خبر : الأزمة المصرية: تناقض عربي – غربي ... اشرف العجرمي

الأربعاء 21 أغسطس 2013 12:11 م / بتوقيت القدس +2GMT
الأزمة المصرية: تناقض عربي – غربي ... اشرف العجرمي



بات مؤكداً أن مصر دخلت مرحلة جديدة في تاريخها المعاصر بعد الإطاحة بحكم حركة "الإخوان المسلمين" والرئيس المنتخب من قبلهم محمد مرسي، ولكن هذه المرحلة، التي تعتبر مخاضاً عسيراً لإنتاج ديمقراطية مدنية بديلة لحكم "الإخوان" المتفرد والذي يؤسس لدكتاتورية أشد قسوة وإقصاء من حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، لن تكون سهلة وسلسة وخاصة عملية الانتقال إلى النظام الجديد الذي تنادي به الثورة المصرية الأولى في الخامس والعشرين من يناير 2010 وحتى الثورة الثانية في نهاية حزيران 2013، وذلك بسبب عدم تسليم "الإخوان" بإرادة وحكم الشعب التي عبر عنها ونفذها المجلس العسكري برئاسة الفريق عبد الفتاح السيسي الذي وضع خارطة طريق قبلت بها القوى السياسية والشعبية المصرية. وبسبب لجوئها للعنف وسيلة لاسترداد السلطة أو تدمير البلاد إذا فشلوا في ذلك.
وحتى الآن هناك حصيلة مرتفعة من القتلى والمصابين الذين سقطوا جراء هذا الموقف المتشدد الذي اتخذته الجماعة حيال ما يجري في البلاد، وقبل وبعد فض الاعتصامين الإخوانيين في ميدان النهضة و"رابعة العدوية".
في القاهرة قام "الإخوان" بتركيز هجومهم على قوات الأمن في مختلف مناطق مصر وخصوصاً سيناء التي شهدت جرائم بشعة ضد جنود القوات المسلحة ورجال الشرطة والتي كان آخرها تنفيذ مذبحة بحق خمسة وعشرين مجنداً من وحدات الأمن المركزي كانوا في طريقهم إلى بيوتهم بعد إنهاء خدمتهم العسكرية، حيث جرى قتلهم بطريقة بشعة. ويبدو أن قيادة "الإخوان" مصممة على المضي قدماً في طريق إرهاب وترويع المصريين ومحاولة إبقاء وإدامة حالة الفوضى وعدم الاستقرار في مصر.
"الإخوان" بدون شك خسروا الشعب المصري وجزءاً كبيراً من رصيدهم على المستوى العربي والإسلامي بعد الإطاحة بمرسي التي كانت تتويجاً لسلسلة من الأخطاء التي اقترفها وأدت إلى فقدانه الشعبية والقبول في أوساط الشعب المصري، وبعد لجوئهم للعنف في مواجهة قرار الشعب. ومن المهم هنا التأكيد على أن الدول العربية المركزية تقف إلى جانب الثورة المصرية الثانية والسلطة المؤقتة في مصر، ولعل الموقف السعودي في هذا السياق شكل ضربة قوية لمساعي الجماعة في الحصول على الدعم الدولي، بعد الموقف الأميركي الداعم لهم الذي عبر عن نفسه بإيقاف إرسال الأسلحة المقررة إلى مصر وإلغاء المناورات المشتركة بين الجيشين المصري والأميركي، والحديث المتكرر عن إعادة النظر بالعلاقة مع مصر على ضوء العنف الذي تشهده، وبعد الموقف الأوروبي الشبيه نسبياً بالموقف الأميركي. فالسعودية التي على علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة لا يروقها الموقف الأميركي والغربي عموماً من الأحداث في مصر وهي تعتبر أن ما حصل هو ثورة شعبية وليس انقلاباً، وأن حركة "الإخوان المسلمين" تمارس الإرهاب ضد الشعب المصري، وأكثر من ذلك تظهر المملكة دعماً لا يقتصر على الموقف السياسي بل يذهب بعيداً على المستوى المادي ليس فقط بالمساعدات المباشرة بل وكذلك بالتلويح للغرب بأن السعودية ستعوض مصر عن أي نقص بالمساعدات الغربية المقدمة لها من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
هذا الموقف السعودي الذي ينسجم مع موقف الإمارات العربية التي هي الأخرى تقدم دعماً سياسياً ومادياً لمصر والذي أيضاً يتوافق مع موقف دولة الكويت يشكل إحراجاً لواشنطن والاتحاد الأوروبي ويضعف التأييد الغربي لحركة "الإخوان" والذي هو تأييد مبني على المصالح والاتفاق مع الجماعة وليس انحيازاً للديمقراطية ونتائج الانتخابات كما تدعي هذه الجهات.
أما الموقف الإسرائيلي الذي يتساوق مع الموقف الغربي عموماً والذي رأى في حكم "الإخوان" في مصر تغييراً نحو الأفضل بالنسبة لإسرائيل، فهو قلق من إمكانية حدوث مواجهة بين السلطة المصرية والولايات المتحدة على خلفية وقف المساعدات لمصر، فهذه المساعدات مرتبطة بمعاهدة "كامب ديفيد" ووقفها يعني احتمال إلغاء مصر للمعاهدة. ولهذا وبالرغم من تأييد إسرائيل لجماعة" الإخوان" تريد الحفاظ على علاقة جيدة بين الجيش المصري والغرب حتى لا تتغير أجندة الجيش والدولة المصرية تجاه إسرائيل.
لا أحد يستطيع أن يراهن على موقف واشنطن أو على الموقف الأوروبي تجاه مجريات الأمور في مصر وبدون ريب فالتطورات كفيلة بتغيير أي موقف دولي، والمهم هو ثبات الموقف المصري والإصرار على حماية أمن مصر ومصالحها الاستراتيجية العليا بغض النظر عن كل الضغوط. ولا يجب أن تتوقف القيادة المصرية الحالية كثيراً عند ما تروجه بعض وسائل الإعلام الغربية التي تتعامل بانتقائية شديدة مع الأزمة في مصر. والشيء الذي يساعد مصر الآن أكثر من أي شيء آخر هو وقوف دول عربية كثيرة إلى جانبها وتراجع موقف قطر التي تدعم الجماعة بشكل مطلق وتحولت إلى بوق لها. بل إن موقف الدول العربية الداعمة عموماً من أحداث مصر أدى إلى تراجع وضع الحركات الإسلامية على المستوى الشعبي العربي.
التناقض العربي – الغربي الحاصل في مصر يساعد النظام المصري على تكملة مشوار فرض الأمن والنظام، وهذا يجب أن يترافق مع تكملة خطة السلطة المؤقتة في إنجاز الديمقراطية الكاملة بدءاً بتعديل الدستور وإقراره وانتهاء بالانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تنتج سلطة مدنية قادرة على تلبية رغبات وطموحات الشعب في الحصول على الحرية والتنمية الاقتصادية الحقيقية التي تؤمن لمصر التقدم على درب الدول التي شقت طريقها نحو مواقع متقدمة على الصعيد الدولي. ولا شيء يمنع مصر التي تمتلك طاقات هائلة من الوصول إلى موقع متقدم يساهم في تعزيز دور مصر إقليمياً ودولياً. وما يجري في مصر لابد وأن يعكس نفسه على خارطة القوى الإقليمية والدولية في هذه المنطقة.