انتخابات الرئاسة الايرانية شكلت عنواناً مفصلياً في استراتيجية تل أبيب وواشنطن الكلية ضد الملف النووي الإيراني، وأخذتها سياسات البلدين بعين الاعتبار من زوايا مختلفة، لكنهما كانا قد اتفقا على أن أي توجه عملياتي كبير يجب أن يكون بعد الانتخابات الايرانية وبناء على نتائجها ومعطياتها، فأوباما الذى ينحي باتجاه التهرب من الاستجابة لضغوط تل أبيب بتوجيه ضربة عسكرية، كأن يراهن ربما أن تعيد الانتخابات تكرار ما حدث عام 2009 بصورة أكثر اضطرابا وفوضى، أي نسخة فارسية عن الربيع العربي، مما يجعل أوباما أكثر قدرة على مواجهة ضغوطات تل أبيب، لأن أي عمل عسكري سيقضي على فرص نجاح الثورة الاصلاحية. أما نتنياهو المدفوع بالكراهية والعداء لإيران شعباً وحكومة وبالرغبة الشديدة لأن تقوم أمريكا والغرب بتدمير المشروع النووي الإيراني فكان دائم التشكيك بالعملية الانتخابية في إيران وبنتائجها على سياسات إيران الخارجية عبر النظر الى الرئاسة الايرانية على أنها مجرد أداة من أدوات الزعيم الروحي على خامنئي، لكن نتنياهو في ذات الوقت لم يكن يستطيع أن يتجاهل رغبة وتوجهات الغرب في منح الفرصة للشعب الإيراني ليقول كلمته، مع قناعتهم أن الحصار والعقوبات الاقتصادية ستؤثر أكثر من أي شيء آخر على توجهات الناخب الايراني.اسرائيل دأبت على تحريض العالم على عدم المراهنة على الانتخابات الايرانية وامتلأ اعلامها بالسخرية والتهكم من العملية الديمقراطية "ايران تنتخب ناطقاً بلسان خامنئي، الاستطلاع الحقيقي هو معرفة من سينتخب خامنئي، ايران تصوت خامنئي سينتصر، انتخابات في ظل أجهزة الطرد المركزي، انتخاب معتدل حيلة لامعة، الرئيس هو مجرد عازف موسيقى لسياسات خامنئي ..الخ"، ولكن اسرائيل كانت تفضل في كل الأحوال اما انتخاب نسخة مكررة من أحمدي نجاد أو أن تعم الفوضى والاضطرابات شوارع طهران على أن ينتخب روحاني الذى يشكل تهديداً وتحدياً كبيرين للسياسات الاسرائيلية ودعايتها التحريضية.ان نتائج الانتخابات الايرانية بما شكلته من عرس ديمقراطي أنقذ ايران من فوضى داخلية، وما حمله من ارتياح وترحيب الكل الإيراني، محافظيه ومعتدليه، وفوز روحاني بما يمثله من برنامج ورؤى إصلاحية الذى جعل الغرب يتنفس الصعداء، وجعل أمريكا تشيد بشجاعة الشعب الايراني وتعلن مع أوروبا رغبتها في التعاون مع الرئيس المنتخب، قد شكل صفعة مدوية لسياسات تل أبيب التحريضية ووضعها في مأزق حرج لإدراكها أن مهمتها التحريضية باتت صعبة وعسيرة، فقد خسرت تل أبيب أهم اسلحتها في الدعاية والتحريض (اسرائيل بفقدان نجاد تخسر كنزها الاعلامي الثمين، افتتاحية "هآرتس" الأحد، تل أبيب ستشتاق لأحمدي نجاد، نداف ايال وافياهو بن نون).يجمع الاعلام الاسرائيلي ان انتخاب روحاني يشكل ضربة للدعاية والدبلوماسية الإسرائيلية، الذى كان يعمل وفق تصريحات نجاد "حسبما يقولون"، فانتخاب روحاني (الذي يشكل بشرى للمواطنين الايرانيين يخلق تحديات للدعاية الاسرائيلية التي ستواجه صعوبات في حشد العالم ضد برنامج ايران النووي وضد سياساتها الخارجية، "هآرتس")، فكل الاعلام الاسرائيلي المتلفز والمقروء تناول في اليومين الاخيرين الانتخابات الايرانية من زاويتين؛ الأولى: تأثيره السلبي على الدعاية الإسرائيلية، والثانية: التقليل من دور الرئيس المنتخب والتشكيك في قدرته على تحقيق اختراق جدي على سياسة ايران في ملفي النووي والإرهاب، علاوة على أن بعضها رأى أن انتخاب روحاني جزء من حيلة لامعة للزعيم خامنئي. اسرائيل تقلل من أهمية انتخاب روحانيالحكومة الاسرائيلية وعلى لسان وزيرة خارجيتها ووزير حربها بدأت في حملة تبريد حماسة الغرب لانتخاب رجل الدين المعتدل حسن روحاني رئيساً لإيران، عبر حصر معايير الحكم عليه من خلال مواقفه وتوجهاته في ثلاثة ملفات: النووي، الإرهاب، والتدخل في سوريا، حيث قال يعلون ان الانتخابات لن يتمخض عنها أي تغيير لأن القائد الروحي هو المسؤول عن اختيار الرئيس، وطالب الغرب أن يظهر مزيداً من الصرامة تجاه إيران دبلوماسياً، وكذلك مستوى تشديد العقوبات، وطالب أيضاً ان يبقى الخيار العسكري قائماً.أما وزيرة الخارجية ليفنى فطالبت بالحكم على إيران من خلال أفعالها في المجال النووي كما في مجال الإرهاب، وطالبت إيران أن تتجاوب مع مطالب المجتمع الدولي بوقف برنامجها النووي، والكف عن نشر الارهاب في العالم.أما في الاعلام؛ فقد سلطوا الضوء على شخصية روحاني ومسيرته المهنية والوظيفية، وأهم ما أدلى به من تصريحات أثناء المناظرة التلفزيونية من زاوية واحدة تخدم السياسات الاسرائيلية التي تقول ان الوجوه فقط هي التي تغيرت، وأن التغيير جاء بضوء أخضر من خامنئي لخدمة عدة أهداف:- تخفيف حدة الاحتقان الداخلي، وانقاذ البلاد من ربيع فارسي بطريقة تضمن التماسك، وتضمن استمرار مكانة الزعيم الروحي واستمرار سيطرة أركان النظام.- كسب إيران لمزيد من الوقت في المفاوضات مع الغرب، وتوفير هامش كبير من القدرة على المناورة بهدف وقف تصعيد العقوبات الاقتصادية، وربما تخفيف حدة العقوبات المفروضة عبر وجه معتدل يجيد الحديث بدبلوماسية مقبولة على الغرب، وربما ينجح في فتح حوار إيجابي مع البيت الأبيض.- اجراء اصلاحات داخلية اقتصادية.وقد حذر الاعلام الإسرائيلي من أن البرنامج النووي الإيراني شهد تطوره الأكبر في رؤساء معتدلين أمثال خاتمي ورفسنجاني اللذين تحدثا عن حوار الحضارات، ولم ينكرا المحرقة، ولم يتحدثا عن القضاء على إسرائيل، وينسب لهم الاعلام الإسرائيلي نجاحهم في جعل البرنامج النووي يبدو أقل خطراً، بينما نجاد جعله خطراً فورياً، ويعيد الاعلام التذكير بأن الرئيس المنتخب روحاني كان في عهد رفسنجاني مكلفاً بإدارة الحوار مع الغرب بشأن المشروع النووي.وإمعاناً في التشكيك بنوايا روحاني في الملف النووي؛ كتب رون بن يشاي المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت احرونوت" مقالا تحت عنوان (فخ العسل الذي ينصبه روحاني) حيث حصر توجهات روحاني بثلاثة سيناريوهات تعبر كلها عن مناورات ذكية هدفها اختراق الموقف الغربي، وفى نفس الوقت تمكين إيران من دخول النادي الدولي، وهي حسب برن يشاي تنحصر ما بين كسب الوقت أو الانحناء المؤقت أمام العاصفة أو الخداع.