بعيدأ عن المشكلة التي يعانيها الرئيس الاميركي باراك أوباما والتي تظهر تردده في توجيه ضربة ضد سورية، بحجة أن النظام السوري استخدم السلاح الكيماوي ضد مواطنيه، ما تسبب في مقتل المئات من المواطنين الابرياء، واحالة الملف لمصادقة الكونغرس، تمثل الدعوات لتوجيه ضربة عسكرية لسورية رغبة في تدمير هذا البلد وتحويله الى عراق ثان او ليبيا في احسن الاحوال.والموضوع لا يتعلق بتبديل النظام بنظام آخر اكثر ديمقراطية، بل الذهاب بسورية نحو التقسيم والتدمير واستمرار الحرب الأهلية.
ليس واضحاً اذا ما كان الرئيس أوباما سيحظى بدعم الكونغرس أم لا في ظل المعارضة الشعبية الواسعة، فلقد سئم الأميركيون الحروب حتى أن اوباما نفسه الذي كان من اشد منتقدي تعامل بلاده مع الحروب السابقة في اطار ما يدعى "محاربة الارهاب" قال انه تعب من الحرب، مع أنه مصر على القيام بضربة عسكرية ولو محدودة لمعاقبة النظام السوري. والمعارضة القائمة في الكونغرس من شقين: شق متأثر بالرأي العام الذي يرفض الفكرة باغلبية كبيرة ، وقسم آخر يرى أن الضربة على الطريقة التي يريدها أوباما لن تكون مجدية ويطالب بخطوات أكثر عمقاً وجدية تصل إلى مستوى الحرب الشاملة للاطاحة بالنظام على غرار ما يريده زعيم المعارضة في الكونغرس جون ماكين الذي يؤيد منح الكونغرس تفويضاً للرئيس اوباما بالحرب ولكنه لا يريدها محدودة. والمعارضة التي تبرز بين الديمقراطيين والجمهوريين على السواء ايضاً بسبب مشروع القرار الذي قدمته ادارة اوباما للكونغرس للمصادقة عليه والذي يفتح الباب امام حرب واسعة قد تطال دولاً اخرى غير سورية.
أوباما يشعر أكثر ضعفاً بسبب فقدانه دعم حليفه الرئيس ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني الذي رفض مجلس العموم طلبه لمشاركة بريطانيا في الحرب، وبسبب عدم قدرته على الحصول على قرار من مجلس الأمن. وحتى الرئيس الفرنسي، الذي يعتبر حليفاً اضعف ويؤيد موقف أوباما، يواجه صعوبات جدية في الرأي العام الفرنسي، حيث يرفض الشعب الفرنسي بأغلبية تصل الى 64% ـ حسب صحيفة "لوبريزيان" ـ المشاركة الفرنسية في الحرب.
معارضة الحرب في سورية، عدا الاسباب المبدئية التي ترى أن هذه الحلول غير مجدية وتأتي انتقائية وحسب مصالح الولايات المتحدة والغرب عموماً، مرتبطة بالموقف من المعارضة السورية أكثر من الموقف تجاه النظام السوري. وهناك اسئلة كثيرة تدور في اذهان قيادات كثيرة في العالم من قبيل: ماذا سيحدث في سورية لو تم القضاء على نظام بشار الأسد؟ هل هناك مجال لاقامة نظام ديمقراطي في ظل وجود معارضة أصولية متطرفة منقسمة على نفسها وولاءاتها متوزعة على اطراف اقليمية ودولية عديدة غالبيتها لا تمت للشعب السوري ومطالبه المحقة بصلة.
إذاً الموضوع يتعلق بضربة قد تضعف النظام او تمهد لسقوطه او تطيل أمد الحرب الدائرة الآن في سورية ، وأي سيناريو لضربة قاصمة في سورية سيؤدي إلى سيادة حالة من الفوضى وحروب داخلية واسعة بين أطراف المعارضة نفسها، وهذه ستأخذ مصير سورية للمجهول ، والوضع الآن في سورية هو اسوأ من الوضع الذي كان سائداً في العراق قبل العدوان الدولي عليه بذرائع وحجج مفبركة. وماذا كانت النتيجة ؟ جرى تدمير العراق وتمزيقه وادخاله في حرب طائفية يعلم الله وحده ماذا ستكون نتيجتها وإلى أين تقود العراق. كما أن الحرب ضد نظام القذافي أدت إلى تدمير الدولة الليبية وتسليم البلاد للميليشيات والعصابات المسلحة التي تتقاسم السلطة فيما بينها ومع الحكومة والمجلس الوطني الليبي القائم دون أن تكون للدولة سيادة على مواردها وشعبها وارضها.
هذا هو السبب الذي يقلق عدداً لا بأس به من الدول العربية وفي طليعتها مصر من الحرب الدائرة في سورية ومن فكرة الحرب الاميركية المدعومة من دول غربية وعربية. وهذا القلق يعود لاسباب قومية وانسانية، فمصر تعتبر وجود سورية قوية ومستقرة القدم الثانية للامن القومي المصري، ولا ترى مصر في اي عمل عسكري ضد سورية سوى مساهمة في زيادة تفاقم الوضع ومساهمة في تدمير ما تبقى من مقدرات سورية ويرى أن الحل الوحيد الذي يحافظ على الكيان السوري هو الحل السياسي عبر مؤتمر جنيف 2، وفق ما أدلى به وزير الخارجية نبيل فهمي. ونفس الموقف يتبناه الذي يتبناه الأزهر الذي يرفض قرار أوباما ويعتبر أنه"تخطي لكل الحدود والاعراف الدولية ، ويشكل اعتداءً وتهديداً للامتين العربية والاسلامية".
والخشية الحقيقة من تحول الضربة المحدودة ألى ضربة مدمرة تنهي فكرة الحل السياسي وتؤدي إلى سيادة الصراع المسلح الذي قد لا يقود إلى أي حسم ، واذا ما تم اسقاط النظام بهذه الطريقة تكون سورية الدولة قد انتهت وتحولت البلاد إلى ساحة حرب اقليمية لاسرائيل حصة فيها ولتركيا التي تتلهف لتدمير سورية حصة فيها ولإيران حصة وللغرب حصة ، ةلكن الشعب السوري يكون خارج الحسابات مجرد لاجئين مهجرين يطلبون الاغاثة، وتتكرر ماساة الشعب الفلسطيني في سورية.
ولا أحد يهتم على وقع طبول الحرب بالارقام الصادرة عن الامم المتحدة والتي تقول ان سبعة ملايين من الشعب السوري ، أي حوالي ثلثه اصبح مهجراً وفي وضع مأساوي. وإذا كان العالم يقلق من استخدام السلاح الكيماوي فالأحرى التأكد من الجهة التي استخدمته خاصة في ظل وجود روايتين لذلك ووجود مصالح لبعض فئات المعارضة ومؤيديها الاقليميين والدوليين في حشر النظام السوري وحشد العالم ضده. ومعاقبة الجهة المسؤولة عن استخدام الكيماوي يجب أن تنتظر التحقيق الدولي من جهة، وألا تكون مدخلاً للقضاء على الدولة السورية من جهة أخرى.
أشرف العجرمي


