خبر : آفاق التغيير في مصر ومنها.. طلال عوكل

الإثنين 19 أغسطس 2013 11:34 م / بتوقيت القدس +2GMT
آفاق التغيير في مصر ومنها.. طلال عوكل



ابتداءً لابد من الاعتراف من أن المشاهد التي تعم كافة أنحاء مصر العزيزة، تدمي القلوب، وبأنها لا تسر شقيقاً أو صديقاً، لكن المأمول أن تكيد أعداءً من حيث كونها جزءاً من الثمن الذي يدفعه المصريون، وتدفعه الأمة العربية، لإعادة صياغة مصر من جديد، نحو أن تستعيد عافيتها ودورها الوطني والقومي.

نحن، الفلسطينيين، من أكثر الشعوب، وربما أكثرها تأثراً سلباً أو إيجاباً، بما يجري في قلب الأمة العربية ورافعتها الأساسية، ولا يتسع المقام لمراجعة الدور القومي لمصر خلال الثلاثين عاماً التي سبقت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، وما تلاها، وهو دور بالإجمال سلبي، وبغض النظر عن التفاصيل، فإن هذا الدور السلبي، كان واحداً من الأسباب التي أدت إلى اندلاع الثورة.
أصحاب التجربة السياسية، والمفكرون والقارئون لفصول التاريخ الإنساني، كانوا يدركون منذ اندلاع الثورة، أن ما يجري في أرض الكنانة، يندرج في سياق التطورات التاريخية الضخمة، وأن عملية التغيير، في بلد كمصر، تتطلب تضحيات ضخمة وتستغرق وقتاً قد يطول، وأن لا شيء ثابت.
مصر اليوم، تعيد صياغة ذاتها، وتولد من جديد، لكنها وهي تفعل ذلك، إنما تعيد صياغة أوضاع الأمة العربية بكليتها، بل ومن المرجح أن تقدم إسهاماً كبيراً وأساسياً، في إعادة صياغة الأوضاع والعلاقات الدولية، ومصالح الآخرين في المنطقة.
على المستوى النظري، لابد من القول إن الأزمة المالية والاقتصادية، التي عصفت بالعالم الرأسمالي منذ أكثر من أربع سنوات، هذه الأزمة من النوع البنيوي، التاريخي، التي لا تنتهي بدون آثار عميقة على المنظومة الرأسمالية، وعلى منظومة العلاقات الدولية.
إن التدقيق في مجريات الأحداث الدولية خلال السنوات الأخيرة، يكشف على نحو من الوضوح، أن العلاقات الدولية، لم تعد تعطي الولايات المتحدة، مكانة ودور الدولة المتفردة. لقد غادر العالم للتو نظام القطب الواحد، نحو نظام متعدد الأقطاب، وذلك بالرغم من المقاومة التي تبديها الولايات المتحدة، عبر تحالفات واسعة وعميقة مع شقيقاتها رأسماليات أوروبا الغربية.
من هنا تأتي عظمة الدور الذي نعول على أن تنهض به مصر الجديدة، فما يجري لمصر وفيها، لا يروق لدول الهيمنة الاستعمارية، التي باتت تدرك أن استعادة مصر لدورها، وهيبتها، وسيادتها وكرامتها، واستقلاليتها، من شأنه أن يفرض معادلات مختلفة، تؤدي في نهاية المطاف، إلى مغادرة منطق الهيمنة الاستعمارية، هذا المنطق الذي يخضع مصالح الآخرين لمصالح الدولة الأميركية وحلفائها.
كان واضحاً أن هجمة الدبلوماسية الأميركية والأوروبية على مصر بعد ثورة الثلاثين من حزيران المنصرم، كانت تعبيراً عن حالة القلق الشديد الذي تسود الدول الرأسمالية، وكانت أيضاً محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أو على الأقل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وفي موازاة تصاعد الأحداث الداخلية، وتصاعد حالة الاستقطاب والصدام الداخلي في مصر، تجري عملية استقطاب خارجي، وعربي، وإقليمي ودولي. بعد يوم واحد من فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، كانت تركيا قد دعت مجلس الأمن إلى جلسة رسمية، لم يصدر عنها قرارات مهمة، لكنها كانت إشارة إلى البدء بتدويل أوضاع مصر.
تلت ذلك الاجتماع، وسريعاً، محاولة أخرى لدعوة مجلس الأمن، لكنها لم تنجح، ولكن بدون أن يغلق الباب أمام مسألة التدويل. من بين ردود الفعل الدولية والإقليمية، يلفت النظر، تصريح مبكر لأمين عام حلف الأطلسي، عبر من خلاله عن قلقه إزاء ما يجري في مصر.
مثل هذا التصريح ينطوي على غرابة، فهو عدا سرعة صدوره، فإنه يصدر عن شخص غير سياسي، الأمر الذي يكشف عن نوايا خبيثة لدى الدوائر الرأسمالية.
في الواقع فإن ردود الفعل الأميركية والأوروبية إزاء ما يجري في مصر، تشير إلى حالة من الصدمة، والارتباك، الذي قد يدفع هذه الأطراف لاتخاذ مواقف وسياسات وإجراءات، تدفع مصر دفعاً نحو التحول في علاقاتها الدولية والإقليمية.
إن إصرار هذه الدول على مناكفة مصر وتصعيد انتقاداتها وعدائيتها، من شأنه أن يوفر فرصة لتقدم كل من روسيا والصين، نحو تنشيط وتحسين علاقاتها بمصر، الأمر الذي ينقل المنطقة نحو أن تكون ميداناً لحرب دولية باردة.
ما يزيد وضع الدول الرأسمالية إرباكاً ويسقط بيدها، الموقف الحازم الذي أعلنه خادم الحرمين الشريفين دعماً لمصر، هذا الموقف الذي جاء مباشرةً بعد تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما، والذي يفهم منه المرء، على أنه رد سريع على الموقف الأميركي، والموقف الأوروبي.
الموقف السعودي الذي يتخذ طابعاً سياسياً وعملياً، حيث قدمت السعودية لمصر خمسة مليارات من الدولارات، وبعد الموقف الذي أعلنه العاهل السعودي، بإرسال ثلاث مستشفيات ميدانية، هذا الموقف شكل مقدمة لبلورة موقف عربي، يتبلور، نحو أن يكون موقف غالبية الدول العربية.
لقد حظي الموقف السعودي، بمباركة ودعم كل من دول الخليج، ما عدا قطر التي انفردت بموقف معاكس، وعمان، التي لم تعلن موقفاً، بالإضافة إلى الأردن، وليبيا، ودولة فلسطين، والباب مفتوح أمام المزيد من الدعم العربي لصالح النظام الانتقالي في مصر.
من خلال لوحة التناقضات سواء الداخلية في مصر أو الخارجية، يتضح أن ما يجري في مصر، يضع أسفيناً قوياً في المخططات الإمبريالية التي تستهدف تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد، الذي يحيل المنطقة إلى فسيفساء على غرار مؤامرة سياكس بيكو.
في مطلق الأحوال فإن العجلة لن تقود إلى الوراء، وحتى لو أن الإدارة الأميركية والحلفاء الأوروبيين تداركوا الأمر، واستعادوا التوازن في مواقفهم، فإن مصر الجديدة لن تكون مصر التي كانت، لا فيما يتعلق بدورها العربي والإقليمي، ولا إزاء علاقاتها بإسرائيل، أو علاقاتها بأطراف القوة الدولية.
ويتضح أيضاً أن استمرار حالة الصراع الداخلي في مصر، ستترافق مع تحولات أخرى، ونحو تعميق مجريات وسياقات التغير الإقليمي والدولي في غير ما تشتهي الدول الإمبريالية التي عليها أن تودع زمان هيمنتها واحتكارها للمصالح والنفوذ.