خبر : الحسم في معركة طال انتظارها ويطول أمرها ...بقلم: طلال عوكل

الخميس 15 أغسطس 2013 09:48 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الحسم في معركة طال انتظارها ويطول أمرها ...بقلم: طلال عوكل



لا يمكن أن يكون وطنياً أو قومياً حقيقياً، كل من يغتبط لمشاهد الدم والدموع، والدخان والفوضى التي تشهدها بعض ميادين مصر. صحيح ما قاله أحد المعتصمين في "رابعة العدوية"، في أن ما يجري هو معركة غير متكافئة، وهو يعتقد بالطبع، أن موازين القوى فيها ليست لصالح جماعة الإخوان ومؤيدي عودة الرئيس المعزول محمد مرسي.

هنا يبرز السؤال التالي: لماذا تغامر أية قوة سياسية أو جماعة، بخوض معركة غير متكافئة، والخسارة فيها مؤكدة؟ في الواقع ثمة ما يدعو للاعتقاد، بأن السياق الذي اتخذته الأحداث بعد ثورة الثلاثين من يونيو، كان سيؤدي بالضرورة، إلى مرحلة من الاشتباك والفوضى، طالما اعتقد الإخوان أن بإمكانهم أن يعيدوا الأمور إلى ما كانت عليه قبل عزل الرئيس محمد مرسي.
يتضاعف الخطأ إذا كانت الحسابات السياسية، تنطوي على مراهنات لا يزكيها واقع الحال، سواء أكان ذلك المراهنة على انشقاقات في المؤسسة العسكرية أو الأمنية المصرية، أو إن كان ذلك من خلال المراهنة على تدخلات أجنبية تسمح بتكرار المشهد السوري.
إن من يتابع الشأن المصري، ونظن أن الكل يتابع، سيلاحظ أن ما يجري منذ شهرين تقريباً، أي منذ ثبات المعتصمين في "رابعة العدوية والنهضة"، هو عبارة عن حرب استنزاف، بوسائل مختلفة، بما في ذلك استخدام العنف المسلح كما يظهر على الأقل في جبهة سيناء، بدون أن نستثني حالات عنف في عدد من المحافظات المصرية.
الحساب السياسي القائم على أساس المصلحة الوطنية المصرية، دولةً ومجتمعاً، كان سيصل إلى استنتاج سريع، بأن استمرار الحال على حاله، واستمرار تصاعد العنف، والكراهية، لفترة أطول، سيؤدي إلى تحطيم هيبة الدولة، وتعريض سيادتها، وإقليمها للخطر، وسيؤدي إلى اندلاع كل أنواع الصراع بما في ذلك الديني والطائفي والسياسي والثقافي والاجتماعي.
في مثل هذه الحالة، فإن الكل خاسر، حتى الرابح سيكون خاسراً، لأن الثمن سيدفعه الشعب المصري، وإمكانات الدولة المصرية، ودور ومكانة مصر، الأمر الذي يشكل الموقف منه معياراً لمدى وطنية القوى المنخرطة في الصراع.
كان من المعلوم تماماً أن الأمور ستنتهي إلى ما انتهت إليه يوم أمس، إذ لا يمكن لإدارة الوضع الانتقالي في مصر، من أن تتابع طريقها وفق الخارطة التي وضعتها، فضلاً عن أن الصدام قادم، طالما افترقت الأجندات والأهداف، إلى الحد الذي فشلت فيه كل المحاولات لتقليصها.
لقد بذلت قوى دولية كبيرة وكثيرة وقوى عربية أيضاً، جهوداً مضنية ومكثفة من أجل تحقيق مساومة مقبولة للطرفين، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل. ثم إنه طال الوقت أمام القوى الداخلية ومنها مؤسسة الأزهر، من أجل تحقيق المصالحة، أو إطلاق حوار إيجابي، يضمن تجنب مصر الانزلاق نحو التصادم والعنف، لكن هذه المحاولات أيضاً فشلت وبالتالي أصبح السؤال هو: إلى متى كان الإخوان سيستمرون في اعتصاماتهم، وما هي أهدافهم من وراء ذلك؟
وبالمقابل إلى متى يمكن للإدارة القائمة ولمؤسسات الدولة السيادية أن تصبر؟ في الواقع، فإن موازين القوى الداخلية والخارجية، لا تسمح بالاعتقاد بأن استمرار الاعتصامات والفوضى والعنف، كان سيؤدي إلى تراجع الإدارة السياسية الانتقالية أو رضوخها، بما يسمح بعودة الرئيس المعزول إلى كرسيه.
إن مثل هذا الاعتقاد ليس أكثر من وهم يراود أصحابه، فمن بيده القوة العسكرية والأمنية والشعبية، والدعم الخارجي، أو على الأقل التفهم الخارجي، لا يمكنه التراجع، وإلا لما قام بما قام به أصلاً.
من الناحية الأخرى، فقد أبدت جماعة الإخوان إصراراً غير مفهوم على أهدافها التي تقضي بعودة الأمور بهذا الشكل أو ذاك، إلى ما كانت عليه قبل الثلاثين من يونيو/ حزيران الماضي، ولأنها تدرك أبعاد الصراع الجاري على مصر والمنطقة، فإنها ستختار وقد اختارت خوض المعركة حتى النهاية، مهما كانت باهظة التكاليف.
هذا يعني أن المعركة لم تبدأ، أمس، عندما بادرت قوات الأمن إلى فض اعتصامي النهضة ورابعة العدوية، وإنما سبقتها أحداث كثيرة وبعضها أحداث دموية كانت ستضع الإدارة الجديدة أمام قرار حاسم بشأن كيفية التعامل مع هذه الأوضاع.
وبعيداً عن الأهواء الشخصية والميول الذاتية، فإن فض اعتصام النهضة بالسرعة التي تم فيها، وبأعداد الضحايا من الطرفين، يشير إلى أنه لا يمكن لجماعة الإخوان أن تصمد طويلاً في هذه المعركة، الأمر الذي يشجع الإدارة الجديدة على المضي قدماً وبحسم أكبر، على أن فض اعتصامي النهضة ورابعة العدوية لن يكون نهاية الطريق، بل هو محطة محورية نحو توسع المعركة وتعدد أشكال خوضها، ووسائلها إلى مختلف المحافظات المصرية، فالطرفان قررا خوض المعركة، كل لأسبابه، وكل وفق رؤيته وأهدافه.
بعد الذي جرى يوم أمس، في ميداني النهضة ورابعة العدوية، يكون الحوار قد انتهى، فالدم يستدعي المزيد منه، وحجم الاعتقالات في صفوف قيادات وكوادر جماعة الإخوان، لا يترك مجالاً للحوار، خصوصاً وأن القضاء هو سيد الكلمة فيما يتصل بالمعتقلين، الأمر الذي لا تستطيع معه الحكومة الانتقالية من التدخل، بالقدر الذي يمكن الجماعة من إعادة ترتيب أوضاعها.
في هذه المعركة المفتوحة، لم يعد الحديث مجدياً عن مدى مسؤولية هذا الطرف أو ذاك عن استخدام العنف، وعما إذا كانت قوات الأمن قدمت عدداً من الضحايا، على أيدي أفراد من الجماعة، أو غير ذلك من الادعاءات.
وفي هذه المعركة المفتوحة يخطئ مرةً أخرى من يعتقد بأن مصر يمكن أن تتحول إلى سورية أخرى، أو أن ثمة إمكانية لتدخلات دولية ذات جدوى، ومثل هذه التدخلات لن تتجاوز حدود التعليق وإبداء القلق، أو حتى الإدانة أو التعاطف مع هذا الطرف أو ذاك، فكل هذا لا يندرج في سياق حسابات المعركة الجارية.
المعركة مفتوحة، وفاتورة الثمن لا تزال مفتوحة أيضاً، والأيام المقبلة مفتوحة على المزيد من التصعيد، الذي يأكل من اللحم المصري الحي، ولا نملك إلا الدعاء لمصر وأهلها، كل أهلها بغض النظر عن انتماءاتهم وميولهم.