عملت إسرائيل منذ اليوم الأول لاحتلالها القدس، في العام 1967، على تهويد المدينة المقدسة، على الرغم من أنها كانت تعلم أن مخططها لن ينجح بين ليلة وضحاها، لذا فقد عملت على تحقيق مرادها بتطويع القوانين وتوظيف المال اليهودي واستغلال قلة ممن ينتسبون إلى فلسطين فيما هم براء منها.
كانت البداية بتهويد العقارات من خلال سيطرتها بالقوة عليها، كما حصل في حي المغاربة الذي هدمته وشردت سكانه، أو بالتغلغل الاستيطاني السرطاني، بحيث أصبح المتطرفون والمستوطنون يسيطرون على مداخل البلدة القديمة وعقاراتها الإستراتيجية.
لم يكن قطاع التعليم حينها يندرج ضمن أولويات الاحتلال، وبالتالي لم يدخل هذا القطاع في إطار التهويد الحقيقي، بمعنى السيطرة الكاملة على هذا القطاع وتغيير المناهج الدراسية المطبقة في الضفة الغربية.
بداية السيطرة على قطاع التعليم العربي في القدس كانت من خلال تقسيم السيطرة على المدارس، بحيث بقي قسم من هذه المدارس تحت مسؤولية الأوقاف الإسلامية، فيما بقي قسم آخر تابعاً للقطاع الخاص الفلسطيني، وفي حين بقي هذان القسمان يدرسان المنهاج الأردني المطبق في الضفة الغربية، فقد سيطرت سلطات الاحتلال من خلال بلدية الاحتلال في القدس ودائرة المعارف الحكومية على باقي المدارس، وأبقت تحت الضغوط على المناهج الأردنية ولكن مع حذف وإضافة وخاصة في منهاجي التاريخ والجغرافيا أو تلك التي تركز على البعد الوطني أو القومي.
وحاولت سلطات الاحتلال التأثير على قطاع التعليم من خلال الامتيازات التي منحتها للمدرسين أو الطلبة، من أجل تفريغ المدارس التي ظلت تدار من قبل الأوقاف أو القطاع الخاص من طلبتها.
بعد إقامة السلطة الوطنية بدأ قطاع التعليم المقدسي يعاني بشكل أكبر، وبدأت سياسة التهويد تتسارع، ولعل أبرز الانتهاكات الإسرائيلية في هذا المجال، ما تمثل في الضغوط على المعلمين من الضفة الغربية العاملين في مدارس القدس، ففي البداية فرضت عليهم سياسة التصاريح، ثم بدأت تمنع الكثيرين منهم من دخول القدس بحجج أمنية، وبعد إقامة جدار الفصل العنصري تمكنت سلطات الاحتلال من إبعاد أكثر من 95% من معلمي الضفة الغربية عن مدارس القدس.
كشرت سلطات الاحتلال منذ عامين عن أنيابها، وبدأت تصر على إدخال المناهج الإسرائيلية إلى كل المدارس العربية وتغيير امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) إلى امتحان (البجروت) الإسرائيلي.
تمكنت سلطات الاحتلال جزئياً منذ سنوات ـ بالتعاون مع بعض مدراء المدارس الذين قبلوا التعاون معها لإقناع الأهالي ـ من تدريس المناهج الإسرائيلية التي تنفي البعد القومي والوطني وتركز على الحق التاريخي لليهود في فلسطين وإلى آخر ما إلى ذلك من تلك الهرطقات.
تمكن طلبة فلسطين في السابق من إحباط هذه المحاولات، ولكن هذه المرة يبدو أن الأمور تسير وفق ما ترغب به سلطات الاحتلال من خلال بعض المدراء الذين قبلوا اعتماد المناهج الإسرائيلية في خطوة ضد ضمائرهم ووطنهم وشعبهم.
خلال الأيام الماضية كشف النقاب عن لقاء بعض المدراء المتعاونين مع سلطات الاحتلال من أجل إدخال المنهاج الإسرائيلي، واعترف بعضهم أنه قبل لأن عدداً من الأهالي وافق على ذلك.
إنها الفرصة الأخيرة من أجل تشكيل جبهة وطنية طلابية قادرة على كسر هذه المخططات التهويدية والحفاظ على الهوية الفلسطينية العربية.
يجب أن نتحرك بسرعة حتى لا تصبح خيانة التعليم وجهة نظر.
abnajjarquds@gmail.com


