اظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "داحف" في إسرائيل أن غالبية الجمهور او ما يزيد على 70% من الإسرائيليين لا يؤمنون بأن المفاوضات التي استؤنفت بين الجانبين ستؤدي إلى حل للصراع على أساس مبدأ دولتين لشعبين. مع أن نسبة الذين يؤيدون اقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967 مع تبادل للأراضي يتيح ضم إسرائيل للكتل الاستيطانية الكبرى كانت أكثر قليلاً من الذين يرفضون هذا الحل بهذا التفصيل على الرغم من تأييد معظم الإسرائيليين لحل الدولتين ولكن دون التحدث عن تفاصيل هذا الحل.
ويبدو أن هذا هو حال الفلسطينيين في نظرتهم لمستقبل المفاوضات الحالية حيث تسود الشارع الفلسطيني حالة من عدم اليقين بامكانية تحقيق التسوية والاتفاق بين الجانبين، وفي الحالة الفلسطينية يصل التشاؤم إلى المستويات القيادية بما فيها اللجنة المشرفة على المفاوضات.
السبب الرئيس في حالة عدم التفاؤل مرتبط بانعدام الثقة التي سادت خلال السنوات التي تلت اندلاع الانتفاضة الثانية، وأيضاً بسبب فشل جولات المفاوضات التي تمت وخاصة في زمن رئيس الوزراء ايهود أولمرت الذي بدأ مفاوضات جدية مع الجانب الفلسطيني استندت إلى الاقرار بأن حدود 1967 هي المرجعية لهذه المفاوضات واقتربت كثيراً من التوصل إلى حل.
ولكن هذا لم يحصل في نهاية المطاف وتم طي الملف دون الاحتفاظ حتى بالتفاصيل التي جرى التفاهم حولها على الأقل من جانب الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو.
الإسرائيليون يتبنون موقف قيادتهم الذي يشكك بالنوايا الفلسطينية، والذي يعتبر أن القيادة الفلسطينية لا تريد حلاً سياسياً لأنها رفضت العروض السخية التي قدمها اولمرت والتي لا يمكن لرئيس الوزراء الحالي عرضها أو حتى الاقتراب منها. أما الفلسطينيون فغير مقتنعين بأن نتنياهو بتركيبة ائتلافه الحالي وبعقليته ومواقفه التي يكررها ليل نهار والتي ترفض مبدأ العودة إلى حدود العام 1967 والانسحاب من غور الأردن، والتفاوض على القدس، وحتى تفكيك قسم مهم من المستوطنات المتبعثرة خارج ما يسمى الكتل الكبرى، عدا الرفض المطلق لعودة أي لاجئ فلسطيني إلى إسرائيل، يمكنه أن يذهب إلى مربع التسوية السياسية الحقيقية.
الطرفان يقران بأن العودة للمفاوضات أتت بسبب الرغبة الأميركية الجارفة التي تريد شراء الهدوء في هذه المنطقة، وهذه الرغبة مع رؤية إسرائيلية وخاصة لدى نتنياهو بأن مجرد استئناف المفاوضات يخدم موقفه داخلياً أمام المعارضة والجمهور بأنه يبحث عن سلام ويبذل جهداً كبيراً من أجله، ويعزز موقف إسرائيل دولياً بعد العزلة التي بدأت تضيق الخناق حولها، ولعل قرار الاتحاد الأوروبي باخراج بضائع المستوطنات من الاتفاقات الإسرائيلية – الاوروبية واتخاذ اجراءات ضد الشركات الاوروبية التي تعمل في المستوطنات هو مؤشر على ما يمكن أن تتعرض له إسرائيل إذا استمر الوضع الراهن، وإذا نفذ الفلسطينيون توجهاتهم بالذهاب إلى الأمم المتحدة مجدداً ومحاصرة إسرائيل دولياً.
وربما تجنب العودة للمفاوضات القيادة الفلسطينية الاتهام الاميركي بافشال المساعي التي تبذلها واشنطن وإضاعة فرصة مناسبة لتحقيق انجاز في ملف التسوية. ورب قائل يقول إن الإفراج عن الأسرى القدامى يشكل انجازاً يستوجب الدخول في غمار التجربة علها تفضي إلى شيء اكبر وأهم. وإذا فشلت لن يلوم أحد القيادة الفلسطينية إذا ذهبت إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل في ساحة الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة.
المفاوضات التي تترافق مع حالة من التشاؤم والشك بدأت بالقدم اليسرى لأنها لم تعتمد على مرجعية واضحة من جهة، ولأنها لم تكبل يد الحكومة الإسرائيلية في البناء الاستيطاني، وبانتظار قدوم وزير الخارجية الاميركي جون كيري لبدء المفاوضات وبعد اللقاء الذي عقد في واشنطن، اعلنت الحكومة الإسرائيلية عن بناء مئات الوحدات السكنية، وهناك خطط لبناء آلاف الوحدات الجديدة لدى وزارة الإسكان - حسب ما نقل عن صحيفة "هآرتس" أول من أمس - حيث تنوي اسرائيل البناء في المستوطنات المحيطة بالقدس "بسغات زئيف" و"راموت" وفي أراضي بيت صفافا وفي جبل ابو غنيم ومستوطنة "غيلو"، وهذا المشروع الضخم يبدو أنه تعويض للمستوطنين مقابل موافقة الحكومة على الإفراج عن عدد محدود من الأسرى.
ومع هذه الإجراءات والسياسات الإسرائيلية التي تفرض وقائع تجعل المفاوضات لامعنى لها يزداد انعدام الثقة بالعملية الجارية. ويضاف إلى ذلك التصريحات المتناقضة التي تصدر عن وزراء وأحزاب في الحكومة الإسرائيلية، ويدور الحديث عن تطمينات أعطاها نتنياهو لشركائه اليمينيين أنه لن يفعل ما يخالف مواقف الحكومة وإن كان يبشر بالذهاب إلى استفتاء شعبي في حال التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
وسط هذه الأجواء غير المبشرة هناك أقلية جداً تقول إن نتنياهو عندما يتورط في تفاصيل المفاوضات قد يغير موقفه ويندمج في الزخم الذي تخلقه هذه العملية تماماً كما تورط رؤساء وزراء قبله دون أن يكون بحسابهم أن يذهبوا بعيداً إلى ما وصلوا إليه. ولكن هذا التفاؤل غير مستند إلى أية معطيات يمكنها أن تبرره خاصة بالنسبة لشخصية مثل نتنياهو الذي يتسم بعدم الرغبة في اتخاذ قرارات استراتيجية ويحب اللعب في الأوراق كسياسي يريد تمضية وإضاعة الوقت.
ويبقى أمر واحد يمكنه أن يكون ذا وزن في العملية التفاوضية وهو الموقف الأميركي ومدى رغبة الإدارة الأميركية في انهاء الصراع وعدم شراء الهدوء فقط، فلو أظهرت واشنطن جدية حقيقية في وضع حد للصراع يمكنها أن تضغط على الحكومة الإسرائيلية وتؤثر على موقفها.
وحتى لو لم يكن لديها إرادة لفرض موقف على إسرائيل، فلديها الامكانية لخلق ميكانيزمات لتغيير الوقف الإسرائيلي باستثمار أوراق الضغط الداخلية وأيضاً من خلال الإشارة للاتحاد الأوروبي بممارسة ضغوط اقتصادية على إسرائيل ومساندة الموقف الفلسطيني.


