خبر : مصر والإقليم الجديد..د.عاطف أبو سيف

الإثنين 19 أغسطس 2013 11:36 م / بتوقيت القدس +2GMT
مصر والإقليم الجديد..د.عاطف أبو سيف



إن ما يجري في مصر سيحمل معه نتائج كثيرة تؤثر على مصر أولاً وعلى الإقليم العربي والشرق الأوسطي ثانياً. وبشكل مباشر يبدو النظام العربي الرسمي اكثر المتأثرين بما يجري في قاهرة المعز وبنتائج الصراع الدائر هناك وسيكون لحسمه نتائج مستقبلية جوهرية على طبيعة المؤسسة العربية وفاعليتها. كما أن نتائج الاحداث ستكون مصيرية بالنسبة لإسرائيل ايضاً.
ليس ما يجري في مصر لا يخص إسرائيل ولا يثير قلقها بل إن عين تل أبيب مفتوحة على مصراعيها تراقب كل ما يحدث في عاصمة العرب الاولى بدقة وبالتفاصيل. الثابت لدى إسرائيل أن مصر تمر بمرحلة مضطربة وستحتاج لفترة من الزمن قبل ان يخمد لهيب الأزمة الداخلية.
صحيح أن نظام مرسي رغم انطلاقه من فكر الإخوان إلا انه لم يشكل تهديداً لحالة السلام البارد التي وصلتها بمصر منذ توقيع اتفاق كامب ديفيد، بل على العكس صار بخطى ثابتة على طريق سلفه الرئيس مبارك في العلاقة معها. ربما عام لم يكن كافياً للحكم، لكن الأسوأ كان يمكن ان يحدث من اليوم الاول على الأقل على صعيد البلاغة والخطابة. لكن هذا لم يحدث. ما حدث عكس ذلك تماماً من حديث عن تثبيت الاتفاقيات والحفاظ عليها. اما ميدانياً فإن التنسيق والعلاقات لم تشهد تراجعاً بل استمرت بنفس الوتيرة. 
ما يحدث في مصر يقلق إسرائيل من جهة الخوف على الاستقرار في سيناء. دائماً كانت سيناء خاصرة مصر الضعيفة ولم تتمكن السلطات المصرية بسبب نتائج اتفاقية السلام من فرض هيمنتها بشكل كامل على شبه الجزيرة. وظلت مصدر تهديد وأزمات سواء امنيا أو حتى على صعيد تجارة المخدرات وخطوط التهريب. والسلطات المصرية قبل الثورة كانت تعاني من مشاكل في ضبط الوضع الامني في سيناء وتحديداً في منطقة جبل الحلال. أيضاً بالنسبة لاسرائيل فإن الوضع في سيناء لم يكن سهلاً. فهي تشكل تهديداً من اكثر من جهة. اولاً هي ملاصقة لقطاع غزة ويعتقد انها ممر تهريب السلاح له كما انها ملاصقة بشريط حدودي طويل لاسرائيل وعبرها تمر عملية تهريب الأشخاص والسلاح إلى داخلها.
ووفق الزعم الإسرائيلي فإن ثمة شواهد على ذلك خاصة بعض العمليات التفجيرية. والاهم أنه من السهل من داخل سيناء مساس عمق الجنوب في إسرائيل عبر القذائف والصواريخ قصيرة المدى كما حدث في بعض الحالات. 
وعليه فإن قلق إسرائيل ان استمرار الازمة في مصر سيعني فلتان الوضع في سيناء. ما يعني أيضاً احتمال تحولها لنقطة للعمليات المسلحة ضدها. وعليه فإن الخطاب السياسي الإسرائيلي حين يقول إنه قلق مما يحدث في مصر فهذا لايعني قلقاً على مصر التي نقلق عليها ولا هو محاولة لتصوير تعاطف مع جهة ما في الأزمة المصرية، بل هو قلق على مستقبل الامن الإسرائيلي من خاصرته الضعيفة. لذا فإن إسرائيل مع استتباب الوضع من هذا الجانب، لأنها تريد شخصاً مسؤولاً عما يحدث هناك ولا تحبذ الفوضى التي من شأنها ان تقلق مضاجعها، وتجعل كل مجموعة مهما صغر حجمها مصدر تهديد مستمرا لها. 
النظام العربي برمته قلق مما يحدث في مصر. والاهم من هذا أنه منقسم حول نفسه في سابقة خطرة تنقل الصراع إلى مربع المؤسسة الرسمية العربية. لقد هيمن على المؤسسة العربية خلال العقد الماضي تيار تقوده قطر واموالها التي يظن المرء انها لا تحصى، ونجحت في مواءمة الوضع العربي وحتى المطالب العربية وفق تصورات الدوحة والتزاماتها بما لا يتعارض مع تحالفاتها الدولية التي ليست سراً ولا رجماً للمحصنات. فالمبادرة العربية التي تشكل ادنى مستوى المطالب العربية والتي تقل عن قاع الطموح العربي، صار يمكن ان تتغير كي توافق عليها إسرائيل.
كما أن التدخل العربي في الشؤون العربية الداخلية صار مشروعاً ولم يعد تعدياً على سيادة دولة شقيقة. لم يكن هذا الوضع يلقى استحساناً من الكثير من الدول العربية التقليدية التي كان لها دور كبير في تثبيت أركان النظام العربي في النصف الثاني من القرن العشرين. 
من الواضح ان ما يحدث الآن في مصر يستدعي مقاربات إقليمية من نوع جديدة. فحالة الاصطفاف باتت حادة حتى بين دول الإقليم. فقطر لا تخفي دعمها لمحاولات الإخوان تطويل امد الأزمة في مصر، وإن مشاهدة نصف ساعة من الجزيرة تجعل المتابع يشعر بأن مصر "ميتة" لامحالة فهي تحتضر، كما يتم تصوير الدولة المصرية بالغول الذي يلتهم الناس. ايضاً يمكن ان ننتبه إلى اصطفاف أردوغان السافر أيضاً في الازمة. في المقابل فإن دولاً مثل السعودية والإمارات منذ اللحظة الاولى لاعلان الجيش عزل الرئيس وقفت بقوة خلف الحركة التصحيحية وقالت إنها ستغدق على مصر بالمال حتى تتجاوز مصر أزمتها المالية الخانقة التي نتجت عن تراجع الاستثمارات والسياحة وتعطل المرافق الصناعية.
بكلمة اخرى وفي استرجاع لابد منه حين كتبنا على هذه الصفحة، فإن الانقسام لم يعد فلسطينياً، بل هو ظاهرة عربية وجدت تخريجتها الاولى في فلسطين لأسباب عديدة. لكنه للأسف أيضاً لم يعد عربياً صرفاً، إذا انه لم يعد يهدد وحدة حال كل دولة على حدة، بل إنه بات يضيف خناجر اكثر للظهر العربي المنهك بالطعنات. فالمؤسسة العربية الوحدوية، على فشلها، لم تشهد انقساما كهذا منذ عقود.
إن نتائج ما يحدث في مصر ستجلب معها الكثير من التغير في الإقليم العربي المضطرب وربما إذا نجح الجيش المصري في إنهاء حالة الفوضى في الشارع أن يشجع نظيره التركي واحزاب المعارضة التركية للإطاحة بأردوغان عبر تجديد المظاهرات ضده. 
اما الإخوان فيبدو انهم اختاروا نفس خيارهم السابق بالتصادم مع الدولة، اما نتائج ذلك فهي ستكون مرهونة بكيفية تطور الامور. المؤكد ان ثمة إرهاصات جديدة يمكن لمصر الجديدة عبرها ان تعود إلى قيادتها للإقليم، القيادة التي فقدت يوم اختارت ان تذهب وحيدة في علاقتها مع إسرائيل.