غزة -‘أشرف الهور- يخيم الهدوء على منطقة الحدود الفاصلة بين جنوب قطاع غزة والأراضي المصرية، على عكس ما كان الوضع قبل شروع الجيش المصري بحملة تدمير أنفاق تهريب البضائع المقاومة أسفل الحدود، مع تنحيته للرئيس محمد مرسي مطلع الشهر الجاري، فتحول عمل المهربين من نقل البضائع إلى حراس على آلات التهريب البدائية الموجودة أمام فوهات الأنفاق.
على طول الشريط الحدودي، هناك حالة هدوء لم تعهد منذ أن جرى تشييد الأنفاق قبل ست سنوات، مع بداية فرض إسرائيل حصارها على سكان قطاع غزة الساحلي، فلم يعد يسمع سكان الجوار هدير مواتير آلات جر البضائع، التي كان صوتها يبدد سكون تلك المناطق.
وأمام حي البرازيل بمدينة رفح من الجانب الفلسطيني استلقى نجل أحد ملاك الأنفاق على فراش، ليغفو قليلا بعد أن مل من حراسة ما في النفق من معدات تهريب.
وعرف عن نفسه باسم ‘قصي’ وهو شاب في بداية الثلاثين، وقال انه نفق والده المخصص لتهريب مواد بناء متوقف عن العمل تماما منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، ويقول ‘لم نهرب ولا حتى قشة من الجانب المصري’، وأنه يتناوب هو وأشقاؤه على حراسة النفق.
وعلى جانبي فتحتي النفق من الجانب الفلسطيني والمصري هناك آلات ميكانيكية موصولة بعدد من السلال البلاستيكية المتينة لجر السلع المهربة، على اختلاف أنواعها، بما فيها مواد البناء والمواد الخام والسلع الغذائية.
ودفع الجيش المصري بعدد إضافي من قواته على الحدود مع غزة، وعززها بمعدات عسكرية وحفارات، وتنفذ هذه الفرق المدربة عمليات هدم لأنفاق التهريب وعددها كثير جدا منذ ثلاثة أسابيع، كان آخرها تدمير الأنفاق التي يتم من خلالها تهريب الوقود.
ووفق تقارير نقلت عن مصادر مصرية فإن فرق الجيش المصري دمرت نحو 80 بالمئة من أنفاق التهريب، ويلجأ الجيش إلى إغراق العديد منها بمياه الصرف الصحي، ويردم فوهات أنفاق أخرى بالأسمنت.
ويقول قصي ان فوهة النفق الذي تملكه أسرته جرى تدميرها من قبل الجانب المصري، وانهم ينتظرون فرصة لإعادة ترميمها وفتحها من جديد.
ويشير مهربون آخرون الى أنهم تمكنوا خلال اليومين الماضيين من تهريب كميات قليلة من مواد البناء والوقود إلى قطاع غزة، وهو ما أتاح عودة العمل في عدد قليل من ورش البناء، لكن أزمة شح الوقود ظلت قائمة، حيث تشاهد طوابير كبيرة من العربات تنتظر دورها لملء خزانها بليترات معدودة من الوقود المهرب.
وأدت حملات الجيش المصري الذي دفع بآليات عسكرية ثقيلة لحماية جنوده في منطقة الحدود إلى توقف العديد من المركبات في قطاع غزة، لنفاد الوقود من غالبية محطات التعبئة، كما أحدثت شللا كبيرا في ورش البناء، بعد أن توقفت حركة تهريب مواد البناء من مصر، والتي يعتمد عليها قطاع الانشاءات في غزة بشكل كبير، لعدم دخولها من الجانب الإسرائيلي بموجب الحصار.
وقبل عدة أيام أعلن نبيل أبو معيلق نقيب المقاولين عن تأجيل تسليم عطاءات عدد من مشاريع إعادة إعمار قطاع غزة وفق المنحة القطرية، بسبب إغلاق الأنفاق الحدودية.
ولجأ سكان غزة إلى تشييد مئات الأنفاق الأرضية أسفل الحدود مع مصر، بعد أن امتنعت إسرائيل عن تزويد السكان بالعديد من السلع خاصة المواد الخام ومواد البناء عند فرض الحصار، ورغم إجراءات تخفيف القيود، إلا أن إسرائيل لا تسمح بدخول مواد البناء إلا للمشاريع الدولية.
ومع اشتداد حملة هدم الأنفاق طالب قادة حماس أن يتم إيجاد البديل في ظل الحصار قبل الاستغناء عن هذه الأنفاق، من خلال فتح معبر رفح البري أمام حركة البضائع، مؤكدين أن الحاجة للأنفاق ‘أمر أنساني’ وأنها ستغلق حال توفر البديل.
وقال الدكتور صلاح البردويل القيادي في حركة حماس لـ’القدس العربي’ ان حملة هدم الأنفاق وما واكبها من ممارسات من بعض وسائل الإعلام المصرية ضد الفلسطينيين وضد قطاع غزة تأتي في سياق ‘حملة الكراهية التي لم يسبق لها مثيل ضد الفلسطينيين’، مؤكدا أن على مصر واجب قومي وإنساني تجاه غزة بحكم الجوار.
وأكد أن ما يحدث من أعمال هدم للأنفاق ومرافقتها مع حملة التشهير بالفلسطينيين يغلب عليها ‘الانتقام’، مؤكدا أنه كان من الأولى أن يتم مكافأة الشعب الفلسطيني وليس عقابه، لصموده أمام الاحتلال، وأكد أنه في حال استمرت عمليات هدم الأنفاق فإن ‘كارثة إنسانية’ ستقع في القريب، مشيرا إلى أن المستفيد الوحيد منها سيكون الاحتلال، الذي يعمل على تركيع الشعب الفلسطيني.
وتؤثر عملية هدم الأنفاق كثيرا على حركة حماس التي تحكم قطاع غزة، حيث يرى بعض المراقبين ان حملة الجيش المصري هدفها التضييق على الحركة، لقربها من جماعة الإخوان المسلمين، التي تنظم في هذه الأوقات احتجاجات شعبية على عزل الرئيس مرسي.
وكذلك من شأن الاستمرار في هذه الحملة أن يؤثر على حركة حماس المطلوب منها أن تلبي احتياجات السكان، كذلك سيقوض إغلاقها مصادر دخل حكومة الحركة المقالة في القطاع، التي تفرض ضرائب على البضائع التي يجري تهريبها من مصر، بحسب كثير من التحليلات.
وقال الدكتور البردويل انه في حال جرى إضعاف حماس، فإن المستفيد الأكبر سيكون الاحتلال، محذرا من مؤامرة تهدف إلى ‘تركيع الشعب الفلسطيني’.
القدس العربي’ ـ


