خبر : ربيع الثقافة العربية ...خليل علي حيدر

الثلاثاء 02 يوليو 2013 02:55 م / بتوقيت القدس +2GMT
ربيع الثقافة العربية ...خليل علي حيدر



هيمنت التيارات الإسلامية على مصائر حركات التغيير في «دول الربيع العربي». ومن تونس إلى ليبيا، فمصر وسوريا لا نجد سوى الحديث المتصل عن «الإخوان المسلمين» والجماعات السلفية، ومحاولة الإسلاميين فرض رؤاهم السياسية وقيمهم وبرامجهم على مختلف مجالات الحياة، بما يتضمن ذلك من الالتفاف حول المنجزات الثقافية والحريات الفكرية والفكر والفن. ماذا جرى في الحياة الثقافية العربية منذ عام 2011؟ وما المخاطر التي تهددنا هنا وهناك؟ وما نوعية ردود الفعل والتفاعلات معها؟ سنحاول أن نلقي بعض الأضواء على هذا الجانب، ففي مارس 2011، وجهت صحيفة «القبس» بعض الأسئلة، التي أعدها كل من «نبيه البرجي» و«شيرين محمود» تحت عناوين مقلقة:«الثقافة والثورة: الطلاق الكبير!»، «الشبكة العنكبوتية حلت محل الفلسفة واللاهوت والتاريخ». لاحظ الاثنان أن «هذه الثورات لا تصنعها الأفكار الكبيرة بل الأفكار الصغيرة». و«أن التكنولوجيا قد هزمت الثقافة، وقد تكون نجحت في تعريتها تماماً، فهل بات من الضروري أن نعلن موت الثقافة؟»، وتساءل الاثنان كذلك عن «الدور الذي يمكن أن تضطلع به الثقافة أمام هذا الواقع، الذي يبدو أن الحرائق فيه قد تطول»؟ وكان جواب سمير عطا الله، الكاتب الصحفي المعروف: «هل تستطيع أن تعلن موت الفلسفة، لأنها أصبحت علماً منحسراً، وقلَّ عدد الفلاسفة؟ كم قرناً مضى على أفلاطون وأرسطو وفي كل شيء تعود إليهما. الثقافة سيتغير عمقها، وستتحول التكنولوجيا ليس من راية أخرى للبشرية سوى المعرفة والحرية». الشاعر والمسرحي والناقد اللبناني «بول شاؤول» قال إن الفكر النهضوي، يعني «اليسار» والليبرالية واليمين، كل هذه المنظومات خربت أيضاً، ولم يعد هناك لا يمين ولا يسار، ولا ماركسية ولا قومية عربية ولا شيء، أي أن أدوات المجتمع المدني القائمة قد جوفت من خلال ضرب النقابات والأحزاب، وكل ما يمت بصلة إلى المجتمع المدني. وهذا أدى إلى إحداث هاوية بين السلطة والناس، مجتمعات معطلة، وأنظمة معطلة. الأنظمة جعلت الشعب يشبهها وليس العكس، والمدن العربية لم تعد تشبه أناسها، باتت تشبه الحكام، المثقف أصبح يتماهى مع ما هو موجود، أصبح جزءاً من السلطة عوضاً عن أن تكون السلطة جزءاً منه». المفكر والباحث السوري «جورج قرم» تحدث عن المثقف العربي كأسير للنظريات الغربية وفقدان الاستقلالية الفكرية، وعن غياب المراكز البحثية الجدية التي تؤمن الاستقلال المادي للباحث فوقع ضحية للأنظمة، التي حولته ضمن مثقفي السلطان. وتحسّر د. قرم على الجهود الفكرية المكثفة، التي «تم توظيفها في إشكاليات عقيمة مثل العلاقة بين العروبة والإسلام، أو الصراع أو حوار الحضارات، مما أبعد كتلة المثقفين عن الهموم الحياتية اليومية للمواطن العادي، وبالتالي، أصبح المثقف منفصلاً عن مجتمعه. ثقافتنا العربية أعتقد أن ما أصابها ليس فقط عدوى التجارة بالفن والأدب والثقافة في المرحلة التي نعيشها، بل نحن نعاني انقطاعات عملاقة في ذاكرتنا التاريخية. فقد نسيت الثقافة العربية الحديثة العبقرية التي كانت كائنة في العصور الذهبية. نحن الآن منقطعون تماماً، بل إننا اعتمدنا أضيق مفهوم للتراث بعقلية متشددة تخدم السلطات القائمة المعادية لحرية الاجتهاد، وبالتالي لحرية الفكر». نفس الصحيفة الكويتية، نشرت بعد نجاح الثورة المصرية بقليل، في 2011/3/5، مقابلة مع بعض المثقفين في مصر. «إن مصر دولة ثقافية كبرى، والثورات هي التي تنتج مثقفيها»، قال د عبدالمنعم تليمة: «شباب المثقفين من أبناء الطبقة الوسطى هم الذين قاموا بالثورة، ثم انضمت إليهم جماهير الشعب». د. تليمة أضاف أن الدولة منذ ثورة يوليو 1952، «احتكرت إدارة الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، مما جعل المثقفين أمام خيارين، إما مجاراتها أو الرحيل عن المشهد». وأشاد الروائي إبراهيم عبدالمجيد بثورة يناير، وقال إنها «ألفت كل الأفكار القديمة في السياسة، سواء الماركسية منها أو الإسلامية، لأنها جاءت على غير المعهود». وإذا كانت الدولة المصرية، قد أدارت النشاط الثقافي منذ ثورة 1952 فإن على المثقفين اليوم «أن يطالبوا بإلغاء وزارة الثقافة، لأن المجتمعات الحرة لا يوجد بها وزارة من هذا النوع. وبنهاية وزارة الثقافة، ستنتهي تلك القسمة الظالمة بين الموالين للوزارة والمعارضين لها». وعارض د. عمار علي حسن، إلغاء وزارة الثقافة، «لأن الثقافة في مصر إحدى أهم ركائز القوة الناعمة التي تستطيع القاهرة من خلالها اتخاذ دور ريادي في المنطقة». ووافقه في هذه الرؤية الشاعر عبدالمنعم رمضان، الذي طالب المثقف المصري بتغيير سلوكه. «إن المثقفين الآن يتحركون في الأماكن الرسمية باحثين عن المنصات والكاميرات والبيانات، في حين أن دورهم الحقيقي هو النزول إلى الشارع لإشاعة الوعي بين الناس». ووجه الشاعر نقداً لاذعاً لقرار د. جابر عصفور دخول الوزارة قائلاً: «إن الكثيرين لم يراهنوا على نجاح الثورة ، إلا بعد أن أعلن جابر عصفور تخليه عن وزارة الثقافة». وذهب رمضان إلى أن د. عصفور حين قبل الوزارة كان يتصور أن النظام سيقضي على الثورة. وقد وصف عصفور شباب الثورة في الحوار الذي أجرته معه جريدة «الحياة»، بعد توليه الوزارة بأنهم نتاج ثقافة الانحدار، ومن ثم فاستقالته كانت بمنزلة الإعلان الواضح عن أن مركب الثورة هو الرابح». لم يكن الصراع بين المثقف والسلطة، أو بين هذا المبدع وتيارات القمع والمنع يحتلان وحدهما الحياة الثقافية العربية، فقد كتبت «القبس» كذلك «عن ظاهرة التخوين وإقصاء الآخر وصراع النخب الثقافية في زمن الثورات». المؤرخ المصري د. شريف يونس قال إن ثقافة التخوين والإقصاء «هي جزء من الثقافة الديكتاتورية الحديثة التي نشأت في الأربعينيات، وكانت من علاماتها البارزة ظهور تنظيمات، مثل مصر الفتاة وجماعة الإخوان في مصر، والحزب القومي السوري وحزب البعث في المشرق». كان هاجس هذه الحركات الطهارة الوطنية أو تقديس الهوية. «لأن المشكلة تكمن في وجهة نظرها في تشويه الهوية على يد الاستعمار، والتفكك السياسي والاجتماعي المصاحب لذلك. وبالتالي يكمن الحل في تطهير الهوية لاستعادتها. ومن أخطر النتائج المترتبة على أيديولوجيا الهوية هي الإفقار الفكري المتزايد». ما أثر ثورات «الربيع العربي» على مثقفي التخوين هؤلاء؟ إذا تأملنا المشهد العربي، يقول الكاتب السوري خالد خليفة، «نشعر ببؤس لا مثيل له، الكثير من الأسماء المهمة وقفت مع جلادي شعوبها، والكثير من الأسماء المهمة عادت ببساطة إلى طوائفها رغم مناداتها، ولأكثر من أربعين وخمسين سنة بالثورة والتغيير، وفي اللحظة الحاسمة نكتشف بأن لغة الثورة في زمن السلم لم تكن أكثر من بزنس». كانت انتخابات الرئاسة في مصر من نقاط التحول البارزة في الوسط الثقافي المصري، فقد كان عدد من أبناء التيار الليبرالي قد أعطوا أصواتهم للفريق أحمد شفيق، «خوفاً من الإسلاميين على الفنون والإبداع، وسعياً لتأكيد مدنية الدولة المصرية، ورفضاً لما أسموه بالفاشستية الدينية، موضحين أن الفاشستية العسكرية أقل وطأة من التكفير باسم الدين، في حين رفض الكثيرون النزول إلى التصويت لكل من الرجلين، رافضين دعم أي من الديكتاتوريات لزعامة الدولة المصرية الجديدة». كتب المترجم المصري طلعت شاهين ساخراً، «مبروك على مصر الثلاثي ميم»، المشير، والمرشد، ومرسي، وعندما أعلن فوز الرئيس الجديد، قال الشاعر ميلاد زكريا: «إن فوز مرسي هو نهاية لدولة عاشت صامدة تحت الاحتلال ثلاثة آلاف سنة، نهاية لحضارة عاشت رغم الاحتلال ثلاثة آلاف سنة، ونهاية لوهم جميل حلمنا فيه بدولة مدنية، نهاية لحريات هشّة ومجتمع هش». ومع بدايات سبتمبر من العام نفسه، حاول الرئيس محمد مرسي تجسيد الفجوة، داعياً المثقفين والفنانين إلى «قصر الاتحادية»، وثار جدل حول القائمة المدعوة والتي أعدها وزير الثقافة «صابر عرب» بأسماء 140 شخصية مقترحة، وفوجئت مؤسسة الرئاسة بحزمة من الاعتذارات من جانب كبار النجوم، واضطرت الرئاسة إلى استبدال بعض النجوم بآخرين لإنقاذ الموقف، وكان بين الحضور إيمان البحر درويش ومحمد صبحي وعادل إمام ونجلاء فتحي ومديحة يسري وجلال الشرقاوي والشاعر فاروق جويدة. هذه المرة، شنّ مثقفون إسلاميون هجوماً عنيفاً على الرئيس المصري بسبب لقائه المثقفين والفنانين، معتبرين عدم دعوتهم لحضور اللقاء «تجاهلاً للمثقفين الإسلاميين». وقالوا في بيان مشترك: «إن حالة من الذهول عمّت جميع المثقفين المنتمين للتيار الإسلامي». مطالبين «بفتح تحقيق عاجل في هذه المهزلة، وإقالة وزير الثقافة المنتمي للفكر المخاصم للتيارات الإسلامية».