلحة غير تقليدية في العراق و التي كانت سببا مباشرا في احتلاله و تدمير جيشة و القضاء على نظام صدام حسين.
في كل الاحوال و بغض النظر عن الذريعة، على ما يبدو ان قرار الحرب على سوريا اصبح شبه مؤكد الا اذا كانت هناك اتصلات دولية على اعلى المستويات عنوانها الولايات المتحدة و روسيا و ايران اضافة للنظام السوري تنتهي بصفقة اساسها تجريد سوريا سلميا ليس فقط من الاسلحة الكيمياوية بل من ترسانة الصواريخ التقليدية التي تغطي كل نقطة في اسرائيل تقريبا و تمهد لعقد و انجاح مؤتمر جنيف الثاني . في عالم السياسة كل شيئ ممكن و لا يستطيع الانسان ان يدعي بأنه على علم بكل التفاصيل او حتى جزء منها ، خاصة عندما تكون هناك منظومة مصالح مترابطة او متناقضة كما هو الحال بين روسيا و امريكا .
اسرائيل منذ البداية و من باب حشر اوباما في الزاوية ربطت بين الكيماوي السوري و النووي الايراني و كأن اوباما يخضع لاختبار اسرائيلي في مدى جديته و قدرته لمنع ايران من امتلاك سلاح نووي، و ليس من المستغرب ان اعضاء الكونغرس الجمهوريين و المعروفين بتأييدهم لاسرائيل هم من اكثر المؤيدين لتوجيه ضربة لسوريا . احد ذرائعهم هي ان عدم توجيه ضربة يشكك في مصداقية امريكا في مواجه المشروع النووي الايراني ، و هذا تماما هو الموقف الاسرائيلي.
على اية حال و بغض النظر عن حجم و قوة العدوان المرتقب فأن المستفيد الاول و الاساسي هو اسرائيل. الحديث يدور عن توجيه ضربات مؤلمة للنظام تشمل تدمير الاسلحة الكيمياوية و القوة الجوية و اجهزة الرادر المتطورة و القوة الصاروخية، بأختصار تحييد الجيش السوري من اي معركة قادمة و ازالة اي خطر مستقبلي بمعزل عن النتائج التي ستتمخض عن الحرب الدائرة منذ اكثر من عامين و التي من مصلحة اسرائيل ان تستمر الى اطول فترة ممكنه طالما وقودها الدولة السورية بكل مكوناتها.
الموقف الامريكي المعلن هو توجيه ضربة مؤلمة للنظام دون ان تهدف الى النيل من بشار الاسد شخصيا او تؤدي الى اسقاط النظام و قلب موازين القوى هناك رأسا على عقب، و التقدير الامريكي و الاسرائيلي على حدا سواء ان الاسد لن يرد من خلال قصف اسرائيل و ان ايران و حزب و الله لن يتورطا في حرب مع امريكا و اسرائيل معا، و ان روسيا رغم بعض التلميحات لن تتورط في حرب عالمية من اجل االاسد.
على الرغم من ذلك، اسرائيل تتصرف وفقا لاسوء الاحتملات و تجهز نفسها لكل السيناريوهات، التي تعتقد انها ستكون على النحو التالي:
السيناريو الاول و المريح جدا بالنسبة لاسرائيل ان توجه امريكا ضربات مؤلمة تلحق اضرارا بالغة بما تملكة سوريا من اسلحة متطورة، خاصة الصواريخ المتوسطة و طويلة المدى و الاسلحة الكيمياوية و اجهزة الرادر، ضربة تعيد الجيش السوري نصف قرن الى الوراء. ليس مهم لديها اذا ما بقي الاسد او تهاوى نتيجة هذه الضربات ، المهم ان يتم تدمير القدرة العسكرية السورية.
التقدير الاسرائيلي ان سوريا لن ترد و ان ايران و حزب الله و روسا سيتصرفون بحكمة طالما لن تؤدي هذه الضربات الى اسقاط نظام الاسد. هذا التقدير ايضا ينطبق على التنظيمات المسلحة في قطاع غزة، خاصة الجهاد الاسلامي .
السيناريو الثاني ، و هو الاسوء بالنسبة لاسرائيل وهو ان يرد الاسد بقصف اسرائيل بما لدية من صواريخ بتنسيق مع ايران و حزب و الله و الجهاد الاسلامي في غزة و امطار اسرائيل بمئات الصواريخ من كل اتجاه. هذا السيناريو هو بمثابة كابوس سيستمر على الاقل من اسبوعين الى ثلاث اسابيع تعتقد اسرائيل ان لديها الامكانية للسيطرة على الموقف لكن ليس قبل ان تدفع الجبهة الداخلية ثمنا باهضا لم تدفع مثله من قبل.
السيناريو الثالث و هو الاضعف هو ان تسير الرياح بما لا تشتهية امريكا و اسرائيل و المجتمع الدولي حيث تتطور الامور الى مواجهة خطيرة بين روسيا و امريكا قد لا يعرف الطرفان كيف ستبداء و بالتأكيد لا يعرفون كيف ستنتهي.
في كل الاحوال، الساحة الفلسطينية ستكون الاقل تأثرا من بين كل ساحات الجوار الا اذا حدث السيناريو الثاني و هو تفاعل غزة مع هذه العدوان من خلال اطلاق الصواريخ سواء كان من باب المشاركة العاطفية او كنتيجة لقرار يتخذه هذا الفصيل او ذاك، حينها النتيجة في تقديري ستكون كارثية على غزة و اهلها.
الحكمة تقتضي و على الرغم من كل التعاطف مع سوريا، و على الرغم من كل القهر نتيجة العدوان على عاصمة عربية بحجم دمشق الا ان حمل غزة ثقيل و معاناة اهل غزة لا تحتملها الجبال. هناك من ينتظر الفرصة ان تتورط غزة في مواجهة لكي يتم الاستفراد بها. المسؤولية الوطنية تقتضي ان نتحكم في عواطفنا قدر المستطاع و مراعاة مصالح شعبنا بعيدا عن الحسابات الحزبية و التنظيمة.


