بينما كان الرئيس محمود عباس، يستقبل المبعوث الأميركي الجديد للسلام في الشرق الأوسط، مارتن انديك، أعلنت إسرائيل خطة جديدة لبناء 793 وحدة استيطانية جديدة، يبدو أن أحداً لم يرغب في إزعاج المجتمعين، عباس وانديك، إذ انهما أبلغا بهذه الخطة الاستيطانية الجديدة بعد انفضاض الاجتماع الذي وصف بأنه كان ودياً، صائب عريقات الذي حضر الاجتماع، قال للإذاعة الإسرائيلية إنهم علموا بهذا الأمر بعد أن انتهى الاجتماع، وإلاّ لكان قد بحث الأمر أثناء الاجتماع المذكور والذي عقد قبل ثلاثة أيام من الجولة الأولى للمفاوضات في القدس المحتلة برعاية مارتن انديك، علماً أن هذه الخطة كانت في سياق خطط عديدة سبقتها وتلتها، أي أن العملية الاستيطانية كانت ولا تزال متواصلة، لكن الإعلان عن الخطة المشار إليها، نظر لها باعتبارها الطريقة الأكثر وقاحة في استفزاز وابتزاز الجانبين، الأميركي والفلسطيني، إذ ليس هناك من تفسير لتعمد صدور هذا الإعلان عن الخطة المشار إليها أثناء اجتماع عباس ـ انديك، سوى أن حكومة نتنياهو توجه رسالة واضحة بأن الاستيطان هو الشرط الأساسي لاستمرار العملية التفاوضية، بعد أن كان الاستيطان، معيقاً لاستئنافها، قبل أن يتراجع الموقف الفلسطيني، الذي قايض الاستيطان، بالإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين الذين كان ينبغي الإفراج عنهم بعد اتفاق أوسلو مباشرة!!
رئيسة الجانب الإسرائيلي المفاوض، تسيبي ليفني وزيرة العدل في حكومة نتنياهو، وفي مجال تعليقها على الموقف الأوروبي بشأن عدم التعامل مع منتجات المستوطنات قالت إن الحدود ستحدد من خلال المفاوضات، لا وفقاً لرؤية الاتحاد الأوروبي، غير أن الأمر ليس كذلك من قبل وزراء حكومة نتنياهو المتشددين، إذ برّر هؤلاء الهجمة الاستيطانية المسعورة خلال الأسبوع الأخير لما قبل المفاوضات، بأن الاستيطان في المناطق المشار إليها في الضفة الغربية والقدس المحتلة، ما هو إلاّ تأكيد لحق أصيل لإسرائيل في أن تبني وتستوطن في كل المناطق داخل "حدودها" خاصة وأن هذه المناطق، ستبقى في إطار حدود دولة إسرائيل مع أية تسوية يمكن التوصل إليها، أي أن إسرائيل قد وصلت مثلاً إلى نهاية المفاوضات كونها قد رسمت "حدودها" قبل أن تبدأ العملية التفاوضية التي من وجهة نظرها ما هي إلاّ وسيلة للتوقيع ولتشريع الأمر الواقع باتفاق نهائي!!
في السابق، كانت الآلة السياسية الإسرائيلية، تسرب بعضاً من خططها الاستيطانية والسياسية عَبر وسائل الإعلام، لكن في الوقت الراهن، لم يعد الأمر كذلك، ولم تعد حكومة نتنياهو بحاجة إلى أي تسريب، كون وزراء هذه الحكومة أخذوا على عاتقهم الإعلان عن الخطط السياسية والاستيطانية بشكل مباشر. وزير الإسكان المعني بخطط الاستيطان أعلن أنه قبل أن يصوت لصالح الإفراج عن 104 أسرى فلسطينيين، مقابل تعهد واضح من نتنياهو، بفتح باب الاستيطان على مصراعيه في كل "أرض إسرائيل"، خاصة في مدينة القدس المحتلة، وهذا ما يفسر هذه الهجمة الاستيطانية الواسعة خلال الأيام القليلة الماضية والتي لا تزال مستمرة على وقع استئناف العملية التفاوضية وبرعاية المبعوث الأميركي للسلام مارتن انديك نفسه.
صحيفة "معاريف" وضعت النقاط على الحروف بهذا الشأن، فقد نقلت عن مسؤول أميركي رفيع [أن خطوات البناء الاستيطانية بالتوازي مع المفاوضات، يجري تنسيقها مع الإدارة الأميركية التي وافقت على "التسليم" ببناء مكبوح مقابل تحرير الأسرى الفلسطينيين، وذلك لضمان وحدة ائتلاف حكومة نتنياهو] ويأتي هذا التسليم للرؤية الإسرائيلية من قبل الإدارة الأميركية، في تجاهل تام، لما تحدثه العملية الاستيطانية بموازاة العملية التفاوضية من تفسخ في الساحة الفلسطينية، إذ يبدو أن الإدارة الأميركية ضامنة تماماً بأن ردود الفعل الشعبية والفصائلية، ستظل محدودة في إطار الشجب والندب والتنديد، ولم يكن هناك أي حرص أو أية مخاوف من تفسخ الحال الفلسطينية، ما يؤكد أن أبو مازن هو "شريك قوي" في العملية التفاوضية إذ إن المعارضة الفلسطينية لهذه العملية، ستظل في إطار محدود لن يؤثر على مجرى المفاوضات، وبكل أسف، فإن هذا صحيح تماماً!!
وقبل 24 ساعة من بدء المفاوضات في القدس المحتلة، صدرت إشارات من الجانب الفلسطيني بمراجعة موقفه من هذه المفاوضات على ضوء الطريقة الوقحة التي أعلنت من خلالها حكومة نتنياهو خططها الاستيطانية، غير أن إسرائيل على الأرجح تعلم تماماً أن ليس بمقدور القيادة الفلسطينية التراجع، حتى لو أرادت، ذلك ان هذه القيادة أو حتى بأن الإفراج عن عدد من الأسرى، يعتبر إنجازاً عظيماً وهي ليست في وارد مزيد من الاحباط لدى جمهور فلسطيني واسع ينتظر بلهفة الإفراج عن هؤلاء الأبطال، ولا نعتقد أن القيادة الفلسطينية التي تورّطت في هذه المفاوضات المجنونة، بإمكانها وفي اللحظة الأخيرة، مصادرة حق أهالي الأسرى وكل الشعب الفلسطيني في لقاء أحبتهم الذين حجبتهم السجون الإسرائيلية لعقود طويلة!!
Hanihabib272@hotmail.com – www.hanihabib.net


