خبر : غزة تتوضأ بالملح.. سمير حجاوي

الإثنين 24 يونيو 2013 07:44 م / بتوقيت القدس +2GMT
غزة تتوضأ بالملح.. سمير حجاوي



تسكب حنفياتهم ماء مالحا يكوي العيون فيسيل الدمع رغما عنها، حتى لو كانت محاجرها مصنوعة من الصوان .. تأتي كهرباؤهم لتذهب، ينتظرونها ، ساعة بعد ساعة، ويبرمجون حياتهم على ايقاعها جيئة وذهابا .. امهات يبحثن عن الامل، واطفال يبحثون عن اللهو والفرح في ارض لا تعرف الا القصف والدم من عدو لئيم لا يرحم .. مرحبا بك انت في اكبر سجن في الهواء الطلق في العالم.. مرحبا بك انت في غزة حيث الباحثين عن الحياة بين ركام الموت. حينما تدلف الى قطاع غزة تتداعي الافكار الى الذهن، حيث لا ذكريات الا للموت القادم من البحر والبر والجو، والاسلاك الشائكة التي تحيط باحلام الفلسطينيين هناك احاطة السوار بالمعصم.. حيث يتربص الرصاص والبارود بالاحياء، افكار سرعان ما تتجسد على ارض الواقع لتراها رؤيا العين.. هنا، في هذا الشارع، استشهد 10 من الشباب مرة واحدة، وفي هذه الزاوية استشهد ستة، وهنا استشهدت عائلة باكملها.. هناك عائلة الداية الشهيدة وهنا عائلة السموني التي ابيدت .. هنا السرايا وهنا الملعب، وهنا مجمع الدوائر الحكومية، وهنا قصر الحاكم.. هنا جلب "كهنة الموت الاسود" الخارجون من الخرافات والاساطير والاكاذيب عواصف الموت التي يقودها "رب الجنود" الساكن في عمود سحاب ليقود عساكره في معارك "القنل والابادة" ليلبي "شهوة يهوة" بسفك الدم الفلسطيني، وما اسهل ان يسفك الدم الفلسطيني في غزة بلا حساب ولا عقاب.هنا غزة .. هنا الشباب المتحفز دائما للحياة والعمل كما كل الناس في العالم.. هنا الخريجون الذين يبحثون عن المستقبل .. هنا الجامعات التي تقدم العلم لابناء غزة فلسطين وتؤهلهم لسوق العمل، ولكن اين سوق العمل في هذا السجن الكبير؟.. هنا الاسرى المحررون الذين قضوا معظم حياتهم في معسكرات الاعتقال الاسرائيلية، عشر سنوات .. عشرون سنة .. ثلاثون سنة وراء القضبان في سجون يحكمها سجان لا يرحم يسومهم سوء العذاب، تجلس معهم فلا تفارق الابتسامة وجوههم رغم الظلم والنسيان .. ظلم العدو ونسيان الشقيق .. هنا غزة .. هنا الصياديين الذين يتربص بهم الموت على بعد ثلاثة اميال حيث يقف القاتل على متأهبا ليطلق النار على السمك والسماك، ويحول شباك الصيادين الى اكفان في البحر للباحثين عن لقمة العيش في عرض بحر غزة الصغير.. لكن ورغم كل شيء تبقي غزة واقفة شامخة صامدة، رغم الحزن والدم والدموع والملح، تنزف لكنها لا تستسلم، لانها تحولت الى شوكة في حلق العدو الاسرائيلي، ورصاصة في صدره.. من معركة الفرقان الى حجارة السحاب التي هزمت "رب الجنود" القابع في عمود السحاب.. فاتلت رغم الحصار وانتصرت ودحرت الغاصب المحتل القاتل وردته عل اعقابه وقصفته في عمق الارض التي يحتلها، لن اقول ارضه لانها لم ولن تكون ارضه في يوم من الايام، فيافا وحيفا وعكا والناصرة لنا مثلما غزة ورفح وخان يونس ودير البلح والقدس ونابلس وجنين والخليل لنا. في غزة المحاصرة يبدع الفلسطينيون في مناورة الصعوبات والمعاناة والفقر والبطالة، تغلبهم مرة ويغلبونها مرات، ويبتكرون من اجل امضي قدما بحثا عن الحرية والعدالة والكرامة والاستقلال والتحرير، يبنون ويعيدون البناء في كل مرة يهدم العدو ما بنوه .. انها ارادة الحياة التي تتغلب على الموت دائما، وقوة الامل التي تقهر الياس. قوة دفعت الارهابي اسحق رابين، مكسر عظام الفلسطينيين، الى الجهر انه يحلم ان يصحو من النوم ويجد عزة قد غرقت في البحر لانها اقضت مضجعه و"طيرت النوم" من عينيه. في غزة يلهو الاطفال في البحر على حدود الموت والرصاص والقنص، تفتح النافذة فتجدهم يتشاكسون مع ماء البحر الذي يلعب معهم ويضحك لضحكهم. وفي غزة تنتصر ارادة الحياة دائما مهما كانت فسوة القاتل، فهم بشر يرزعون الامل في الارض كما يزرعون اشجارهم، فينبت ويزهر كشجر الظل الملون بالاحمر والاخضر.. في المساجد والجامعات والجمعيات والمنظمات التي تعمل دون كلل او ملل، في جمعية "الكتاب والسنة" التي حولت الاغاثة الى عمل، والاحسان الى انتاج، والى الجامعة الاسلامية، التي حولت المعاقين الى منتجين مبدعين. هنا غزة .. هنا الامل والعمل..والابتسامات والدموع .. هنا الحرية والحصار .. هنا اكسجين حياة لا يوجد الا هنا.. لان "هنا" هي غزة .. مرحبا بكم .. مرحبا ايها الفلسطينيون، ايها العرب الذين نعتب عليكم رغم ان "الظفر ما بيطلع من اللحم" .. ان نسيتونا لا ننساكم.فلسطين هي الحكاية، وغزة بعض فصولها، بل اهم فصولها.. حكاية تحتاج لم يرويها ويرسم ادق تفاصيلها، فغزة hijjawis@yahoo.com