خبر : دليل اختيارات السياسى ...عمرو حمزاوي

الأربعاء 07 أغسطس 2013 03:31 م / بتوقيت القدس +2GMT
دليل اختيارات السياسى ...عمرو حمزاوي



بالأمس ناقشت اختيارات ثلاثة أساسية تطرح ذاتها على ممارسى السياسة فى المحطات والمراحل الوطنية الفارقة. واليوم، أتابع باختيارين أخيرين. الاختيار الرابع ــ الحدود القصوى: والسياسى هنا يعمد فى المحطات والمراحل الفارقة إلى تبنى مواقف وأفكار وآراء حادة لا تسمح له فى الأغلب الأعم بقبول الآخر أوبالمراجعة الذاتية وإعادة التقييم. قد ترتبط دوافع سياسيى الحدود القصوى باستمالة الرأى العام بتحويل توجهاته وتفضيلاته إلى توجهات وتفضيلات مطلقة ومتطرفة وتزعم موجاتها، قد تتعلق بالتركيبة الشخصية للسياسى وقناعاته وقدراته (خطابية، إقناعية، معرفية، أخرى).

هنا يتحول الدعم إلى تأييد غير مشروط وغير قابل للإنهاء، والرفض إلى إقصاء وكراهية وترويج لمقولات فاشية ومتطرفة، والسياسة إلى صراع أضداد ومعادلات صفرية (إما نحن وإما هم)، والسياسى إلى مكبر أو مصغر للديكتاتور وللمحرض ولممارس العنف اللفظى أوالمادى، والقوى والتيارات السياسية إلى حركات متطرفة. سياسيو الحدود القصوى، ونطالعهم اليوم بكثافة فى المشهد المصرى إما كمحرضين على العنف أوكخبراء فى علم «فض الاعتصامات» أو كأصوات تدعو جهارا نهارا إلى كراهية الآخر السياسى (اليمين الدينى) وإقصائه وإلغائه، هم سياسيو المحطة الواحدة والمرحلة الواحدة يستهلكونها وتستهلكهم ويتوارون بعدها.

الاختيار الخامس ــ بعض المبادئ ينفع وبعض المصالح لا يحتمل التأجيل: والسياسى هنا يحدد بوصلة فعله فى المحطات والمراحل الفارقة استنادا إلى رغبته فى الانتصار لمبادئه ممزوجة بتحقيق مكاسب عامة أو خاصة. يدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ثم يشارك فى إدارة حكومية تبتعد عن هذه المعايير ربما بغية الحد من الضرر أو ترددا أو بحثا عن مكاسب أخرى. يتبنى سيادة القانون ومدنية الدولة، ثم يساوم عليها ويتنصل منها فعليا (وإن احتفظ بـ«لافتاتها» وشعاراتها خالية من المضمون) عند أول محطات الصراع السياسى ويستقوى بمؤسسات عسكرية أوأمنية أو يتجاهل سيادة القانون. يتحدث عن المساواة والمواطنة والعدالة والعيش المشترك، ثم يتورط فى الموافقة (وربما على مضض) على إجراءات تنقلب عليها أو تنتقص منها، وقد يبررها.

بعض سياسيى ثنائية المبادئ ــ المصالح ينجحون فى تجاوز المحطات والمراحل الفارقة دون أضرار شخصية بالغة، وبعضهم يجد منفذا إلى كتب التاريخ كمساوم على المبادئ ومبرر لمصالح من التحق بهم حكما أو معارضة. ومعضلتهم فى الحالتين هى انتفاء قدرتهم على إقناع أصحاب المواقف الأخلاقية القاطعة من جهة وسياسيى الانتظار وغريزة البقاء والحدود القصوى من جهة أخرى بتأييدهم ودعمهم. ليسوا بمبدئيين حقا أوأصحاب أياد مرتعشة ومواقف مهزوزة، هكذا يصنفون ولذلك يتحولون أيضا إلى سياسيى المحطة الواحدة والمرحلة الواحدة.

دليل لاختيارات ممارسى السياسة فى المحطات والمراحل الفارقة، وإسقاطه على مصر اليوم ليس بالعسير!

                                                 دليل اختيارات السياسى (١ـ٢) 

فى المحطات والمراحل الوطنية الفارقة، يكون أمام ممارس السياسة طيف من الاختيارات الأساسية التى عادة ما يذهب باتجاه أحدها ويتحمل على مستويى الصالح العام والحسابات الشخصية كلفته بالإيجاب والسلب. ويسهل اليوم فى مصر إسقاط طيف الاختيارات هذا على واقعنا السياسى وأدوار طائفة ممارسى السياسة وتشريحها استنادا إليه.

الاختيار الأول ــ الموقف الأخلاقى القاطع: والسياسى هنا يخرج على الرأى العام فى سياق ثورة أو حراك شعبى أو أزمة حادة أو قرار وطنى مؤثر متبنيا موقفا محددا تأييدا أو رفضا، وشارحا لمسوغاته دون وقوع فى شرك التبرير. سياسيو الموقف القاطع لا ينتظرون تبلور توجهات وتفضيلات الرأى العام كى يعزفوا على موجات الأغلبية بهدف استمالتها (أو الشعبوية كما نسميها فى العلوم السياسية)، ولا يخشون تداعيات المواقف القاطعة على حظوظهم الانتخابية أو على حدود القبول العام لهم.

خريطتهم هى الوطن والصالح العام (كما يرونه) وليس الدوائر الانتخابية والمصالح الحزبية، وإدراكهم لدورهم يستند إلى الدفاع عن المبادئ والأفكار دون مساومة والسعى للتأثير فى مجريات الأحداث وفى الرأى العام وليس الركض وراء توجهاته. سياسيو الموقف القاطع عادة ما ينهون الثورة أو الحراك الشعبى أو الأزمة أو القرار الوطنى المؤثر محل النظر إما بنجاح شعبى كاسح أو بخسائر فادحة، إلا أن نجاحهم سرعان ما يصطدم بمحطات فارقة جديدة قد يبتعدون بها عن توجهات الرأى العام وخسائرهم لا تلغى مكانهم فى المخيلة الجماعية للمواطنات وللمواطنين كأصحاب موقف ومبدأ.

الاختيار الثانى ــ الانتظار واللاموقف: والسياسى هنا يقع فريسة لثنائية الرغبة فى الدفاع عن المبادئ من جهة والخوف من الخسائر الانتخابية والشعبية من جهة أخرى ومن ثم يعمد إلى الانتظار إلى أن تتضح احتمالات تطور الثورة أو الحراك الشعبى أو الأزمة محل النظر أو يتخذ بالفعل القرار الوطنى المؤثر.

كثيرا ما يعتقد سياسيو الانتظار أن نجاتهم تكمن فى الغياب والابتعاد عن تبنى مواقف قاطعة وشراء بعض الوقت لكى لا يضطروا إما للتخلى عن مبادئهم تحت ضغط توجهات الرأى العام أو لإغضاب قطاعات شعبية واسعة حال اصطدام مبادئهم ومواقفهم بالتوجهات الغالبة. سياسيو الانتظار يعيشون (فى السياسة) طويلا ويواصلون العمل فى ظروف شديدة الاختلاف والتناقض، وهم على هذا المستوى أكثر نجاحا من سياسيى الموقف القاطع. إلا أن معضلتهم الكبرى تتمثل فى أن الرأى العام سرعان ما يدرك استحالة التعويل عليهم فى المحطات والمراحل الفارقة ويصنفهم من ثم بعيدا عن الصفوف الأمامية للسياسيين، ويضعهم فى خانات سياسيى الدوائر الانتخابية وعموم ممارسى السياسة ولا ينتظر منهم الاضطلاع بأدوار وطنية مؤثرة.

الاختيار الثالث ــ غريزة البقاء والمصالح الشخصية: والسياسى هنا يتعامل مع الثورة أو الحراك الشعبى أو الأزمة أو القرار الوطنى المؤثر بمسطرة وحيدة، مسطرة البقاء فى المنصب والاستمرار فى الدور والدفاع عن المصالح الشخصية. وأنماط فعل سياسيى غريزة البقاء واضحة ومباشرة؛ التحايل، التلون، ألعاب الهواء، القفز من مراكب السلطة أو المعارضة حين توشك على الغرق، الحركة السريعة باتجاه التوجهات والتفضيلات الغالبة لدى الرأى العام بهدف استمالته، النزوع إلى التأييد السريع أو الرفض السريع وبعنف لفظى قد يصل (كما فى حالتنا المصرية اليوم) إلى عنف مادى، وغيرها.

سياسيو غريزة البقاء، وهم يشكلون الشريحة الأعرض بين ممارسى السياسة أو قاعدة الهرم وترتبط بأنماط فعلهم أغلبية التوصيفات السلبية للسياسة، لا يقفون طويلا أمام المبادئ والأفكار والآراء ولديهم قابلية عالية للدفاع وبصوت مرتفع عن متناقضات فى غضون فترات زمنية قصيرة وللتقلب بين التأييد والرفض دون إعطاء الرأى العام مسوغات للفهم وللتفسير العقلانى. سياسيو غريزة البقاء يدفعون بدولهم ومجتمعاتهم إلى مهالك وانهيارات إن هم سيطروا على الحياة السياسية ويظلون عبئا على الممارسة الرشيدة والعقلانية للسياسة من مواقع الأقلية.