وفى هذا السياق لا يمكن فهم محاولات إحتواء هذه الثورة إلا من منظور نظرية الدور والمكانة التي تحتلها مصر وتنافسها عليها دول أخرى إقليمية داخلية وخارجية ، وحتى يمكننا فهم لماذا إستهداف هذه الثورة ومحاولة إجهاضها بمحاولة تصويرها وكأنها إنقلاب عسكرى بحت ، أو إنقلاب جنرالات يسعون للسلطة ، والهدف هنا واضح بتصويرها انها مجرد إنقلاب عسكرى ضد الشرعية القائمة ، علما أن الشرعية ليست للحاكم ، بل هى للشعب يحددها ويعبر عنها بالطريقة المتاحة لديه ، هذا الفهم هو الذي يفسر لنا لماذا الموقف التركى والإيرانى والأمريكى وموقف القوى الإسلامية بشكل عام من هذه الثورة. والإجابة تكمن في تحليل أهداف الثورة ، والمشروع الذي تمثله ، وهل يتعارض مع المشاريع الأخرى التي تسعى لها االقوى الأخرى .
ولعل القلق الذى صاحب الثورة المصريةان تتداعياتها لم تقتصر على الحدود المصرية ، وليست مجرد تغيير في نظام الحكم ، او إسقاط حاكم وإستبدالة بحاكم آخر ، ولو كان ألأمر كذلك في دولة أخرى صغيرة أو طرفية ما راينا هذا التحرك والتحالف بين قوى إقليمية ودولية لا تربط بينها الإ مصلحة مشتركة وواحدة تمثلت في أنها جميعا إستشعرت خطرا واحدا من الثورة المصرية . وهى الثورة التي قد تذكرنا بالثورات الكبرى التي قد تعدت نتائجها الحدود الجغرافية لها كالثورة الفرنسية وغيرها من الثورات الكبرى .
وثورة تتعدى حدودها الجغرافية لا بد أن نتوقع تكالب الدول عليها ، وهى الدول الطامحة في ثروات المنطقة العربية ، فإستهداف المنطقة العربية الغنية بنفطها ، والمهمة إستراتيجيا ، وكونها منطقة صراع دولى ، لا يمكن تصور نجاح هذا الإستهداف إلا من خلال إحتواء الدور الذي تقوم به مصر .
والعلاقة طردية بين هذا الإستهداف وبين إختراق المنطقة والسيطرة على ثرواتها ، بل على انظمة الحكم فيها وشعوبها .
الثورة المصرية تعدت حدود الجغرافيا ، وشكلت ضربة قوية لكل المشاريع الطامحة في المنطقة. فالثورة المصرية وجهت ضربة للمشروع التركى ومحاولة تركيا الأردوغانية إعادة بناء دولة الخلافة العثمانية في ثوب إسلامى جديد ، ولنا أن نتذكر أول زيارة لمصر بعد فوز الأخوان في الحكم جاءت من الرئيس التركى عبد الله غول،والمشروع الثانى الذي إستهدفته الثورة المصرية هو المشروع الإيرانى وسعى إيرانى لإعادة بناء الإمبراطورية الفارسية من خلال تحقيق تحالف مصلحى وقتى مع القوى الإسلامية الجديدة وخصوصا الألخوان الذين فازوا بمصر ، واما المشروع الثالث الذي إستهدفته ثورة مصر وأسقطته هو مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي ترعاه الولايات المتحدة وإسرائيل والذى هدفه إعادة رسم المنطقة العربية وتفتيتها على أسس جديدة من المذهبية والطائفية ، والمشروع الرابع الذي إستهدفته الثورة أيضا هو المشروع الصهيونى نفسه الذي تسعى من خلاله إسرائيل إلى بنا ء إسرائيل الكبرى ، وهذا لن يتحقق إلا من خلال ضرب دور مصر ، ودور الجيش المصرى الجيش العربى الوحيد في العالم الربى الذي ما زال محتفظا بدوره الوطنى والقومى ، وهذا ما يفسر لنا لماذا محاولة وصف التجدد الثورى الثانى في يونيو بالإنقلاب ، ومحاولة زج الجيش المصرى في حرب داخلية لإستنزافه ، والدفع به في إتجاه حرب أهلية في مصر ، اما المشروع الأخير الذي إستهدفته الثورة هو مشروع ألإسلام السياسى ، ومحاولة إعادة بناء دولة الخلافة ألإسلامية ، وهذا الهدف لا يمكن تصوره أو حتى مجرد التفكير فيه بدون مصر. والسؤال المهم هنا لمصلحة من قامت إذن الثورة المصرية ؟ ولمصلحة أى مشروع ؟
الثورة في مصر هى إسترداد لدور مصر القومى ، ولذا مشروع هذه الثورة هو إحياء للمشروع العربي، وإحياء مشروع القومية العربية ، وفى هذا المعنى هى إمتداد لثورة يوليو 1952 التي كانت ثورة ضد المشروع الإستعمارى والصهيونى ، وهو ما يفسر لنا محاولات ضرب هذه الثورة بحرب 56 ، وحرب 67 ، وإغتيال الرئيس عبد الناصر ، نفس المحاولات تتكرر الأن مع ثورة مصر ، ومع الفريق السيسى .
المشرو العربى هو المشروع الوحيد الذي يقف في وجه المشاريع الأخرى ، وهذا ما يفسر لنا لماذا تكالبت كل هذه القوى الإقليمية والدولية وهى أصلا قوى متصارعة ومتحاربة ، لكنها جميعا تلاقت مصالحها في مصلحة مشتركة واحدةهى ضرب ثورة مصر ، وضرب الجيش المصري.
ولذا فإن الموقف العروبى الذي وقفته السعودية العربية والإمارات والكويت وغيرها من الدول وموقف السلطة الفلسطينية يأتى من منطلق المشروع العربى الوحدوى الذي به تصان ألأمة العربية وتقوي بها ألأمة ألإسلامية وتتحرر بها فلسطين . لهذا السبب الثورة في مصر مستهدفة بضرب دور مصروجيشها.


