خبر : انعكاسات الاحداث المصرية على حالة الحريات في فلسطين .. محسن أبو رمضان

الجمعة 23 أغسطس 2013 04:48 م / بتوقيت القدس +2GMT
انعكاسات الاحداث المصرية على حالة الحريات في فلسطين .. محسن أبو رمضان




واضح أن أحد تداعيات وانعكاسات الأحداث المصرية ، أنها أدت إلى زيادة حدة الاستقطاب الذي كان اصلاً بالمجتمع الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس والذي انعكس سلباً على الحالة الفلسطينية بين مؤيدين ومتشددين لموقف جماعة الإخوان المسلمين والآخر مؤيد ومتشدد لموقف الجيش وحركة التغيير التي تمت في 30/يونيو، حيث ابعد هذا الوضع من فرص المصالحة في ظل استمرارية رهان كل طرف على علاقاته وتحالفاته .

فالرئيس ابو مازن ما زال يراهن على خيار المفاوضات ، وإذا فشل هذا الخيار فالبديل الوحيد  هو المزيد من المفاوضات وهو يرفض البناء على خطوة الاعتراف بدولة فلسطين كدولة مراقبة بالأمم المتحدة عبر الانضمام لعضوية المنظمات الدولية ومنها محكمة الجنايات الدولية، كما يرفض تبنى نداء المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على دولة الاحتلال إلى جانب عدم ايمانه العميق بالمقاومة بما في ذلك المقاومة الشعبية أو تلك الحقوقية والقانونية التي يمكن من خلالها محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين بالمحاكم الدولية ، وعزل دولة الاحتلال عن المجتمع الدولي .

حركة حماس ما زالت تعتبر نفسها فرعاً من فروع حركة الاخوان المسلمين، ورغم بصماتها الوطنية الواضحة ودورها بالمقاومة إلا أنها بحاجة للمزيد من السياسات الرامية لتعزيز خصوصيتها عبر تأكيد هويتها الخاصة بوصفها مكون رئيس من مكونات الحركة السياسية في اطار مرحلة التحرر الوطني التي نعيش ، فما زالت خيوط العلاقة العضوية مع حركة الاخوان المسلمين تؤثر بصورة كبيرة على أدائها ومسارها وسياستها ،الأمر الذي يمكن التفسير من خلاله تغيير تحالفاتها العربية والاقليمية بما ينسجم مع رؤية وتوجه حركة الاخوان اكثر من انسجامة مع الرؤية ذات العلاقة مع الخصوصية الفلسطينية ، والتي تفترض عدم زج الفلسطينيين وفاعلياتهم السياسية في محاور متناقضة مع بعضها البعض الأمر الذي ربما سينعكس بالسلب على المسيرة الوطنية الفلسطينية .

إن زيادة حدة الاستقطاب قد أثرت بصورة كبيرة على مجال الحريات العامة، من حيث العودة إلى التراشق الاعلامي والاتهامات المتبادلة، وإعلان حركة حماس عن كشفها لوثائق اقدمت عليها أجهزة السلطة بالضفة الغربية، تعمل على ربط الحركة بالتفاعلات الداخلية في مصر ، الامر الذي اعتبرته حركة فتح انها وثائق مزورة، إلى جانب إعادة تفعيل الاجراءات الرامية للحد من حرية الحق بالتجمع السلمي ، علماً بأن السلطة بالضفة قامت بقمع مسيرة منظمة من قبل الجبهة الشعبية تندد بالمفاوضات، كما قامت حكومة حماس في غزة بمنع اعتصام يندد بمخطط برافر العنصري الذي يستهدف بدو النقب في مناطق عام 48، كما تمت العودة إلى آلية الاستدعاءات والاعتقالات السياسية إلى جانب القيود المشددة على حرية الراي والنشر والتعبير، عبر ملاحقة بعض الكتاب قضائياً أو عبر اغلاق مكاتب بعض وكالات الانباء العاملة بالقطاع كالعربية ، ومعاً إلى جانب التحريض الشديد على بعض الكتاب الذين يقدمون رؤية نقدية باتجاه الاداء السياسي أو الحكومي سواءً في غزة أو الضفة الغربية .

من الخطورة بمكان السماح بانعكاس حدة الخلافات السياسية على حالة الحريات العامة في وطننا، علماً بأننا نواجهة احتلالاً اقلاعياً وتوسعياً وعنصرياً ويستهدف الجميع ، وبالتالي فلا يمكن مواجهته إلا بضمان حرية وكرامة المواطنين غير منقوصة، حيث تعمل الانتهاكات بالضرورة على انهاك المواطنين وتهميشهم وعزلهم وزيادة الاحباط لديهم بدلاً من تعزيز مقومات صمودهم عبر إعطائهم المساحة الضرورية لحرية العمل الصحفي والنقابي والاعلامي والاهلي إلى جانب الحق بالتجمع السلمي ، حيث ستوفر تلك الأجواء بالضرورة مناخات مناسبة لاستمرارية مسيرة الصمود والمقاومة.

لا يوجد تبرير مقبول فيما يتعلق بكبت الحريات وتكميم الافواه حتى لو احتدت حالة الاحتقان والتوتر بين الحزبين المتنازعين، فمن غير المناسب أن يدفع ثمن هذا النزاع قيم ومبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان المكفولة بالقانون الاساسي بوصفه الدستور المؤقت للفلسطينيين .

إن مواجهة كاتب مقالاً نقدياً يجب أن يتم بمقال مضاد وليس عبر التهديد والملاحقة والاستدعاء إلى القضاء، والذي أصبح يوظف في خدمة السلطة التنفيذية بما أنه مسيس وغير مستقل وقد تم تعينه اصلاً من قبلها .  

من المناسب أن يدرك صناع القرار بالحكومتين بأن قوة المجتمع المدني  هي قوة وتمكين للنسيج الاجتماعي الداخلي واعطاء مساحة واسعة للحرية والديمقراطية يشكل مصدر قوة لها ، حيث أثبتت تجارب الشعوب العربية عبر الحراكات الشعبية الواسعة بأن لغة تكميم الافواه والاقصاء ومحاولة إلغاء وتحجيم الآخر قد فشلت ولن تكون فلسطين استثناء من ذلك، خاصة إذا أدركنا أن فلسطين لها خصوصية فريدة تستند إلى طبيعة المرحلة التي نمر بها بوصفها مرحلة تحرر وطني وديمقراطي الأمر الذي يفترض ان تكون أدوات الشراكة وتجنب الاقصاء هي القاعدة التي ستعمل على تحقيق الوحدة والتلاحم الضروري لاستمرارية مسيرة الكفاح الوطني  .