يصعب ان نُصدق، لكن المتنافسين في الرئاسة الامريكية ضيقا قوس مواقفهما من مسائل السياسة الخارجية لتصبح سؤالا حاسما واحدا وهو من منهما هو الصديق الأفضل لدولة مجنونة واحدة هي اسرائيل. من الذي طرحها تحت اطارات الحافلة ومن الذي سيجذبها ليعطيها الحبات الزرقاء التي تُهديء جأشها. يجوز لنا ان نتساءل عن مبلغ عقلانية المتنافسين في الرئاسة في علاقتهما باسرائيل. أُثير تأييد اسرائيل دائما في حملات الانتخابات الامريكية، وقد أسهم الصوت اليهودي في ذلك اسهاما جوهريا. لكن في حين كانت اسرائيل في العقود الاخيرة تروج لنفسها بأنها هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط وبأنها الباقية من المحرقة وبأن العالم مدين لها بدين تاريخي، يبدو اليوم أنها أصبحت كنزا انتخابيا امريكيا بسبب تعويقها خصوصا. ان جنونها المهدد، واستمرار الاحتلال والتهديد بالهجوم على ايران والمس بحقوق المواطن ما كان يجب ان تحطم صورتها فقط بل ان تجعل المتنافسين يتنافسان في مبلغ اشمئزاز كل واحد منها. لكن اسرائيل وبصورة مفارقة أصبحت شعار انتخابات يجهد كل طرف في المواجهة الامريكية في البرهان على ملكية الحق فيها. ما يزال يوجد في الحقيقة من يؤمنون، ولا سيما في اسرائيل، بأن علاقة المتنافسين الامريكيين باسرائيل تعتمد على صفات الدولة الرائعة وعلى عبقرية قادتها. ومن المؤكد انه يوجد ايضا من يرضيه ان الشفقة على دولة لم تحقق حلمها بقدر كاف، تحث المرشحين على احتضانها. لكن يبدو ان تشخيص التناقض الامريكي – حيث توجد ادارة تجهد نفسها على نحو عام في مطاردة دول تمس بحقوق الانسان وتعمل على مواجهة الاحتلال – غير موجود في مجال علم النفس أو علوم الغباء. بل أساسها في المقالة المنسوبة الى الرئيس روزفلت الذي قال في طاغية نيكاراغوا سموزا انه "ابن زانية في الحقيقة لكنه ابن زانيتنا". أصبحت هذه المقالة أساسا ثابتا في السياسة الخارجية الامريكية – الجمهورية أو الديمقراطية – الى حد أنها أعمت متخذي القرارات حتى عندما بدأت الثورات في المنطقة، من الثورة الاسلامية في ايران التي طردت الشاه، الى ثورات الربيع العربي التي طُرد فيها "أبناء زانيات" آخرون كانوا ركائز لمكانة الولايات المتحدة في المنطقة. مضى "الصديق" حسني مبارك، وهرب "الشريك" زين العابدين بن علي من تونس، وانصرف "المتعاون" علي عبد الله صالح من اليمن وهو الذي منح مجال عمل عسكريا لمواجهة القاعدة، وقُتل "التائب" معمر القذافي. وكانوا جميعا ينطبق عليهم تعريف "ابن زانيتنا". تنضم اسرائيل الآن الى مجموع الاصدقاء الذين لا يجوز تركهم لا لأنها ضرورية لوجود الولايات المتحدة ولا لأنها تفيد سياسة واشنطن في المنطقة بل لأن مبدأ "عدم التخلي" أصبح مركز النقاش السياسي بين المرشحين. هذا مبدأ خطير جدا بالنسبة لاسرائيل، فهو جيد لموسم انتخابات وباعتباره شعار استيعاب في مواجهة تلفزيونية. لكنه فضلا عن انه غير مستقر يضع اسرائيل في مرتبة واحدة مع دول تقرر ذات مرة أنه لا يجوز التخلي عنها ايضا. وبدل القاعدة القيمية التي نجحت اسرائيل في ان تُقيم علاقتها بالجمهور الامريكي عليها، ومنها علاقتها بالادارات الامريكية على اختلافها، تحولت لتصبح مرساة تكتيكية. ان تأييدها يرمي قبل كل شيء الى تجنيد الصوت اليهودي – وتبرعات مالية للمرشحين ايضا – ولاظهار "المسؤولية" بعد ذلك نحو الاصدقاء باعتباره جزءا من سياسة خارجية يمكن تغييرها في كل لحظة. ان حكومة اسرائيل الحالية وتلك التي ستحل محلها كما يبدو ايضا، تقود اسرائيل الى هذه المنزلة مباشرة. فهي ما تزال على يقين من أنها قاعدة التأييد الأهم لواشنطن في الشرق الاوسط. وهي ما تزال مبتهجة لأنها في مركز المواجهات الرئاسية. وهكذا تبقى الامور في الظلام الى ان يُضاء النور.