قبل ثلاثة أسابيع التقيت مع قيادى إخوانى فى استراحة إحدى القنوات الفضائية وسألته السؤال التقليدى: متى تقبلون بحل وسط يجنب البلاد كارثة كبرى؟.
صدمنى الرجل بقوله إن الحل الوسط مستحيل وإن الإخوان أمامهم حلان لا ثالث لهما الأول أن يقبلوا الصيغة المعروضة عليهم الآن وهى الموت ببطء داخل السجون وبعيدا عن الكاميرات أو الموت بشرف فى الشوارع والميادين.
منذ ايام اتصل بى نفس القيادى ــ معاتبا على خبر نشرته الشروق عن مظاهرة فى دمياط يراه غير منصف ووعدته بتحرى الأمر ــ وسألته نفس السؤال ورد بنفس الاجابة.
لو أن كل الاخوان يفكرون بنفس المنطق فالمؤكد اننا نتجه إلى مأساة مروعة..
يستطيع الإخوان أن يجنبوا انفسهم ومعهم المجتمع ثمنا فادحا لو أدركوا أن ما كان لن يعود بصورته القديمة وأن غالبية المجتمع ضدهم وأن عليهم أن يتكيفوا مع الواقع الجديد حتى يعيدوا بناء انفسهم يصورة حديثة تقوم على أساس أنهم جزء من المجتمع وليس كل المجتمع وأنهم جماعة صغيرة جدا من المسلمين وليسوا كل المسلمين أو أفضلهم.
الذين يعرفون الإخوان وتعاملوا معهم عن قرب فى الفترة الأخيرة يقولون إن منطقهم البراجماتى القديم والانحناء للعاصفة الشديدة حتى تمر حفاظا على جماعتهم وتنظيمهم قد تلاشى كثيرا وبالتالى فأغلب الظن انهم مصرون على خوض مواجهة مفتوحة مع كل المجتمع.
يوم العيد قال لى أحد الذين اقتربوا كثيرا من الإخوان ــ منذ ثورة ٢٥ يناير وحتى عزل مرسى الشهر الماضى ــ إنه فوجى تماما بالطريقة التى يفكر بها الإخوان وإنهم مصرون على الانتحار الجماعى ويحاولون بكل الطرق أن يسحبوا المجتمع معهم.
الرهان على أن الإخوان سيتخلون عن منطق «كل شىء أو لا شىء» الذى يرفعونه الآن يبدو صعبا فالذين تعاملوا معهم فى الأزمة الراهنة يقولون إنهم يزاددون تصلبا. يضيف هؤلاء أنه إذا كان الإخوان منعدمى الكفاءة وهم فى الحكم فهل يمكن الرهان على أن يفكروا بمنطقية وهم ليسوا فقط خارج الحكم بل محاصرون داخل اشارة رابعة العدوية؟!
مشكلة الاخوان الآن أنهم يفكرون بمنطق خناقات الشوارع وليس بمنطق العمل السياسى.
فى خناقة الشارع يمكنك أن تفقد حياتك من اجل شىء بسيط جدا. لكن فى العمل السياسى قد تعتقد أن معك كل الحق ورغم ذلك تنزوى وتبتعد قليلا عن الواجهة إذا شعرت بأن المجتمع ضدك وميزان القوى ليس فى صالحك.
الإخوان كانوا فى أشد الحاجة إلى عقول سياسية وكفاءات ادارية عالية لكى ينجح مشروعهم فى الحكم لكن شاءت الأقدار أن يقوموا بالتجريب فى المجتمع المصرى والنتيجة أنه انقلب عليهم وعاقبهم بقسوة. الآن هم فى محنة حقيقية ويحتاجون عقولا جبارة وراشدة وعاقلة وبعيدة النظر لأن الثمن هذه المرة قد يكون ليس فقط مستقبل الجماعة بل مصيرها ذاته.


