تجاهل الواقع لا يلغيه، ومثلما أن بعض الفضائيات تعتقد أن عدم نشر اعتصامات الإخوان فى رابعة العدوية والنهضة يجعلها غير موجودة فإن إعلام الإخوان لا ولم ير حتى الآن ان شعبا كاملا خرج ضدهم فى ٣٠ يونيو و٢٦ يوليو.
الصورة فى الصعيد مختلفة عما هو شائع فى الإعلام ولا أعرف هل أهل الحكم الجدد يعرفون الصورة الكاملة أم لا؟.
قضيت أربعة أيام فى أسيوط خلال العيد وما يزال التيار الإسلامى قادرا على الحشد المضاد.
فى ٣٠ يونيو و٢٦ يوليو خرج عشرات الآلاف من مواطنى اسيوط ضد محمد مرسى والإخوان وكانوا خليطا من القوى الليبرالية والتقليدية والأقباط وكل الذين انصدموا من حكم الإخوان. بالطبع احتفل هؤلاء بخلع مرسى ثم عادوا إلى بيوتهم.
فى المقابل واصل أنصار التيار الإسلامى الحشد واختاروا ميدان عمر مكرم بجوار نفق الزهراء مقرا لاعتصامهم.
الإخوان ليسوا القوة الإسلامية الأولى فى المدينة بل الجماعة الإسلامية وهؤلاء هم الذين يجعلون مظاهرات الإخوان تبدو كبيرة إضافة إلى بعض أنصار الحركة السلفية الذين خالفوا أوامر شيوخهم المعلنة ونزلوا الى الشوارع.
المجتمع الصعيدى محافظ بطبعه وتلك ثغرة يستغلها التيار الإسلامى بمهارة شديدة وعندما سقط الحزب الوطنى فى ثورة يناير فإن الإسلاميين هم الذين ورثوا تركتهم تقريبا.
ميزة الإسلاميين أنهم موجودون فى القرى والنجوع وأكثر تنظيما من غيرهم وفى عهد مرسى توغلوا وانتشروا فى العديد من المواقع الأكثر التصاقا بالجماهير.
والذين ينكرون الأخونة عليهم أن يروا ما فعله المحافظ الإخوانى الدكتور يحيى كشك فى المحافظة بداية من تمكين الإخوان من المناصب الجامعية ونهاية بالإدارات الخدمية والمحليات وكل ما له صلة باستقطاب المواطنيين لصناديق الانتخاب.
يقول أحد المتابعين لنشاط الإخوان فى الصعيد إنهم ما كان يمكن خلعهم من الحكم ــ ولو بالطبل البلدى ــ لو أكمل مرسى مدته أو حتى بقى عاما آخر فقط.
نفوذ الإخوان ربما ليس قويا فى مدن الصعيد لكنه يتركز أساسا فى القرى الأكثر محافظة بطبيعتها والتى تتأثر بخطباء المساجد وبالدعاية والأكاذيب المنظمة ضد التيار الليبرالى ناهيك عن إلزام كل عضو إخوانى بضمان تصويت عشرة أو عشرين ناخبا على الأقل فى أى استحقاق انتخابى. الحملة الأمنية ضد هذا التيار الآن وبعد فض الاعتصامات قد تقلل من حجم الحشد فى المظاهرات لكنها لن تلغى وجود التيار والمطلوب هو خطة شاملة على كل الأصعدة شعارها تغيير الواقع على الأرض.
السؤال الجوهرى هو: أين التيار الليبرالى من كل هذا؟.
للأسف هو شبه غائب تنظيميا رغم أن فترة حكم مرسى الكارثية يفترض أن توفر خير دعاية لهذ التيار لكى يستغلها فى الوصول للجماهير وإقناعها بأنه البديل المدنى الأفضل.
الصعيد يحتاج نظرة مختلفة تماما من الدولة والقوى المدنية تخرجه من أوضاعه الكارثية التى تعتبر التربة الملائمة جدا لنمو الأفكار المحافظة والمتطرفة وبالتالى فأى مدخل لا يتضمن تحسين مستوى المعيشة والصحة العامة وتطوير التعليم لن يكتب له النجاح.
لولا الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية بالصعيد ما كان الإخوان قد وصلوا إلى الحكم وما كان دستورهم قد تم تمريره.


