انها تجربة حزبية صادمة لم يعرف لها التاريخ مثيلا في الانتقال بهذه السرعة القياسية.
اكثر من ذلك, أعطت الجماعة التي يمتد تنظيمها على مساحة الكرة الأرضية صورة مشوهة ومهزوزة لبقية فروعها في العالم ... أجيال تعاقبت على قيادة التنظيم منذ نشأته قبل نحو ثمانية عقود شهدت خلالها انكسارات وانشطارات فردية أو جماعية, سرعان ما تنهض دون معرفة كم استغرق نهوضها لاعتمادها مبدأ السرية.
ومع ذلك لم يعد الجيل الجديد قادرا على ان يقول سمعا وطاعة للمرشد فانشق وكون مجموعة "اخوان بلا عنف, وانشق نائب المرشد وكون حزبا مستقلا "مصر القوية" وشكل عضو مكتب الارشاد "حزب الوسط" ومع ذلك سيظل الانكسار الأخير هو الأكثر تأثيرا وتدميرا للجماعة.
لم يكن احد من الجماعة يتصور, حتى في أحلام اليقظة, احتمال حدوث ما كان, لكننا سمعنا من على مسرح رابعة ما يشيب له ريش الغراب, حيث اقسم احدهم انه شاهد, في المنام, جبريل عليه السلام يبشره "بـالنصر الكبير" على العسكري, وانه رأى مرسي يؤم الصلاة وخلفه الرسول عليه الصلاة والسلام ويعده "بالنصر".
لم تمض سوى أياما قليلة وينفض السيرك الذي كان منصوبا في رابعة, فإذا بقيادة الجماعة مختبئين ومتنكرين بأشكال مثيرة للدهشة والغرابة والاستهجان, وتحول بعضهم إلى ما يشبه " ئران السفينة" فروا من تنظيمهم وراحوا يبحثون عن مصالحهم الشخصية والنجاة بجلدهم.
أما من صال وجال على المسرح وقال "من يرش مرسي بالمية هنرشه بالدم" ويصف نفسه في حديث لصحفي الجزيرة احمد منصور بأنه ملهم وقائد ثورة يناير إذا به يقسم بعد اعتقاله أيمانا مغلظة انه يكره القرضاوي وليس من مؤيدي مرسي ولا يوافق حتى على أعادته للرئاسة.
ارتكبت قيادة الجماعة أخطاء فادحة عندما حاولت إحباط القيادة العسكرية المدعمة شعبيا معتقدة أنها ستتمكن من خلال نشر حالة الاضطراب من التأثير على وحدة القوات المسلحة, وهو مظهر ثبت نقيضه فلم نر قائدا عسكريا يميل إليهم ولا وجدنا جنديا يعلن عن تمرد أو انشقاق.
كان أمام مرسي فرصة ذهبية لكي يجمع الناس حوله ويحقق بعضا من أهداف ثورة يناير التي أطاحت بسلفه وان يعطي نموذجا للرئيس الإسلامي العادل الرشيد لكنه أهدرها لحساب مكتب الإرشاد.
استقوى بجماعته على شعبه فألغى وأقصى وكفر وخون, وفهم المصريون ان مرسي شخص يعد ولا يفي, يقول شيئا ويفعل عكسه, فانطبق عليه المثل: لا تحكم على الرجال في المعارضة وانتظرهم حتى يصلوا الى الحكم.
في شجاعة وصراحة لصحفي الجزيرة احمد منصور يقول: "خلال عام واحد فقط من وجود الأخوان في السلطة بلغ طوفان الكراهية حداً غير مسبوق انتهى بعزل مرسي". ويحدد أسباب فشل الأخوان في الحكم في: ان اختيار مرسي للمنصب كان خطاً كبيراً لأنه لا يملك مقومات رجل الدولة.
1- ان مرسي وجد نفسه في مكان لم يستعد له ولم يفكر فيه, فخدع بمظاهر السلطة ولم يتمكن من أدواتها.
2- ان مرسي حكم الدولة بعقلية رجل الحزب والجماعة , وجمع حوله فريقا لا يتمتع بالكفاءة.
هم الإسلام والمسلمين والمشروع الإسلامي وغيرهم عدو ذلك.
مع ان الإسلام يسمح بالتعددية الفكرية والمناقشات الخلافية والمناظرات الخصبة حتى مع إتباع العقائد المختلفة فإذا بالابدع بدعة وأي اختلاف في الرأي حتى ولو كان صغيرا تحريض وتهمة.
كان الإسلام دين تسامح واعتراف بالأخر فأصبح دين تطرف وتكفير.
انظر فتاوى الشيخين القرضاوي ووجدي غنيم.
يبدو ان حلقات حظر الجماعة قد اكتملت بإعلان لجنة الخمسين المعنية بتعديل دستور 2012 عزمها وضع مادة دستورية تفيد حظر إنشاء أحزاب سياسية على أساس ديني, في إشارة إلى حل حزب الحرية والعدالة.
هكذا تكون الجماعة التي يفترض ان تحتفل بمرور سنة على اعتلائها عرش مصر قد عادت الى حيث أتت من المعتقلات والعمل السري وبات مستقبلها مظلما وغير واضح المعالم .
بعيدا عن الحرائق المشتعلة, فان السؤال الذي يجب ان يطرحه الاخواني الآن: ماذا علينا ان نعمل كي نطو الماضي ويقبلنا الشعب المصري وليس أنصارنا فقط ؟
سيكون السؤال مشروعا إذا اقتنعوا ان طريقتهم السابقة في الحكم كانت السبب الأساس في الكارثة التي حلت بهم ودون ذلك فان الشعوب كما الأفراد تصاب بغش قصير لكنها سرعان ما تعود إلى الوعي والثورة.
ويكون السؤال مشروعا لفرعهم الفلسطيني "حماس" ولكن بصيغة أخرى: هل يتسع صدركم للامتناع عن التكفير والتخوين حين يكون الاختلاف في الرأي ؟ أظنها خطوة أساسية في اتجاه تصحيح العودة إلى المظلة الفلسطينية .


