خبر : حملات التخويف من الإسلاميين:بين التجني والمشروعية..د. أحمد يوسف

الأربعاء 14 أغسطس 2013 09:05 م / بتوقيت القدس +2GMT
حملات التخويف من الإسلاميين:بين التجني والمشروعية..د. أحمد يوسف



هناك أكثر من سؤال يطرحه كل من يشاهد أو يتابع الحملة الإعلامية المسعورة للتشهير بالإسلاميين وبحركة الإخوان المسلمين؛ كبرى الحركات الإسلامية في العالم, وبشهادة الخصوم قبل الأصدقاء.

إذا راجعنا تاريخ حركة الإخوان المسلمين فسنجد أننا أمام حركة قادت نضالات الشعوب ضد الاستعمار والدكتاتورية، وتعرض العديد من قياداتها الفكرية وكوادرها الميدانية للقتل والتعليق على أعواد المشانق في أكثر من بلد عربي في الخمسينيات والستينيات والثمانينيات, كما أن دعاتها ومفكريها وعلماءها وشبابها تمت ملاحقتهم واضطهادهم والزج بهم في غياهب السجون والمعتقلات لسنوات طويلة, كما ظلت أجهزة الأمن في وطننا العربي الكبير لا همَّ لها على مدار أكثر من ستة عقود إلا توجيه سهام الاتهام لهم واستهدافهم بكافة أشكال الأذى, حيث أذاقوهم من صنوف العذاب ألواناً.


نحن كنَّا جزءاً من هذا الصرح الإخواني العظيم, ولكن أنا وجيلي لم نتعرض للأذى الذي لحق بمن سبقونا, ولكنا كنَّا شهوداً عليه, ونعبر عن احتجاجاتنا بالكلمة الغاضبة أحياناً، وبالدعاء لهم حيناً آخر: "اللهم إِهدِ قومي فإنهم لا يعلمون", وكنا نرى بأمِّ أعيننا يد المنتقم الجبار وهي تُنزل عقابها على هؤلاء وأولئك من المستبدين والظالمين.


لقد أصاب الإخوان المسلمين ما أصابهم، ولحق بهم أذى السلطات الحاكمة في أكثر من بلد عربي، وكان الصبر موطنهم، واحتسبوا جراحاتهم، وبلعوا نصال من بغى عليهم، حرصاً على كرامة أوطانهم, واصطفوا مدافعين عنها بكل عزّةٍ وكرامة واباء.


إن الذي يقرأ ويسمع أو يشاهد حملات التحريض على الإخوان المسلمين – اليوم - يعتقد أنهم ابليس اللعين أو الشيطان الرجيم, وهم الذين ما عهدناهم إلا ركَّعاً سُجَّدا،يعملون آناء الليل وأطراف النهار لهداية مجتمعاتهم، والأخذ بيد الشباب حتى لا يصلوا إلى حالة نقول فيهم: "شبابٌ خُنّعٌ لا خير فيهم"، بل الارتقاء بحالهم الى مستوى القول: "وبورك في الشباب الطامحينا"؛ أي أصحاب الهمة العالية المتوثبين للعمل والتضحية والفداء.


لقد كانت بذاءة القول التي تجرى على ألسنة البعض لا تُفهم ولا تطاق، وخاصة لمن كُنّا نقرأ لهم ونحترمهم من مفكري التيارات الليبرالية واليسارية, وحتى بعض الشخصيات السياسية المحسوبة على التيار الناصري أو القومي.. لقد فقد الجميع صوابه, ونسي البعض مهنيته وأخلاقه في ظل عطايا وأجندات أصحاب المال والأعمال، أولئك الذين نهبوا البلاد وعاثوا فيها الفساد, وانسياق البعض الآخر وراء تعصب أيديولوجي لتصفية حساباته مع أصحاب التيار الإسلامي.. لقد بنى البعض تحالفات غير نزيهة مع مكونات الدولة العميقة للإجهاز على التيار الإسلامي؛ باعتبار أنه التيار الأقوى جماهيراً والأطهر يداً والأعلى قامة، والذي يمتلك فرصاً أفضل للوصول إلى سدّة الحكم أو احتضان صدارة المشهد السياسي.


وإذا كُنّا نعلم أبعاد الحملة المسعورة التي شنتها أجهزة الإعلام المصرية - وخاصة غير الرسمية منها - على حركة الإخوان المسلمين ونظام الرئيس مرسي، باعتبار أنها محاولة مبيتة وأمر دُبّر بليل، لقطع الطريق أمام الإخوان المسلمين من الوصول لوضعية التمكين، والتي - لو تحققت - سوف تفتح لهم المجال لحكم مصر لعدة عقود قادمة.


وبالرغم من فهمنا - أيضاً – لتعقيدات الحياة السياسية والمجتمعية, والظروف المعيشية الصعبة التي تمرُّ بها قطاعات كبيرة من الشعب المصري, والتي تستدعي تحركات واسعة لاستنهاض الاقتصاد المصري, وتطهير مؤسسات الدولة من عفن الفساد المستشري في كل أركانها منذ العهد البائد, إلا أن مخطط التآمر لضرب الثورة والالتفاف على النظام الجديد ذي الملامح الإسلامية، قد شاركت فيه الكثير من القوى الليبرالية واليسارية التي اعتقدت أنها ستخرج من مولد الربيع العربي بلا حمص.. ولذلك، وضعت يدها بيد الشيطان لتسريع اسقاط نظام الرئيس مرسي، مستعينة بالماكينة الإعلامية التي تديرها وتشرف عليها شخصيات تنتسب لتلك التيارات المؤطرة سياسياً والمؤدلجة فكرياً.


لكل ذلك، بدأت ماكينة الدعاية الإعلامية في ضخ الأكاذيب وتشويه حقائق التاريخ، وممارسة الأفك السياسي لتجريم الإخوان المسلمين وتصويرهم وكأنهم أعداء الأمة, والقوة التي تدور في فلك السياسة الغربية، وخاصة الأمريكية منها..!!


لقد كنت أحياناً اتابع بعض البرامج السياسية، وانصت - بألم وحسرة - إلى ما يُقدم من نقاشات وتحليل كان الهدف من ورائها هو شيطنة حركة الإخوان المسلمين, ونعتها بأقذع الصفات, وتصويرها – أحياناً - بأنها حركة عميلة أو صناعة انجليزية.!! اليوم؛ فإن الاتهامات للإخوان المسلمين - في طبعتها المعدلة – بأنها حركة متواطئة مع الأمريكان أو تدور في فلك السياسة الأمريكية, وليس لها أي مشروع أممي إلا حكم مصر أو ما يطلق عليه البعض "أخونة الدولة" ..!!


وحتى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي حاول البعض اللمز به من طرف خفي، وتصويره وكأنه جهاز يرصد ويتربص ويحرك الأحداث، وهو في الحقيقة لا يتدخل في خصوصيات الدول وأشكال التغيير والتجديد فيها، بل معظم اهتماماته تنصب حول كبرى قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل.. والتنظيم يقدم – أحياناً - نصائح للحركات الإسلامية التي تشهد بلدانها اضطرابات سياسية وأمنية، باعتماد سياسة تهدئة الخواطر وتوخي الحذر وعدم الانجرار وراء سياسة الاستدراج القاتل، والابتعاد عن كل ما يعتبر توريطاً للإسلاميين على خلفيات الصراع على الحكم أو التنافس عليه. ومن معرفتي بالكثير من قيادات هذا التنظيم، فإنهم من أكثر حكماء الحركة الإسلامية وعقلائها، وهم دائماً يمثلون صوت الاعتدال والعمل بسياسة "ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة".


لقد رصدت الكثير من المقالات داخل ساحاتنا الفلسطينية والتي تفتقد كتابتها للموضوعية، وتنتهج أسلوب التحامل ولغة التحريض وتزييف الحقائق وطمس صفحات التاريخ، وهي تحاول من وراء ذلك تصفية حساباتها مع حركة حماس، من خلال المشاركة بمساهماتها الصحفية التي تنضح جهلاً في حملات منظمة للتشهير بحركة الإخوان المسلمين والرئيس المعزول محمد مرسي.


ثوب الرياء يشفُّ عما تحته


قد تكون الإشارة لبعض العناوين كافية لفهم أجندة تلك الحملات، والتي يظن ساداتهم وكبراؤهم من وراء هذا التضليل إمكانية إخراج الإخوان المسلمين من حلبة السياسة، لكي يخلو لهم الجو لمعاودة النهب والسلب والفساد واستعباد كل من طأطأ الرأس من العباد، ووضع نيرها في رقاب كل من تسول له نفسه من الإسلاميين الوصول لحكم البلاد.


ويمكننا هنا تناول عناوين بعض المقالات – دون ذكر أصحابها - والتي جاءت في سياق تلك الحملة المحمومة على الإخوان المسلمين وحركة حماس، ومنها: (جنون حماس... والمسؤولية الوطنية)، (أسئلة السقوط التاريخي للإخوان)، (حاضر الإخوان ومستقبلهم)، (دفاعاً عن المقاومة.. لا عن حماس)، (لو كنت مكان الإخوان)، (حركة حماس على مفترق طرق)، (لماذا يجب عقد مصالحة مع "الجماعة" ؟!)، (الإخوان المسلمون في مصر: شيخوخة تصارع الزمن)...الخ


إنني كإسلامي يمكنني تقبل إشارات البعض بأن الإخوان قد أخفقوا في إدارة شئون البلاد أو أنهم لم يتمكنوا من تخطي أزماتها الاقتصادية وتوفير الأمن والحماية للمواطنين أو أنهم لم يكن لديهم الأهلية لإدارة شئون الحكم ولم يحسنوا التعامل مع المجتمع الدولي أو... إلخ.


ولكن الطريقة التي أدارات فيها تلك الجهات معركتها مع الإسلاميين بتفريغ أحقادها ونبش مخزون العداء والكراهية، والطعن بكل ما يمتُّ بصلة للإخوان المسلمين، فهذا أسلوب ليس علمياً ولا موضوعياً, ولا يبقي للود قضية, ويعيدنا إلى سنوات الستينيات، حيث ساد منطق "يا أنا.. يا هم"..!!


لقد كنت - أحياناً - أتحمل مشاهدة بعض تلك الحوارات، وخاصة إذا توفرت في اللقاء وجهة النظر الأخرى، أي على شاكلة ما نشاهده في البرنامج الشهير "الاتجاه المعاكس" على قناة الجزيرة, أما إذا كان مقدم البرنامج وأطراف الحوار من لونٍ واحد ومن أصحاب العزف المنفرد، وجدت نفسي أشعر بحاجة للتقيؤ لحجم الأفك وقسوة الأكاذيب.


الإخوان صفحات من الطهارة والجهاد


إن حجم الهجمة التي تعرض لها الإخوان المسلمون في وسائل الإعلام، وبأقلام محسوبة على التيارين الليبرالي واليساري وبعض الأكاديميين، الذين تمَّ شراء أقلامهم وألسنتهم ليجعلوا منها سهاماً تُسلط على أطهر جماعة خدمت المشروع الوطني في وطننا العربي منذ منتصف القرن الماضي وحتى الآن؛ جماعة حرصت على توعية جماهير الأمة واستنهاضها للقيام بواجبها تجاه التخلص من الحالة الاستعمارية أو القابلية لها, وحملت السلاح وقاتلت المحتل الغاصب في أكثر من بلد عربي, كما كانت مناصرتها لحركات التحرر الوطني في شمال أفريقيا، وخاصة في الجزائر والمغرب وتونس، وفي مشاركتها بالمتطوعين من رجالها للوقوف في وجه العصابات الصهيونية في عام 48, وأيضاً في تقديم كافة أشكال الدعم الإغاثي والإنساني للفلسطينيين، وفي حشد وتعبئة الأمتين العربية والإسلامية لنُصرة القضية الفلسطينية ووضعها على خريطة أولويات السياسية والدينية؛ باعتبار أنها القضية المركزية لكل الشعوب العربية والإسلامية بالمنطقة.


إننا نحن الفلسطينيين ندين لحركة الإخوان المسلمين بإبقاء جذوة القضية حيَّة في عقول ووجدان أبناء أمتنا العربية والإسلامية, ونشهد شهادة نلقى بها وجه الله أن حركة الإخوان المسلمين كان لها الفضل فيما أنجزناه كحركة حماس على طريق مشروعنا الوطني في التحرير والعودة.


إن حركة الاخوان المسلمين اليوم هي من أوسع الحركات الإسلامية انتشاراً وتنظيماً في العالم, ولها كيانات وأنصار في كل مكان, كما أن تحركاتهم في العواصم الغربية نُصرة لقضايا الأمة؛ وعلى رأسها القضية الفلسطينية، تشهد لهم بأنهم يستحقون - بجدارة - احترام وتقدير جميع الشعوب العربية والإسلامية لهم، وأن من حقهم أن يكونوا منافسين على صدارة المشهد السياسي، وضمن تحالفات تتحقق معها الشراكة السياسية.. من هنا، فإن الحقيقة التي لا يمكن تغطيتها بغربال، هي أن الفضاء المفتوح - اليوم - للتعددية السياسية في معظم دول العالم، يسمح للجميع بالتنافس الحزبي من خلال صناديق الاقتراع وعلى أرضية التداول السلمي للسلطة، بدون اقصاء أو تهميش أو إلغاء تحت دعاوى حظر الأحزاب ذات الخلفية الدينية.. اليوم، هناك في أوروبا الكثير من الأحزاب التي تجمع في رؤيتها لشئون الحكم بين الدين والسياسة، وهي التي كانت تحظر - لعهد قريب - في أنظمتها عملية الجمع بين الكنيسة وممارسة السياسة.


في الواقع، لقد تعرض الإخوان المسلمين لظلم تاريخي، وإن سجل الأحداث والوقائع على مدار أكثر من سبعة عقود يشي بحجم المآسي والمحن التي حلت بها.


إن للإخوان المسلمين أيادٍ بيضاء في الحفاظ على هويتنا الإسلامية والوطنية, سواء داخل بلادنا العربية أو في أوساط جاليتنا الإسلامية المقيمة في الكثير من الحواضر الغربية.


إنني أعتز بالتزامي الإسلامي وانتمائي الوطني، واشعر بفضل هذه الحركة؛ أي الإخوان المسلمين، على ما تربينا عليه من قيم وأخلاق، وما حظينا به من معرفة إنسانية ونظرةٍ خيّرة تجاه أبناء أمتنا العربية والإسلامية، والتي جعلت قيادات هذه الحركة وكوادرها تحكم سلوكياتها المبادئ قبل المصالح, والمبادرة بصناعة المعروف، كما أن الحث على التضحية والفداء من أجل حرية الأوطان وتحريرها كان لها قصب السبق في أدبياتها الفكرية وتحركاتها السياسية.


إن أجيالاً من شباب هذه الأمة تدين للإخوان المسلمين بأنهم هم من مهدوا لهم طريق الهداية وكانوا لهم بمثابة "المنقذ من الضلال".


إن صفحات الإخوان في العمل الدعوي والجهادي مشرقة؛ ففي أفغانستان كان هناك أكثر من 45 ألف شاب عربي وقفوا إلى جانب إخوانهم الأفغان يقاتلون السوفييت الذين دخلوا تلك البلاد غزاة محتلين, حيث كانت الغالبية العظمى من هؤلاء الشباب هم من كوادر الحركة الإسلامية، وكان الإخوان المسلمون هم أول من تقدم لنصرة إخوانهم في افغانستان بقيادة الشيخ الدكتور عبد الله عزام رحمه الله، ولولا تلك التضحيات التي قدمها شباب الإخوان المسلمين في أفغانستان لكن السوفييت اليوم يسرحون ويمرحون على شُطآن المياه الدافئة للخليج.


لقد حشد الإخوان المسلمون جموعهم من أجل أن تنتصر أفغانستان على الغزاة السوفييت، وكان لهم – فعلاً - ما أرادوا, حيث انسحبت جيوش الغزاة تجر أذيال الخيبة بعد عشر سنوات من "جهاد الإخوان في بلاد الأفغان".


وإذا استطلعنا نضالات شعبنا الفلسطيني خلال انتفاضاته المتعددة، فإننا سنجد أن للإخوان المسلمين سهاماً من الخير كثيرة في استمرارها والتمكين لها, فالمقاومة على أرض فلسطين والتي تمثلها حركة حماس - بشكل خاص - تدين لحركة الإخوان المسلمين في دول الجوار أو لتنظيمها العالمي بفضل احتضانها وتقديم الدعم الكبير لها.


وفي أمريكا كان لحركة الإخوان المسلمين التي تعمل تحت مظلة واسعة من الواجهات الدعوية والإعلامية والإغاثية فضل العمل على ما كنا نسميه بـ"فلسطنة الضمير الإسلامي"؛ أي جعل القضية الفلسطينية أولوية الجميع، من حيث التعبئة والحشد لها، وجمع المال وشدِّ الرحال لها، والتحرك داخل الأوساط الإعلامية والسياسية الأمريكية من أجل كسب المواقف لها، وإبقائها - دائماً - في دائرة النشاط الطلابي هي الأول والآخر والظاهر والباطن.


إن الذين على دراية وتواصل مع جاليتنا المسلمة في أوروبا يعلمون أن الإخوان المسلمين هم من يقفون خلف معظم الفعاليات التي تجري هناك دعماً للقضية الفلسطينية، وتنديداً بالعدوان الإسرائيلي ورفع قضايا في المحاكم الدولية لإدانة قادته العسكريين، وهم الذين يعملون ليل نهار من أجل حث منظمات المجتمع المدني والبرلمانيين الأوروبيين وتشجيعهم للقيام بزيارات تضامنية لقطاع غزة، بهدف كسر الحصار، ورفع معنويات الشعب الفلسطيني وتطوير أساليبه النضالية.


إنه ليحزنني أن تكتب أقلام بعض إخواننا من الفلسطينيين الليبراليين أو اليساريين بهذه القسوة والتحريض ضد هذه الحركة الإسلامية العملاقة، وذلك من باب تصفية حسابات مع حركة حماس، باعتبارها "الابن الشرعي" لتلك الحركة، وبصيغة التذاكي وتوصيل رسالة مفادها: "إياكِ أعني وافهمي يا جارة".


انتقادات مشروعة


نحن في الحركة الإسلامية لا ندعي الطهارة المطلقة، ولا نزعم أننا مبرأون من كل عيب، فنحن لنا أخطاء وارتكب بعضنا – جهلاً – بعض الخطايا، ونحن لا نركب رؤوسنا مكابرة ولا نحتاج لدفنها في الرمال، حيث إن "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون".. نحن لا نتمترس خلف عندِّياتنا، بل لنا مراجعات وحوارات نعيد معها عملية التموقع وتصويب المواقف، ونميل في سياساتنا – وبحسب قواعد الدين الحنيف - إلى لغة كسب العقول والقلوب، وذلك من خلال مفرداتنا السلوكية التي نتعاطى بها مع الآخر بمنهجية "لا تثريب عليكم اليوم"، و"يغفر الله لي ولكم"، و"اذهبوا فأنتم الطلقاء" في التعامل مع أبناء جلدتنا وإخواننا في الدين والوطن، كما أن مساحات الرغبة في العمل المشترك ضمن شركات سياسية وتوافق وطني كبيرة لدينا، وأن استعداداتنا اليوم عالية لتكييف وتكثيف علاقاتنا السياسية والمجتمعية مع الجميع، من أجل تعزيز وحدتنا الوطنية، وتصليب مواقفنا النضالية لحماية مقدساتنا والحفاظ على هيبة أمتنا الإسلامية والعربية.


إن الإخوان المسلمين ليست حركة فوق النقد، ولقد سبق لمفكرين إسلاميين من أبناء الحركة أن وجهوا لها - منذ الثمانينيات - الكثير من الانتقادات، أمثال: الدكتور خالص جلبي من سوريا، والدكتور عبد الله النفيسي من الكويت، والدكتور فتحي عثمان والدكتور جمال الدين عطية من مصر، والدكتور عبد الحميد أبو سليمان من السعودية، وآخرين من لبنان والسودان والجزائر والمغرب وتونس، وقد تمَّ نشر الكثير من تلك الملاحظات النقدية في إصدارات على شكل كتب أو في دوريات إسلامية.


إن هناك جملة من الانتقادات التي يمكن أن يتقبل الإسلاميون التعاطي معها والحوار حولها، والتي تدور على ألسنة خصوم التيار الإسلامي من الليبراليين واليساريين، مثل: القول بغياب الممارسة السياسية لدى قيادات وكوادر حركة الإخوان المسلمين، والشعور المبالغ فيه لدى الإسلاميين بالطهارة الوطنية والنظر للآخر بما يجرح في وطنيته وتضحياته، وهناك أيضاً داخل التيار العلماني من يتقصد التشكيك وإثارة الشبهات حول صدقية التوجهات الإخوانية نحو الشراكة السياسية وقبولهم العمل ضمن توافقات وطنية، كما أن هناك من يكرر الزعم بأن الإخوان المسلمين لا يؤمنون بالدولة المدنية ويعملون لأجل إقامة دولة دينية؛ ومن ثمَّ احتكار فهم الإسلام وتجييره لخدمة مصالحهم الخاصة، واضطهاد مواطنيهم المسيحيين..!! كما أن هناك من يتهم الإخوان المسلمين بأن لديهم شعوراً بالاستعلاء تجاه الآخر..!!


وأيضاً هناك من يتهم الإخوان المسلمين بأن ولاءاتهم لغير الوطن، وأن مشروعهم مرتبط بأجندات إسلامية خارجية.!!


لا شك بأن الذي يتابع ما تنضح به آنية الكثير من المتحاملين على الإسلاميين سيجد الكثير من السفاسف وسقط المتاع، والذي يتم ترويجه بأقلام وألسنة البعض كأنه حقائق أشبه بفلق الصبح أو الشمس في رابعة النهار.. إن هؤلاء وأولئك من الإعلاميين والمفكرين وتجار الكلام يذكرونني بما ترمي إليه معاني هذه الآية: "أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون"،إن بيت القصيد فيما سبق ذكره، هو إنهم لا يطيقون أن يشاركهم الإخوان حكم البلاد، لأنهم مردوا على النفاق والفساد وأكل أموال الناس بالباطل.


أقول لكل من يحاول الإساءة لحركة الإخوان المسلمين: حنانيك.. وتذكر أن في هذه الحياة يومٌ لك ويومٌ عليك، "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، وأعلم أن لسانك ليس طليقاً يسرح بالكذب ويجول؛ لأن "ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد"، وأن وحي القلم بيدك أمانة، حتى لا تبلغ يوماً يصبح فيه حالك أشبه بتوصيف "يوم يعض الظالم على يديه".


ختاماً: بين الوصية والرجاء


إن مبالغات العلمانيين في التخويف من الإسلاميين أغلبها غير مبررة ولا مشروعة، وإذا كان من حق الليبراليين واليساريين والقوميين أن يحكموا بلادنا لأكثر من نصف قرن، ولنا ملاحظات - لا تخطئها العين - على شكل وأسلوب حكمهم، والذي ساد فيه الظلم وقهر العباد والفقر والبطالة والاستبداد، أفليس من حق الإسلاميين – إخواناً كانوا أو سلفيين - إذا جاء بهم الصندوق الانتخابي أن تُعطى لهم الفرصة والزمن الكافي لترتيب شئون البلاد، وتطهيرها مما استشرى من الفساد، واستعادة منظومة الحكم فيها لما غاب من العدل والرشاد؟؟
أعتقد أن هذا حقٌ خالص لهم، وعلى الآخرين – من يساريين وليبراليين - الوعي بحركة التاريخ أو ما يسمى بالدورة الحضارية التي تحكم مسارات الشعوب والأوطان؛ "يومٌ لك.. ويومٌ عليك".


ولإخواني في الحركة الإسلامية – قُرَّة العين ومهجة الفؤاد – عليكم أن تتذكروا كيف كانت حسابات البعض منا وأحلامه قبل سبع سنوات مضت، وكيف هي الآن؟!!


لقد حاول البعض طهي الحصى وتسويق الأوهام، ولكن الحقائق كانت صادمة، وجاءت اللحظة التي لا بدَّ معها من الاعتراف، والقول: "الآن حصحص الحق".


إن هناك الكثير من الدروس والعبر التي علينا تعلمها والأخذ بها.. وخاصة نحن الفلسطينيين الذين تابعنا – بحماس ونشوة عارمة - حراكات الشعوب وثوراتها في أكثر من قطر عربي، وشاهدنا تداعياتها وشيئاً من مآلاتها على شعبنا وقضيتنا.. ولعليِّ – هنا - أوجز بعضاً مما أعتبره حكمة النظر لواقع كانت أحزانه - بعدما أخذتنا الفرحة - أدهى وأمَّر.. وهي باختصار كالتالي:


1) إن الشعوب اليوم لن تحكم - فقط - بأيدولوجيات حزبية، وأن تحقيق التعايش والأمن والاستقرار يفرض على الجميع أن يراعي في الخريطة السياسية معالم وتضاريس مفهوم "المشاركة لا المغالبة"؛ أي بناء نظام سياسي قائم على الشراكة السياسية والاجماع الوطني.


2) العمل بروح "شركاء في الدم شركاء في القرار"، وهذا معناه أن الكل الوطني والإسلامي يجب أن يجمعهم التوافق والانسجام في المواقف الوطنية والرؤية السياسية والخيارات الاستراتيجية.


3) إن العالم لديه تخوفات من حكم الإسلاميين؛ بعضها مبرر وأكثرها تجني وادعاءات، وهو لن يقبل بهم وحدهم لتصدر قمة الهرم السياسي، ولكن هناك تفهم في الغرب الأوروبي واستيعاب أن يكون الإسلاميون ضمن معادلة الحكم والسياسة؛ أي على شاكلة كل من حزب العدالة والتنمية في المغرب وتركيا وحزب النهضة في تونس.


4) إن هناك رفضاً – بصورة عامة – لكافة أشكال الدولة الدينية، وأن المجتمعات الحديثة تميل لدعم التحولات التي تقود لقيام أنظمة حكم في سياق ما يُعرف بالدولة المدنية.


5) إن فضاءات السياسة والحكم ستظل مغلقة في وجه التيارات التي تميل لاستخدام العنف - غير المبرر - كمنهجٍ للتغيير أو التي تمارس الإرهاب بهدف تحقيق مآرب سياسية.


6) إن الإسلاميين - ومن خلال ما تمَّ ترويجه عنهم من صور نمطية - بحاجة لفترة اختبار، لاستعادة القناعة بأهليتهم لإدارة شئون الحكم، والقبول بالتعددية السياسية وبمبدأ التداول السلمي للسلطة.


7) يجب أن تسود في أدبيات الإسلاميين لغة التعاطي مع الآخر كشريك يمكن التعامل والتحالف معه، وأن الجميع ضمن الهوية السياسية للبلاد مواطنون؛ لا فضل فيهم لمسلم على مسيحي، ولا لمسيحي على مسلم إلا بحجم التضحية والفداء، وأن الجميع أمام القانون سواء.


8) عند الفوز في الانتخابات، فإن على الإسلاميين عدم التعامل مع الحكم باعتباره غنيمة أو كأنه "مائدة من السماء" تنزلت لهم وحدهم، وعليهم أن يتوسعوا في الرزق على الآخرين؛ أي أن يذهب الشعب بالشاة والبعير (لعاعات الدنيا)، وأن يعودوا هم بثقة الناس وحبهم، والعمل – بإتقان وتفانٍ وعدل وإنصاف– بهدف الوصول لتحقيق الحكم الرشيد.


9) الابتعاد عن لغة التكفير والتخوين، وتجنب نزع الشرعية وثوب الوطنية عن الآخرين، فالسياسة ليست قوالب ثابتة وإنما أحوال متغيرة، تحكمها المصالح بشكل عام، وإن كانت القيم والمبادئ هي ضوابط لا يمكن تجاهلها أو تخطيها بأي حال.


10) إن الخطاب الوطني تحتشد خلفه كل المكونات العرقية والدينية، ولذا فإن البرنامج السياسي لأي فصيل حزبي يجب أن يراعي التنوعات الفكرية والأيدولوجية في المجتمع، وأن يتحرك وطنياً بروح الفريق الواحد.


وإذا كانت السياسة هي درجة احتراق الايدلوجيا، فإن على جميع أصحاب الأحزاب السياسية والاتجاهات الإسلامية البرهنة على جدارتهم بكسب ثقة الناخبين، واستحقاقهم في البقاء – حين الفوز - على سدَّة الحكم، من خلال قدرتهم على تطوير برامج التنمية والنهوض الاقتصادي، وعملهم على تحسين المستوي المعيشي والارتقاء بمسطرة الحريات وسجل حقوق الإنسان، إضافة لتوفير الأجواء المناسبة للتنافس الحزبي والتداول السلمي للسلطة.