خبر : الهجوم السعودي المضاد ...بقلم: د. عبد المجيد سويلم

الخميس 22 أغسطس 2013 01:03 م / بتوقيت القدس +2GMT



الهجوم السعودي المضاد فاق كل التوقعات من حيث الشكل ومن حيث المضمون.

قد لا يكون هذا الهجوم مباغتاً ولكنه في كل الأحوال هجوم متعدد الأهداف والمستويات والأدوات.
ربما هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها اللهجة السعودية الى حدود الحسم الفاصل، والى حدود التحذير الأقرب الى الإنذار والى حدود التهديد والوعيد.
ما الذي يفسر هذا الموقف القوي وما الذي يقف وراء هذا التوجه السعودي؟
الحقيقة أن المواقف السعودية عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي العربي الشامل كانت دائماً مواقف مسؤولة وفي بعض المحطات والمراحل التاريخية رائدة وشجاعة.
وسواءً اتفق المرء او اختلف حول دور المملكة العربية السعودية في هذه القضية او تلك وبهذا القدر او ذاك الا ان أحداً لا يستطيع إنكار دور المملكة في حرب أكتوبر على سبيل المثال. كما لا يستطيع احد أن ينكر مواقف المملكة في دعم صمود مصر وسورية لسنوات طويلة قبل وبعد تلك الحرب وكذلك مد يد العون لدول ومؤسسات كثيرة ومتعددة على طول بلاد العرب والمسلمين.
ليس لدينا شك ان النظام العربي عموماً هو أقرب الى واقع التبعية للغرب وفي كثير من الأحيان تصل هذه التبعية إلى درجات خطيرة من التعارض والتناقض مع مصالح الأمة. لكن ليس لدينا شك بالمقابل ان الغرب نفسه قد تطاول على مصالح الأمة العليا وعبث بهذه المصالح الى درجة الامتهان في مراحل تاريخية خاصة.
نقطة الفصل هنا كانت غياب او تغييب الدور المركزي لمصر، وغياب التنسيق والتفاهم بين مصر والشام، وكان ذلك ينطبق على مرحلة الخمسينيات وبداية الستينيات. كان لدور السعودية ثقل خاص يعود لحكمة الملك المؤسس واتضح هذا الدور مع عهد الملك فيصل الذي اظهر ميلاً عروبيا مميزا على كل الصعد والمستويات.
مع ازدياد الثقل الاقتصادي للمملكة في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات تحول الثقل السعودي من الجانب السياسي والمعنوي الى الجانب الاقتصادي المباشر (وخصوصا بعد ثورة أسعار النفط) وأصبحت المملكة احدى ركائز العروبة وركائز المشروع القومي على الرغم من ثقل هذا الدور على الصعيد الإسلامي العام.
وقبل ان يرتكب النظام العراقي حماقة غزو الكويت وقفت السعودية الى جانب العراق في التصدي للمشروع الفارسي وشكلت السعودية نقطة التوازن السياسي والاقتصادي للمشروع العربي على كل علاّته وكل نواقصه وكل مشكلاته.
باختصار ارتبط الموقف السعودي على الصعيد القومي العام بوجود المشروع العربي نفسه، ويكاد يرتبط هذا الدور بالعافية الوطنية والقومية لمصر. بعد أحداث الحادي عشر من أيلول وفي ظل حكم المحافظين الجدد في الولايات المتحدة أخذت القوى اليمينية المحافظة بالتطاول على الدور السعودي وقد تكون الأمور في مرحلة معينة قد وصلت إلى درجة "التفكير" الأميركي بالتخلص من السعودية كدور قومي وإسلامي شامل، وقد يكون اللجوء الى إمارة قطر احد الوسائل الرئيسية للوصول الى هذا الهدف الخبيث.
التهديد الآخر للمملكة كان استخدام ايران للطوائف الشيعية العربية ومحاولة تجييشها لزعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي في بلدان الخليج وخصوصاً في المملكة العربية السعودية.
عندما اندرج الإخوان في المشروع الأميركي الشامل، وعندما حاولت قطر ان تلعب على وتر التحالف ما بين الإخوان والمطامح الفارسية في المنطقة وفي الخليج، وعندما اصبح موضوع محاولة استخدام الشيعة في مشروع تفتيت الأمة وإقامة الدولة المنسجمة ما بين الطائفة والدولة وما بين الدين والدولة وما بين العرق والدولة وما بين المذهب والدولة كان لا بد من إسقاط المخطط، خصوصاً بعدما وصل هذا الخطر الى بوابات معظم البلدان العربية وعندما وصل الأمر بتهديد اعرق واهم واكبر دولة في هذه المنطقة وهي مصر.
هنا بالذات وجدت المملكة العربية السعودية ان ثورة الثلاثين من يونيو أصبحت الفرصة التاريخية الجديدة لإعادة تفعيل الدور القومي والمشروع القومي في وجه الغرب وفي وجه الخطر الذي يمثله تحالف الإخوان المسلمين مع الغرب ومع الولايات المتحدة على وجه التحديد.
الثورة المصرية المتجددة أتاحت للعربية السعودية الفرصة التاريخية لتجديد الدور القومي للعربية السعودية، والتصدي للغرب الذي لم يتوان عن تهديد كل المقومات السياسية والاجتماعية والثقافية للعروبة وكذلك للإسلام العروبي.
الدور السعودي لم يعد في ظل واقع المؤامرة القائمة اليوم ضد الشعوب العربية وكيانها الوطني وانتمائها القومي مجرد دور الخوف على مستقبل هذه الكيانية وهذا الانتماء وانما انتقل الدور السعودي بعد الثورة المصرية المتجددة الى الهجوم المعاكس.
الهجوم السعودي في الدفاع عن مصر في مواجهة الإخوان وأعوان الإخوان في الغرب وفي بلاد الأميركان هو في الحقيقة هجوم للدفاع عن المشروع القومي والوجود القومي للأمة في مرحلة هي في الواقع اخطر مرحلة تمر بها وحدة شعوبها وكيانيتها الوطنية والقومية منذ سقوط بغداد ودخول المغول الى عاصمة الرشيد.
اختلفوا مع المملكة كما يحلو لكم، لكن الدور السعودي في الدفاع عن مصر هو دفاع عن المشروع القومي وهو هجوم لبناء سد في مواجهة مشروع تدمير المجتمعات العربية وتفتيتها والفتك بها.
في مراحل تاريخية معينة تكون السياسات الكلية الشاملة هي أساس وقاعدة القياس لأية سياسات وتكون المسائل القومية اهم بكثير وبما لا يقاس في أية مسائل مهما كانت أهميتها.
وعندما تكون السعودية هي خط الدفاع الأول عن مشروع حماية الثورة المصرية، فهذا يعني ان تهديد وجود الأمة والأوطان والدول هو تهديد فعلي وواضح.