أغراض أمي .. وبقج الوكالة ماتت أمي في 15 تموز من 2011، ماتت بعد 5 سنوات بالتمام من موت أبي، ومنذ موتها لم أدخل منزلنا، منزل العائلة إلاّ لماما. كان أخي تزوّج وأقام مع أمي، وظلّ يقيم في المنزل بعد موتها سنة وشهرين. وهكذا غدا المنزل منزله، وبيت أخيك يبدو لك بيتاً غريباً. منذ ماتت أمي لم أنظر في أغراضها. لم أعرف ماذا تركت، ولم أتساءل ماذا سأفعل بأغراضها: غرفة نومها، غرفة ضيوفها، ملابسها، أدوات مطبخها، غسّالتها، غرفة نوم ضيوفها، ساجلوناتها، دواشكها، لحافاتها، حراماتها، ... إلخ. حين غادر أخي المنزل وجب عليّ أن أتفقّد أغراض أمي ومنزلنا، فعليّ أن أرعاه وأن أرحمه لكي لا يموت بعد موت سكانه، فالبيوت، كما كتب محمود درويش، تموت بموت سكانها. وحين زرت رام الله في تموز لأشارك بندوة عن غسان كنفاني، سرت في الشارع المؤدّي إلى مركز السكاكيني، فهالَنِي ما رأيت من بيوت تبدو ميتة إما لموت سكانها وإما لهجرتهم وإما انتظاراً لمشتر يدفع السعر الذي يريدون. وهكذا بدأت أنظر في أغراض أمي. ماذا سأفعل بغرفة ضيوفها، بغرفة نومها، بغسّالتها، بساجلوناتها، بفراش ضيوفها؟ ربما تساءلت أكثر: ماذا سأفعل بثيابها؛ بشالها وتنانيرها، وكابها، وفساتينها، و.. و.. ملابس صلاتها وسجّادتها؟ زوج أختي اقترح عليّ أن أضعها في أكياس، وأن يأخذها هو، فيعطيها لبعض الفقراء في المخيم. أغراض أمي تبدو قديمة بالية، فعدا أنها في سنواتها الأخيرة أخذت ترتدي الجلباب، خلافاً لما كانت عليه في شبابها حيث كانت امرأة عصرية (مودرن) بكل معنى الكلمة، عدا أنها أخذت ترتدي الجلباب، لم تعد تهتم كثيراً باقتناء ملابس جديدة ترتديها حتى في المنزل، وفوق هذا فقد مرّ عام وشهران على موتها، وظلّت ملابسها على حالها، ما جعلها تبدو بالية أكثر وأكثر. هل ذكّرتني الملابس هذه ببقج الوكالة؟ كانت وكالة الغوث توزّع علينا أحياناً بقجاً، بالإضافة إلى الطحين والسكر والتمر والفول والسمنة والأَرُز، وكنا نفرح لها ابتداء، ثم سرعان ما نصدم لما نجده في البقج: ملابس رثّة غير مناسبة كأنها ملابس مات أصحابها منذ سنين. يومها لم أشعر بالإهانة، لكنني الآن أشعر بها كثيراً، فقد كنا من فقراء الناس إلى حدٍّ ما. فجأة وجدتني أجمع أغراض أمي في أكياس وأضعها قرب حاوية القمامة. لماذا؟ لأنني لم أَرِدْ إهانة اللاجئين، وأنا منهم.